العائلات السورية …نهاية مأساة

وصلت العائلات السورية ليلة أول أمس الأربعاء، للعاصمة الرباط، في نهاية سعيدة لمأساتهم على إثر القرار الملكي الإنساني القاضي بعبورهم لتراب المملكة ومعالجة وضعيتهم بشكل استثنائي، وذلك بعد أن قضوا نحو شهرين عالقين على الحدود بين المغرب والجزائر، قادمين من هذه الأخيرة التي لفظتهم كما يلفظ البحر الغرقى وحولتهم طيلة تلك المدة إلى ورقة سياسية حاولت استغلالها، كما هو حالها بشكل دائم في استعمال مآسي البشر للإساءة للمغرب.
ووصلت مجموعة من السوريات والسوريين الذين كانوا عالقين جنوب شرق مدينة فجيج، والمتكونة من 41 فردا من بينهم 13 طفلا و10 نساء، والذين قضوا أياما عصيبة في ظروف مناخية صعبة، مساء ليلة الأربعاء إلى مقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي نظم رفقة مكتب المفوضية السامية للاجئين، وعدد من هيئات المجتمع المدني، حفل استقبال على شرفهم، إعلانا بذلك عن انطلاق مرحلة أخرى من انتهاء مسار الصعوبات التي مروا بها، مؤداها النظر في طلباتهم، وذلك وفق اختياراتهم إما بطلب اللجوء أو تسوية وضعيتهم الإدارية.
وعبر عدد من أفراد تلك العائلات حينما حطت بهم الحافلة عند مدخل مقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان بحي الرياض على الساعة العاشرة ليلا، عن امتنانهم وشكرهم لجلالة الملك محمد السادس، الذي أصدر قرارا ساميا يقضى بمعالجة وضعيتهم مرددين رغم علامات التعب البادية على محياهم أكثر من مرة عبارات الشكر والامتنان، وقسمات وجوههم تنطق بالظروف جد صعبة التي مروا بها، وسط البراري، تحت أشعة الشمس الحارقة نهارا، وقساوة البرد ليلا، معرضين لخطر التعرض للسعات العقارب ولدغات الأفاعي التي تكثر خلال هذا الموسم.
وعبر أيمن الحاج في كلمة باسم العائلات السورية، عن الامتنان الكبير للقرار الملكي، الذي أنهى محنة عاشتها تلك الأسر في ظروف لاإنسانية، حيث رفضت السلطات الجزائرية السماح لدخولهم أراضيها بعد أن تفاقمت أوضاعهم على الحدود.
وأبدى عبد الرزاق الحنوشي مدير ديوان رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ادريس اليزمي، في كلمة ألقاها خلال حفل هذا الاستقبال، «عن الامتنان والعرفان باسم المجلس لقرار جلالة الملك محمد السادس، في مبادرة إنسانية بإنقاذ هؤلاء اللاجئين الذين كانوا عالقين في ظروف صعبة على الحدود، ومعالجة وضعيتهم، ووضع حد لهذه الحالة في هذا الشهر الفضيل من خلال استقبال أفراد هذه المجموعة من اللاجئين السوريين على تراب المملكة، مشيرا «أنه بقدر الاعتزاز بهذه المبادرة الملكية التي تعتبر خطوة ذات طابع إنساني صرف ، فهي تعد لبنة من اللبنات الكثيرة التي تم إرساؤها في مجال معالجة وضعية اللاجئين والمهاجرين، والذين قصدوا المغرب».
جون بول كفالييري

ومن جهته، أكد ممثل المندوبية السامية للاجئين بالمغرب، جون بول كفالييري، على امتنان المفوضية العليا للاجئين للقرار الملكي الذي تزامن مع احتفاء العالم باليوم العالمي للاجئين، ومكن من دخول السوريين للمملكة، حيث بفضل هاته المبادرة الشجاعة والإنسانية تمكن المغرب من أن يجد مخرجا لمأساة أسر، بينهم أطفال ونساء، كانت تعيش ظروفا قاسية وسط منقطة صحراوية.
وأشاد المسؤول الأممي بالدور الذي يقوم به المغرب في التخفيف من مآسي اللاجئين، خاصة وأن العالم بات يشهد مستويات نزوح قياسية، حيث بلغ عدد اللاجئين عبر العالم الفارين من الحروب والاضطهاد والعنف أكثر من 65 مليون شخص، قائلا» تاريخ 20 يونيو له أكثر من دلالة، فهو عزم للتخفيف من محن أسر نزحت مجبرة من بلدانها ، منوها في ذات الوقت بالتعاون والتنسيق الذي يتم مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكذا بالمجتمع المغربي حيث أبدت عدد من الأسر المغربية عن استعدادها لاستضافة هؤلاء اللاجئين السوريين، وهو الأمر الذي سيتم تنفيذه».
العائلات السورية

ومن جهتها، أكد عدد من أفراد هاته العائلات السورية، أنهم عاشوا أوضاعا مزرية، وتعرضوا لأكذوبة استقبالهم من طرف السلطات الجزائرية، والترويج لذلك إعلاميا، لكن ذلك لم يتم، حيث قالت إحدى المواطنات السوريات «قيل لنا الكثير بخصوص حل قضيتنا، لكن ذلك كان مجرد كلام وكذبة كبيرة روجت لها السلطات الجزائرية بشكل واسع إعلاميا، فالفعل جاء من المملكة المغربية، حيث تم السماح لنا بالعبور للتراب المغربي.
وقالت هذه المواطنة السورية بحرقة «محاولات الاستغلال البشع لملفهم سياسيا من طرف الجزائر في مواجهة المغرب، في ضرب سافر للمواثيق والإعلانات الأممية لحماية اللاجئين وصون حياتهم».
وحكا اللاجئ السوري ، شاهد تلو، للجريدة ، حين سؤاله عن المسار الذي قطعته هاته الأسر وصولا إلى الحدود مع الجزائر، أن كل واحد من تلك المجموعة مر بفصول درامية قبل أن يصل إلى الجزائر، حيث بالنسبة له شخصيا انتقل من دمشق نحو العاصمة اللبنانية بيروت ، برا، ثم اشترى هناك تذكرة طائرة نحو السودان، وتوجه بعد ذلك إلى ليبيا، ليصل إلى الجزائر عبر البر، مشيرا حول كيفية وصول المجموعة إلى الحدود الفاصلة بين المغرب والجزائر، أنها قطعت سيرا على الأقدام مسافة امتدت لست ساعات ليلا عبر مسالك ، للوصول إلى نقطة يمكنهم عبرها دخول المغرب دون مراقبة، لكنهم بقوا هناك عالقين.
اللاجئ الذي بدا منهكا وكان يرافق طفلتين، إحداها تبلغ من العمر 14 عاما وأختها 3 سنوات، بعد أن انتقلت والدتهن الحامل التي كانت رفقة هاته الأسر، إلى مدينة مليلية المحتلة بعد أن ساعدها أحد الوسطاء لاجتياز الحدود والوصول إلى الثغر المحتل، حيث وضعت حملها يوم صدور القرار الملكي بإنهاء مأساتهم بتاريخ 20 يونيو ، والذي يخلد فيه العالم اليوم العالمي للاجئين، قال، مضيفا بشأن اختيار هاته المجموعة من الأسر للمغرب تحديدا ، «إن اختيار المغرب يأتي في إطار البحث عن فرص أفضل للعيش، ففي الجزائر لايتم تسوية وضعيتنا القانونية، ولا يمكن لنا أن نشتغل، ونحن نبحث عن مستقبل لأطفالنا «.
وأبدى المتحدث امتنانه لقرار المغرب بانتشالهم من ظروف موت محقق، نحو حياة مشرعة على كل الآمال، مشيرا بالنسبة للأسر التي وصلت المغرب أن بعضها لديه أقارب بالمملكة، ويريد الاستقرار هنا، وبعض آخر يريد الانتقال إلى بلد أروبا»، معبرا عن الأمل في أن تنتهي الحرب ببلاده ليعود إلى حضنها.

فنن العفاني

Related posts

Top