يعتبر تجريم فعل طرد الزوج من بيت الزوجية، أو الامتناع عن إرجاعه إليه، من بين أهم المقتضيات التي أقرها قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، حيث أتى هذا النص، ليضع حدا لفراغ تشريعي عمر لمدة تزيد عن 14 سنة، ذلك أن مدونة الأسرة الصادرة سنة 2004، نصت في مادتها 53 على أنه: «إذا قام أحد الزوجين بإخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر، تدخلت النيابة العامة من أجل إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية حالا، مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأمنه وحمايته «.
ورغم أهمية هذا المقتضى، إلا أنه كان يصطدم على مستوى الواقع العملي بعدم وجود نص قانوني يجرم فعل الطرد، أو الامتناع عن إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية، الشيء الذي ساهم في إفراغ هذا النص من أي حمولة إلزامية، خاصة مع استحضار مبدأ الشرعية الجنائية الذي يقتضي التفسير الضيق للنص الجنائي.
وقد حاول قانون محاربة العنف ضد النساء تجاوز هذا الإشكال، حيث نص في الفصل 1-480 على أنه: «يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 5.000 درهم، عن الطرد من بيت الزوجية أو الامتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 53 من مدونة الأسرة، وتضاعف العقوبة في حالة العود».
كما نص الفصل 1-481 من نفس القانون، على أن «تنازل المشتكي عن الشكاية يضع حدا للمتابعة ولآثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره».
إحصائيات رسمية
يؤكد تقرير رئاسة النيابة العامة بشأن تنفيذ السياسة الجنائية، أنه ومند دخول قانون 103.13 حيز التنفيذ، سجلت 360 قضية تتعلق بالطرد من بيت الزوجية، توبع على أثرها 354 زوجا، في مقابل 06 زوجات فقط، كما سجلت 165 قضية تتعلق بالامتناع عن إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية، توبع على أثرها 164 زوجا، في مقابل زوجة واحدة، مما يؤكد أن غالبية ضحايا هذا النوع من العنف الأسري، هن نساء.
إشكاليات على مستوى التطبيق
على المستوى العملي تم رصد عدة إشكاليات أولية اعترضت تطبيق هذا النص، من قبيل:
أ- ما المقصود ببيت الزوجية؟
< هل هو السكن الذي يملكه الزوج ويعده لسكنى زوجته، أم أنه كل سكن يعده الزوج لسكنى زوجته حتى لو كان مملوكا للغير أي لأقارب الزوج، أم أنه كل سكن يستقر فيه الزوجان حتى لو كان مملوكا للزوجة أو أحد أقاربها، ومرد طرح هذا الإشكال أن قانون العنف ضد النساء تحدث عن بيت الزوجية دون أن يعرفه، وقانون الأسرة الذي يؤطر للعلاقات الزوجية ويحدد التزامات كل طرف منها، يجعل إعداد بيت الزوجية واجبا ملقى على عاتق الزوج الرجل دون الزوجة.
وقد أفرز التطبيق العملي وجود عدة حالات تعذر فيها تنفيذ الأمر بإرجاع الزوجات المطرودات من بيت الزوجية، كما في حالة ما إذا كان البيت المعد لسكن الزوجة مملوكا لأحد أقارب الزوج، وصدر الامتناع من طرفه، خاصة في حالة تقديم الزوجة شكاية من أجل النفقة وإهمال الأسرة أو العنف، حيث يتم طردها من بيت الزوجية من طرف أسرة الزوج كوسيلة لإجبارها على التنازل.
في نفس السياق، تم رصد حالات أخرى يتم فيها التحايل على هذا النص من خلال قيام الزوج بعدم أداء واجبات كراء بيت الزوجية لجعل الزوجة المستفيدة من بيت الزوجية أمام الأمر الواقع لمواجهة قرار إفراغها منه لعدم أداء وجيبة الكراء.
من جهة أخرى، يتم التحايل على هذا المقتضى التشريعي حتى في الحالة التي يكون فيها بيت الزوجية مملوكا للزوج، من خلال تعمد بعض الأزواج تجريد زوجاتهم من المفاتيح، أو تغيير الأقفال، ومغادرة المنزل إلى مكان غير معروف، مما يؤدي إلى تعذر إرجاع الزوجة المطرودة إلى بيت الزوجية، لتغيير الأقفال، وتعذر الاستماع إلى المشتكي به لكونه غادر المكان إلى عنوان غير معروف، وقد ساهم عدم تفعيل مراكز الإيواء التي أقرها قانون العنف ضد النساء في تأزيم وضعية النساء المطرودات من بيت الزوجية.
ب- هل هناك طرد مبرر؟
< يرتبط تطبيق الفصل 1-480 الذي أضيف للقانون الجنائي بمقتضى قانون العنف ضد النساء بشكل كبير بمقتضيات المادة 53 من مدونة الأسرة التي وردت فيها عبارة «اذا قام أحد الزوجين بإخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر..»، ولا شك أن عبارة «دون مبرر» تدفع لطرح السؤال التالي: هل هناك طرد مبرر؟ وما يزيد من تعقيد الإشكال هو أن القانون الجنائي لم يميز بين الطرد المبرر وغير المبرر واكتفى بتجريم الفعل بشكل عام دون تحديد أسبابه؟
على مستوى التطبيق سجلت عدة حالات لنساء اضطررن إلى منع أزواجهن من دخول بيوت الزوجية، بسبب وجودهم في حالة غير طبيعية من شأنها أن تشكل خطرا على حياتهن وحياة الأبناء، ولقد أدى انعدام توافر تدابير للحماية لإبعاد الزوج المعنف للزوجة أو للأبناء إلى التعقيد في تنزيل هذا المقتضى.
ج – هل يمكن تفعيل الأمر بإرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية في حالة وجود قضية طلاق رائجة، أو في حالة عدم تقسيم الممتلكات المشتركة أثناء قيام العلاقة الزوجية؟
< تم تسجيل عدة إشكاليات تتعلق بنطاق تطبيق الفصل 1-480، خاصة عند وجود دعوى طلاق، أو عندما لا يتم البت في مصير الممتلكات المشتركة أثناء الحياة الزوجية، وفي هذا السياق قضت المحكمة الابتدائية بميسور بتاريخ 29/01/2019 ببراءة متهم من جنحة الامتناع عن إرجاع الزوجة إلى بيت الزوجية، بعدما أدلى الزوج بحكم قضائي يقضي بالتطليق للشقاق بين الزوجين، وأكد بأنه لا يمكنه إرجاعها إلى بيت الزوجية لكونها طليقته، وقد تم تأييد الحكم استئنافيا.
وأخيرا يلاحظ صدور عدة أحكام قضائية تتعلق بتنزيل هذا المقتضى الجديد، ولا شك أن استمرار التحسيس بمستجدات قانون محاربة العنف ضد النساء الذي مرت سنتان على دخوله حيز التنفيذ ستسهم في حسن تطبيقه على أرض الواقع.
> بقلم: د .أنس سعدون
دكتور في الحقوق عضو نادي قضاة المغرب