حذرت المنظمات البيئية الدولية من أن يكون عام 2020 العام الأكثر تدميرا لغابات الأمازون المطيرة والأسوأ من العام الماضي الذي عرف انتشار الحرائق ولمدة طويلة، وفي الجهة المقابلة من كوكب الأرض كذلك.
وفي زمن كورونا تزايد تلوث الهواء في الصين مباشرة بعد رفع إجراءات الحجر الصحي واستعادة التنين الصيني عافيته، الشيء الذي ينذر بكارثة بيئية حقيقية خصوصا وأن المركبات الصناعية والمحطات الحرارية لإنتاج الكهرباء والتي كانت متوقفة لعدة أسابيع بسبب الجائحة تنوي تدارك ما فاتها من تلويث للغلاف الجوي.
مسلسل إزالة غابة الأمازون حطم جميع الأرقام القياسية في البرازيل، فمع صدور أحدث البيانات الرسمية تبين أن غابة الأمازون تعرف أسوأ وضعية لها في التاريخ البشري حسب الأرقام المسجلة خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، كما أكدت ماريانا نابوليتانو المديرة العلمية للصندوق العالمي للطبيعة بالبرازيل قائلة “إننا نواجه سيناريو كارثة شاملة للأمازون”.
ووفقا للبيانات التي تم جمعها بواسطة الأقمار الصناعية التابعة للمعهد الوطني لأبحاث الفضاء فقد تمت إزالة الغابات على مساحة 829 كيلومتر مربع من غابات الأمازون المطيرة خلال شهر ماي الأخير، بزيادة 12٪ عن العام الماضي وهي أكبر مساحة يتم اقتلاعها منذ عام 2015 ومنذ بداية العام، وصلت إزالة الغابات إلى أكثر من 2000 كيلومتر مربع وبزيادة 34٪ عن نفس الفترة من عام 2019، هذه البيانات هي جد مقلقة لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار موسم الجفاف الأكثر عرضة للحرائق والذي يبدأ في شهر يونيو الحالي، و يقدر معهد أبحاث الأمازون البيئي أن 9000 كيلومتر مربع من الغابات تم إزالتها بالفعل.
المنظمات البيئية الدولية توجه أصابع الاتهام للرئيس اليميني المتطرف جاير بوليسونارو بسبب تشكيكه في قضايا تغير المناخ، وكذا بتشجيعه لإزالة الغابات من خلال الدعوة إلى تقنين الزراعة أو التعدين في المناطق المحمية، وقال كريستيان مازيتي الناطق باسم منظمة غرينبيس البرازيل في بيان له بالمناسبة: “لقد أظهرت الحكومة بالفعل تجاهلها التام للبيئة ولحياة البرازيليين”.
فيروس كورونا والفرصة التاريخية
وفي اجتماع وزاري في أواخر شهر أبريل الماضي، قال وزير البيئة ريكاردو ساليس إنه يريد الاستفادة من “حقيقة أن عدسات وسائل الاعلام الدولي تركز على الفيروس التاجي” من أجل “تمرير الإصلاحات وتخفيف القوانين” خاصة تلك المتعلقة بحماية الأمازون.
وانتهازا للفرص التاريخية والهدايا المجانية التي يقدمها فيروس كورونا للفاعل السياسي فقد ارتفعت مساحة الغابات التي يتم تدميرها عبر العالم، في الوقت الذي يدعو فيه الرئيس البرازيلي بوليسونارو إلى تطوير غابة الأمازون قائلا إنه “من الضروري انتشال الناس من الفقر” ويضيف أنه: “يتم تشويهه بشكل غير عادل من قبل وسائل الإعلام”.
وبعد تداول شريط الفيديو للاجتماع الوزاري أصدر وزير البيئة تعليقا “لقد دافعت دائما عن إزالة البيروقراطية وتبسيط المعايير في جميع المجالات بحس جيد وكل ذلك في إطار القانون، فتقاطع القوانين غير منطقي ويعيق الاستثمارات وتوفير فرص الشغل وبالتالي فهو يعيق مسألة التنمية المستدامة في البرازيل”.
وأضاف وزير البيئة ساليس ” نحن نشتكي من التحديات القانونية التي تطرحها القوانين البيئية الحالية لذا فالحكومة بحاجة إلى “مدفعية” قانونية للدفاع عن التغييرات التي يجب أن تتجاوز الكونغرس”.
وقالت لويزا ليما عن منظمة غرينبيس البرازيل في بيان إن: “ساليس يعتقد أن الموت في المستشفيات (بسبب كورونا) هو فرصة جيدة للمضي قدما في مشروعه المناهض للبيئة”.
وتتميز غابة الأمازون باعتبارها إحدى الغابات المدارية، وبكونها تأوي ملايين النظم الإيكولوجية ونصف أنواع النبات والحيوانات في العالم. وفي دراسة قام خلالها عدد من العلماء الأوروبيين والأفارقة، بقيادة جامعة “ليدز” البريطانية بفحص أكثر من 300 ألف شجرة في منطقة الأمازون والمناطق الاستوائية الإفريقية، خلص العلماء إلى أن “الأشجار الموجودة في الغابات الاستوائية باتت تستهلك كمية أقل من غاز ثاني أكسيد الكربون مقارنة على ما كانت عليه في مرحلة التسعينيات”، حيث توقع الباحثون أنه: “بحلول عام 2035 لن تصبح هذه الغابات قادرة على امتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون على الإطلاق” وأضاف العلماء “وبحلول 2060 قد تصبح الغابات الاستوائية مصدرة للكربون بسبب مخلفات الحرائق وإزالة الأشجار وانبعاثات الغازات”.
هذه الكارثة البيئية المرتقبة من المنتظر أن تتضاعف نتائجها إذا أخذنا بعين الاعتبار أن وضعية الغابات المدارية “ستزيد من مشكلة تغير المناخ بدلا من التخفيف منها”، فقد حذر باحثون في دراسة نشرت مؤخرا من أن: “غابة الأمازون اقتربت من نقطة اللاعودة بسبب التغير المناخي، وقد تتحول إلى سهول قاحلة في غضون الخمسين عاما المقبلة”، وأشار الباحثون في الدراسة نفسها إلى أن: “نظاما بيئيا رئيسيا آخر هو الحاجز المرجاني في البحر الكاريبي قد يندثر بعد 15 عاما إذا ما تجاوز هو أيضا نقطة اللاعودة”، ولفت العلماء إلى أن هذه التغيرات قد يكون لها انعكاسات كارثية على البشر والأنواع الحية الأخرى التي تعتمد على هذه المواطن الطبيعية، و يشير الخبراء أن “الأسباب في هذه التعديلات الحاصلة ترجع إلى التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري والأضرار البيئية وقطع الأشجار في التي تصيب غابة الأمازون مباشرة، والتلوث وارتفاع الحموضة فيما يخص مياه المحيطات وحالة الشعاب المرجانية”.
الهيئة الحكومة الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة لهيئة الأمم المتحدة تؤكد بأن “تسعين بالمائة من الشعاب المرجانية في المياه الضحلة ستتأثر سلبا إذا ما ارتفعت حرارة الأرض الى 1.5درجة مئوية مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، وستختفي هذه الشعاب بشكل شبه كامل، في حالة بلوغ درجة حرارة كوكب الأرض الى درجتين مئويتين”.
إلا أن العلماء يعتبرون أن خسارة 35 بالمائة من مساحة غابة الأمازون منذ عام 1970، بسبب زراعة الصويا واستخراج زيت النخيل والوقود الحيوي وتربية المواشي أو لتجارة الأخشاب سيسرع من اختفاء الغابة الأمازونية التي تمتد على خمسة ملايين كيلومتر مربع.
سايمن ويلكوك من جامعة بانغور معد الدراسة التي نشرت مؤخرا نبه إلى أنه “يجب أن تستعد البشرية لتغيرات جديدة أسرع بكثير مما كان متوقعا”. وأوضح أن “حرائق الغابات التي خرجت عن السيطرة في الأمازون وأستراليا تشير إلى أن الكثير من الأنظمة البيئية باتت على حافة الهاوية”.
مسلسل تدمير غابة الأمازون
وللعلم فإن مسلسل تدمير أكبر غابة في العالم يعود لعدة سنوات. على سبيل المثال فقد فقدت رئة الأرض عام 2008 حوالي 12287 كيلومتر مربع من مساحتها في ظرف اثنا عشر شهرا، ومابين صيف 2018 وصيف 2019 فقدت رئة الأرض أكثر من 10000 كيلومتر مربع في عام واحد، كما كشفت البيانات الصادرة عن المعهد الوطني لدراسات الفضاء عن أن نسبة إزالة الغابات في أقاليم السكان الأصليين بلغت 75٪ في عام واحد، وواكبت عملية التدمير وصول الرئيس اليميني المتطرف جاير بوليسونارو إلى السلطة في البرازيل التي تمتلك أزيد من 60 في المائة من مساحة غابة الأمازون، و تشكل ولاية بارا الأمازونية الكبيرة في الشمال وحدها 44٪ من إجمالي إزالة الغابات خلال اثني عشر شهرا و75٪ من إزالة الغابات من أراضي الشعوب الأصلية.
ترى من سيتدخل لإيقاف تدمير البرازيل لغابة الأمازون؟ هل هي هيئة الأمم المتحدة بصفتها تجمع العديد من البلدان التي تعيش نفس مشكل تدمير النظم الايكولوجية الغابوية، أم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية؟
تعتبر الغابات الاستوائية رئة كوكب الأرض، فغابة الأمازون لوحدها تنتج 20٪ من الأوكسجين في العالم، ورغم قدرتها على امتصاص وتخزين ثاني أوكسيد الكربون فهي تجعلها مصدرا رئيسيا للأوكسجين والتنوع البيولوجي وعنصراً أساسيا في مكافحة تغير المناخ، ومع ذلك يتم تقليل نطاقها عن طريق الحرائق المدمرة، مما تسبب في عواقب وخيمة على صحة الإنسان وأنماط حياة السكان المحليين.
فرنسا وجهود حماية الأمازون
التزمت فرنسا بصفتها دولة أمازونية بحزم وبشكل ملموس بالحفاظ على محميات التنوع البيولوجي و تواصلت المشاركة الفرنسية خلال الجمعية العامة الرابعة والسبعين للأمم المتحدة مع المنظمة إلى جانب كل من دولة الشيلي وكولومبيا في حدث تعبئة مخصص لحماية غابات الأمازون والغابات الاستوائية بفضل تحالف الغابات الاستوائية عبر ربط جميع الجهات الفاعلة المعنية من سلطات سياسية إلى سكان أصليين بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والعلماء والشركات، ويهدف هذا التحالف الى الحفاظ على التنوع البيولوجي في إدارة المناطق المحمية مع تطوير سلسلة القيمة المستدامة في مناطق الغابات بالتعاون مع صناعة الأغذية، عبر صياغة ممارسات الإدارة المستدامة للأراضي والغابات بالتنسيق مع السكان المحليين وأصحاب المصلحة في الميدان بالإضافة إلى تعزيز الحلول من المعارف والممارسات التقليدية و تعزيز التعاون عبر الحدود للمناطق المحمية مع بناء إطار سريع لتقييم هذه الإجراءات والإبلاغ عنها.
ما ينطبق على حوض الأمازون ينطبق على حوض الكونغو أو إندونيسيا، ولكن سيكون من الضروري أيضا تضمين الغابات الشمالية وغابات البحر الأبيض المتوسط وكندا وروسيا كما يجب التعامل مع التعبئة باسم “الصالح العام للبشرية” بحذر هذا ما يهدف اليه تحالف الغابات الاستوائية باعتباره عنصر فعال في مفاوضات المناخ للضغط على صانعي القرار على المستوى الكوني من أجل تخفيف وطأة الدمار الكبير الذي تعيشه هذه المنظومات الايكولوجية.
في مقابل ذلك فإن الرئيس البرازيلي جاير بوليسونارو مقتنع جدا بكون العالم يريد سرقة غابة الأمازون من البرازيل وأن خطاب حماية البيئة الذي تتبناه المنظمات البيئية الدولية ما هو إلا مؤامرة لتحقيق هذه الغاية.
عالم الأنثروبولوجيا فيليب ديسكولا يؤكد أن: “في الأمازون أولا وقبل كل شيء يتم تدمير البيئة المعيشية للهنود الأمريكيين”، ويذكر عالم الأنثروبولوجيا أنه: “في غابة الأمازون تعيش ما يقرب من 600 مجموعة عرقية، وأقترح جعلها شخصية قانونية من أجل حماية كنز التنوع البيولوجي هذا بشكل أفضل”.
يقوم فيليب ديسكولا بتطوير أنثروبولوجيا مقارنة للعلاقات بين البشر وغير البشر التي أحدثت ثورة في العلوم الإنسانية والإنسانية، والتفكير في التحديات البيئية في عصرنا. وفي الوقت الذي زادت فيه حرائق الغابات بنسبة 85٪ منذ بداية العام في منطقة الأمازون، يؤكد فيليب أن غابات الأمازون قد أصبحت معرضة للخطر أكثر من أي وقت مضى.
تعد إزالة الغابات قضية حساسة في البرازيل، وأثارت كارثة الأمازون انتقادات حادة في المجتمع الدولي وخاصة في فرنسا ضد إدارة الزعيم البرازيلي المتعلقة بالغابة وبمشاريع التنمية الاقتصادية ولاسيما أنشطة التعدين، وعلى إثره أقالت حكومة بوليسونارو رئيس معهد أبحاث الفضاء السابق ريكاردو جالفاو بعد اتهامه بالمبالغة في التصريح بحجم إزالة الغابات.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش وهي منظمة غير حكومية قد أشارت في تقريرها السنوي إلى سياسة البرازيل البيئية “يجب على حكومة بوليسونارو التوقف عن إضعاف الحماية البيئية واتخاذ تدابير ضد الجماعات الإجرامية التي تدمر غابات الأمازون، وتهدد المدافعين عن الغابة، ودون أي دليل ألقت الحكومة باللوم على المنظمات غير الحكومية في حرائق الأمازون بينما فشلت في القتال ضد الجماعات الإجرامية التي تقوم بإزالة وحرق الغابات لتثبيت الحقول والمراعي في مكانها”.
وتعتبر بانتانال أكبر الأراضي الرطبة على كوكب الأرض وأكبر ملاذ للتنوع البيولوجي على وجه البسيطة. هذه المنطقة عرفت خلال السنة الماضية والأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة زيادة في نسبة إزالة الغابات هي الأكثر وضوحا ست مرات أكثر من الحرائق في السنة، حيث تم الكشف عما مجموعه 89178 مصدر حريق في منطقة الأمازون البرازيلية في عام 2019 مقارنة بـ68345 في عام 2018 وفقا لبيانات المعهد الوطني للأبحاث، في الوقت الذي يكون فيه الوعي البيئي في صميم الاهتمامات، تستمر حالة غابة الأمازون “التي تعد موطنا لأكبر تراث للتنوع البيولوجي” في التدهور وتهديد بقاء الأنواع. وفي ظل جائحة الفيروس التاجي تسارعت عملية إزالة الغابات في الأمازون هذا العام مما أثار مخاوف من تكرار سيناريو العام الماضي.
التخوف من إهمال معركة حماية الأمازون
إن وباء الفيروس التاجي في البرازيل الذي أودى بحياة ما يقرب من 46000 شخص و حوالي مليون حالة إصابة يزيد من تعقيد الأمور، بولاية الأمازون واحدة من أكثر الولايات البرازيلية تضررا وهي التي تغطيها الطبيعة إلى حد كبير .
مع توفر وحدة وحيدة للعناية المركزة فقط، انتشر الوباء بسرعة كبيرة وكثرت المخاوف بخصوص مجتمعات السكان الأصليين التي تعرف تاريخيا بشدة تعرضها للأمراض، كما تخشى المنظمات البيئية من إهمال حماية الغابات بسبب المعركة ضد الجائحة، وقد أطلق عمدة عاصمة الأمازون ماناوس نداء عاجلا لتقديم المساعدة، قال آرثر فيرجيليو: “نحتاج إلى أفراد طاقم طبي وأجهزة للتنفس ومعدات وقائية وكل شيء يمكن أن ينقذ حياة أولئك الذين يحمون الغابة”.
عودة السواد لسماء الصين
وفي الجهة المقابلة من كوكب الأرض، وكما كان منتظرا، فإن عمر النقاء في السماء الصينية كان قصير الأجل، بعد أن أغلقت المصانع والمحطات الحرارية وتوقفت حركة السير والملاحة الجوية والبحرية، بسبب الفيروس التاجي. لكن مع انحسار الوباء لاحقا واستئناف العمل، عاد التلوث وبسرعة أكبر حيث يحاول أرباب المصانع تعويض الوقت الضائع.
وحسب منظمة غرينبيس فرع الصين، فقد بلغت مستويات تلوث الهواء أعلى درجاتها في شهر أبريل 2020 أكثر مما كانت عليه في نفس الوقت من العام الماضي، وأكد “لي شو” خبير المناخ لدى منظمة غرينبيس أنه “من اللافت للنظر هو السرعة التي ارتفع بها مستوى التلوث بعد الانخفاض الحاد الذي سجل في الربع الأول من هذه السنة”.
وانخفضت مستويات انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين في المدن الرئيسية في شرق ووسط الصين بنسبة 30٪ في الشهرين الأولين من هذا العام، وارتفعت في الأشهر التي بعدها مباشرة كما أكدت ذلك صور وكالة ناسا الأمريكية ووكالة الفضاء الأوروبية حيث بلغ مستوى هذا الملوث إلى 25.4 لكل متر مكعب من الهواء في شهر أبريل الماضي مقابل 24.6 في نفس الشهر من العام الماضي.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية يقلل تلوث الهواء المزمن من متوسط العمر المتوقع للشعب الصيني فوق أربع سنوات، ويؤكد لي شو أن “الانتعاش القوي فى الانتاج الصناعى والظروف الجوية غير المواتية أثرت على رقم أبريل الضعيف”، مضيفا أن “إنتاج الكهرباء، ومعظمه يعمل بالفحم ارتفع بنسبة 1.2٪ في شهر أبريل الماضي”.
المسؤولون المحليون في مقاطعة فوجيان التي يوجد بها العديد من مصانع النسيج ومصنعي المعدات الإلكترونية لم يفرضوا حدودا للانبعاثات السامة للشركات المصنعة مع إطلاق خطة الإنعاش الاقتصادي للتنين الصيني كما أشارت وزارة الصناعة الصينية.
وارتفع استهلاك الكهرباء في الصين خلال النصف الأول من شهر أبريل الماضي مقارنة بشهر أبريل من العام الماضي، مع بدء تعافي التنين الصيني المتضرر من جراء فيروس كورونا تدريجيا في حين تخفف البلاد إجراءات الاحتواء الصارمة، التي تبنتها لمواجهة الجائحة.
ومباشرة مع انتعاش الاقتصاد الصيني زاد استهلاك الكهرباء في ثاني أكبر اقتصاد في العالم بــــ1.5 في المائة في أول أسبوعين من شهر أبريل 2020 مقارنة به قبل عام، بينما ارتفع توليد الكهرباء 1.2 في المائة.
وسجلت الصين تراجعا كبيرا في استهلاك الكهرباء بلغ 4.2 في المائة في شهر مارس2020 و10.1 في المائة في شهر فبراير 2020، مع فرض السلطات قيودا صارمة على السفر وأنشطة الشركات من أجل احتواء المرض، الذي اكتشف أولا في مدينة ووهان الصينية.
في الصين انخفضت قوة توليد الكهرباء في الربع الأول من هذا العام بنسبة 6.8 في المائة عما كان عنه قبل عام في حين تراجعت قوة توليد الكهرباء الحرارية 8.2 في المائة والكهرومائية 9.5 في المائة على أساس سنوي.
قمة أمازونية تاريخية
ما يقع في الصين وما يقع في البرازيل يجعلنا نطرح نفس التساؤل، ما الهدف من عقد مؤتمرات المناخ إذا لم تكن ستفعل مخرجاتها من طرف الدول الأكثر تدميرا لكوكب الأرض؟
غابة الأمازون على سبيل المثال كانت موضوع العديد من الاجتماعات والملتقيات الدولية للحد من النزيف الذي يصيبها لسنوات متعددة، آخر اجتماع جمع سبع دول أمازونية في المنطقة يوم الجمعة 6 شتنبر 2019 في عز حرائق غابة الأمازون في مدينة ليتيسيا الكولومبية لمناقشة التعاون الإقليمي و لتوقيع ميثاق غابة الامازون المسمى ميثاق ليتيسيا.
الرئيس البيروفي مارتن فيزكاررا قال خلال كلمته الافتتاحية “لم تعد النوايا الحسنة كافية لإنقاذ الغابة”، مشيرا إلى الحاجة إلى “إجراءات صارمة”، و يخطط ميثاق ليتيسيا في منطقة الأمازون الذي تم التوقيع عليه في نهاية الاجتماع لتعزيز التعاون في مجال مراقبة الأقمار الصناعية ومكافحة إزالة الغابات ومنع الحرائق وتبادل البيانات المناخية، لكن نص الميثاق يحتوي على عدد قليل من التدابير الملموسة.
تم تنظيم القمة في أقل من أسبوعين من إعلانها من قبل الحكومة الكولومبية، حيث كان المروجون يعتزمون الاستفادة من العاطفة التي أثارتها موجة الحرائق في البرازيل خلال صيف العام الماضي، تقول الباحثة البرازيلية بياتريس ميراندا: “تأخرت بلدان المنطقة عن موعدها منذ وقت طويل”، والمشكلة هي أن الدول الأمازونية غير قادرة على تنفيذ سياسات عامة فعالة وهي في نفس الوقت مسؤولة جزئيا عن الأزمة الحالية، للتذكير بأن أول معاهدة تعاون في الأمازون تعود إلى عام 1978.
إلى جانب الرئيس الكولومبي إيفان دوكي والبيروفي مارتن فيزكارا والإكوادوري لينين مورينو والبوليفي إيفو موراليس مثل في قمة ليتيسيا دول السورينام وغوايانا والبرازيل أعضاء حكوماتها في حين لم تتم دعوة رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو.
استمرت “القمة الكبرى للأمازون” لمدة أربع ساعات، عقد الاجتماع في الحرم الجامعي الأخضر حيث لا يوجد متظاهرون الذين من الممكن أن يعرقلوا المناقشات القصيرة، وحتى السكان المحليون الأصليون (الهنود)، جيئ بهم لاستقبال رؤساء الدول فقط، كانوا هناك من أجل الفولكلور والصور، ولم تتم دعوتهم للتحدث.
وقالت نيللي كويرو، من اللجنة الوطنية للاتصال بالسكان الأصليين: “إنه لأمر جيد أن تشعر الحكومات في النهاية بالقلق بشأن حماية الأمازون”، ولكن لدينا سبب للخوف من أن لا شيء سيتغير”.
الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو الذي رفض الدعوة لأسباب صحية ظهر عن طريق التداول بالفيديو، وأكد من جديد أطروحاته السيادية: “الأمازون ينتمي إلى البلدان الوحيدة التي لديها ولها الحق في الدفاع عنها كما تراه مناسبا”.
في الطرف الآخر من الطيف السياسي احتج إيفو موراليس على استبعاد فنزويلا، وقال آخر حليف لمادورو في القارة “الدفاع عن الكوكب يعني التغلب على خلافاتنا الأيديولوجية”.
نقاء سماء الاتحاد الأوروربي
أدت الاجراءات الاحترازية ضد كورونا في كل من إيطاليا وفرنسا وألمانيا إلى انخفاض غير مسبوق في تلوث الهواء. و نظرا لأن الجسيمات الدقيقة وغاز ثاني أكسيد النيتروجين هي المسؤولة سنويا في أوروبا عن وفاة أكثر من 400 ألف شخص وفقا لوكالة البيئة الأوروبية، فقد حاول الباحثون تقدير عدد الأرواح التي تم إنقاذها بفضل هذا الانخفاض المذهل في مستويات التلوث الذي لوحظ مع تنفيذ تدابير مكافحة جائحة فيروس كورونا، حيث تم إنقاذ حياة حوالي 11 ألف شخص من الوفاة بسبب التلوث في أوروبا ووفقا لدراسة نشرت من قبل مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف وهي منظمة بحثية مستقلة دولية يوجد مقرها في فنلندا.
في فرنسا انخفضت مستويات ثاني أكسيد النيتروجين والجسيمات الدقيقة في الهواء بنسبة 40٪ في أبريل أي إنقاذ حياة ما يعادل 1230 شخص من الوفاة بسبب التلوث الهوائي حسب مركز الأبحاث الأوروبي.
مع تجنب 2083 حالة وفاة، فإن ألمانيا هي الأكثر استفادة من هذا الانخفاض في مستويات التلوث المرتبط بالتباطؤ في النشاط الاقتصادي تليها المملكة المتحدة 1752 حالة وفاة وإيطاليا 1490 وفرنسا 1230 وإسبانيا 1081 حالة وفاة.
للوصول إلى هذه التقديرات قام باحثو مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف بتحليل البيانات لأكثر من 3000 محطة قياس تركيزات الجسيمات الدقيقة وغاز ثاني أوكسيد النتروجين عبر أوروبا خلال شهر أبريل الماضي ومقارنتها بمستويات السنوات السابقة مع مراعاة الظروف الجوية والمناخية، حيث أظهر العلماء انخفاضا عاما بحوالي 40٪ في متوسط مستوى انبعاثات غاز النتروجين في الجو.
حصاد ثقيل لفيروس كورونا المستجد
حصدت جائحة كورونا في أوروبا عشرات الآلاف من الأرواح، فمن أصل 200 ألف حالة وفاة في أوروبا فقدت ألمانيا حوالي 8900 شخص بسبب فيروس كورونا مقابل 42 ألف حالة وفاة بالمملكة المتحدة و34400 بايطاليا و29500 بفرنسا و27 ألفا بإسبانيا، و9660 في بلجيكا 6070 في هولندا، وفي مقابل ذلك فقدت الدول الأمازونية أيضا عشرات الآلاف من الأرواح، وفي مقدمتها دولة البرزايل بحوالي 45500 حالة وفاة ومليون حالة إصابة جراء فيروس كورونا، متبوعة بدولة الايكوادور بحوالي 4000 حالة وفاة ودولة البيرو بحوالي 7050 حالة وفاة.
ومع ذلك تسارعت عملية اجتثاث الغابات في حوض الأمازون بشكل كبير ومخيف في زمن كورونا وبسرعة كبيرة بالتوازي مع تسارع الآلة الصينية في تلويث الغلاف الجوي دون أي اكتراث بما تخبئه لنا الأيام القادمة من مفاجآت لن تنفع معها لا اجتماعات ولا مؤتمرات ولا ملتقيات علمية ولا ائتلافات للجمعيات والمنظمات البيئية التي تستفيد من الدعم المباشر بهدف التوعية و التحسيس وتقوية القدرات، في حين تبقى غابة الأمازون على حالها وتئن في ظلام حالك وهي تعيش على وقع مسلسل تدمير مستمر، فلا صيحات المنظمات البيئية التي تدعي الدفاع عن المنظومات الإيكولوجية نفعت، ولا تقوية قدرات الفاعل المدني ولا السياسي آتت أكلها، و لا مسيرات المناخ المدفوعة الأجر أتت بالنتائج المتوخاة منها، و لكن التغيير قادم لا محالة ومطلوب في هذه الآونة و قبل أي وقت مضى، ولن يضيء ظلام غابة الأمازون إلا شباب يحمل رسالة التغيير الشامل للمنظومة برمتها، إنه الشباب من أجل المناخ، من أجل التنمية المستدامة، من أجل الأمازون، ومن أجل الانتقال الاقتصادي نحو صفر كربون.
> محمد بنعبو خبير وناشط بيئي