حذر بعض السينمائيين المغاربة، من خطورة الصور النمطية التي تروجها أفلام هوليود التي يتم تصويرها في المغرب، وهذا المشكل قائم فعلا ومنذ عقود، فإذا كانت الأفلام الهوليودية في مجملها تقدم مغالطات كبيرة عن الذات والآخر، عن أمريكا أسطورة الكمال وأبطالها الخارقين، فإنها تستطيع إقناع الكثيرين بكل هذه المزاعم المشوهة للوقائع والأحداث التاريخية، من خلال سيناريوهات محبوكة الكتابة مضاف إليها الكثير من البهارات التقنية والجمالية، التي يملك أسرارها المخرجون، لأننا هنا في مواجهة صناعة سينمائية قوية تمتلك كل المقومات، في الوقت الذي تقف فيه انتاجاتنا السينمائية عاجزة عن تمثل الإنسان فبالأحرى أن تنبري للدفاع عنه، وعلى الرغم من ملامسة بعض الأفلام (على ندرتها) للعديد من القضايا السياسية والاجتماعية، فقد ظلت تراوح مكانها ولم تتمكن من الترويج لصورة الإنسان فيها خارج الحدود، ولا حتى تمثل الجدلية القائمة بين التاريخ كمادة درامية والفن السينمائي كفن تركيبي وكخطاب جمالي، ينهل من عدة مرجعيات محلية وكونية، بل اكتفت جل الافلام التي حاولت ملامسة جانب من التاريخ المغربي المنسي، الانطلاق من أفكار وأحداث وشخصيات كبيرة، لكن ما لبثت أن سقطت في معالجة سطحية بسيطة، موسومة بالقصور، جعلتها في غياب فعل إبداعي وتوثيقي حقيقي يقيه رفوف النسيان، فوق هذا سلكت سبلا تعبيرية من شأنها التعتيم وتبخيس تاريخ غني أرادت في الأصل الكشف عن بعض جوانبه المضيئة، الحاضرة في الذاكرة الجمعية والمخيال الشعبي، فباستثناء ما قام به السينمائيون الغربيون، ووفق رؤى مسبقة، لا نعثر على أي وجود لنا سوى في الصورة السينمائية، غير تلك التي رسمها الاخر لنا و لتاريخنا القديم والحديث وهي صورة نمطية أنجزت وفق رؤى إيديولوجية، ودعائية، نستهلكها على عواهنها مجبرين، وكذلك في الصورة التي تقدمها بعض التجارب الجادة القليلة التي تشكل وثائق بصرية لا تقل أهمية عن باقي الوثائق التي يدونها المؤرخون.
يقول “جان كوكتو”: “إن الفيلم هو كتابة بالصور”، والصورة أبلغ في التعبير، وأعمق من حيث إحداث التأثير، باعتبارها تكثيفا للحظات، داخل نسق رمزي ودلالي عميق.
صحيح أن هناك عدة عوامل حكمت انحسار الفيلم التاريخي في السينما المغربية، على الرغم من جماهيرية هذا النوع، من بينها ضعف التمويل، وقصور الخيال والعجز عن العودة إلى التاريخ واستنباط حكمه ودروسه، وتقديمها في قالب إبداعي يشد المتلقي، حيث أن استلهام التاريخ في السينما لا يعني إعادة سرده او تبسيطه وإنما يمثل إغناء لجوهره ودلالاته وإعادة انتاجه من خلال رؤى تتسم بهوية مميزة في استطاعتها حماية خصوصيتنا الثقافية.
سعيد الحبشي