يُحتفل باليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة وبداية حملة الستة عشر يوما لمناهضة العنف ضد المرأة وقد أغمضت عينيها عن هذا العالم، وقبل أسبوع واحدٍ فقط، ريم مجدي ذات الخمسة عشر ربيعاً، بطلة العالم المصرية في المصارعة، بعد أن اعتدى عليها والدها بالضرب لتقفز من السيارة وهي تسير بسرعة شديدة وتلقى حتفها في نفس اللحظة. وبالرغم من الجهود المبذولة لمحاربة آفة العنف ضد المرأة الذي نراه انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، وعلى الرغم من تجديد الالتزام السنوي بمناهضته، إلا أن الطريق لا يزال طويلا أمام المجتمعات العربية لتبقى الإشكالية قائمة، فتحدث الانتهاكات وبشكل يومي بحق النساء والفتيات في المنطقة. أما آن الأوان حقاً أن نقر بأن العنف موجود في المجتمعات العربية، ويحتاج إلى تشريعات رادعة تقدم الحماية للضحايا، وهي مطالبة بنفس الوقت بالعمل على تغيير علاقات السلطة والقوة، والعمل على تأصيل رفض العنف وعلى تأكيد عنصر المساواة بين كافة الأفراد كما ورد في العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية دون “أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب…”.
أما الجوانب المضيئة فتتمثل في جهود تبذلها عدة دول عربية في مجال تطوير قوانين لتجديد التزاماتها على المستوى الوطني بتأمين الحماية لضحايا العنف وتوفير الخدمات اللازمة للناجيات منه. فمنذ الربع الأخير للعام 2015 إلى الآن رصدنا قيام بعض الدول كالبحرين بإصدار قوانين خاصة بالحماية من العنف الأسري. وأخرى كالجزائر التي ارتأت إدماج النص في تعديلات على قانون العقوبات طالت كلا من العنف ضد المرأة والتحرش في الإطار الوظيفي. كما شهد عددٌ من الدول العربية تداول مشروعات لقوانين تنظر في مكافحة العنف تقدمها الحكومات إلى المجالس التشريعية ومنها: العراق في مقترح قانون الحماية من العنف الأسري، وفلسطين في مسودة قانون حماية الأسرة من العنف، والمغرب في مقترح قانون محاربة العنف ضد النساء وتونس من خلال قانون أساسي يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة. أما الأردن فتنظر حاليا في تعديلات على القانون الخاص بالعنف الأسري والذي تم إقراره في عام 2006.
بكل أسف لا يزال المشرّع العربي متردداً حيال بعض القضايا الأساسية الخاصة بمكافحة العنف، ويتضح هذا من خلال التناقضات التي نقرأها في بعض مسودات القوانين والتي تحيل قضية العنف ضد المرأة في الأسرة في بعض الأحيان إلى مفهوم الحق الخاص الذي يتيح لصاحبته التنازل عنه مما يسقط الملاحقة العامة، مما يدل أن المشرع وإن كان يسعى لمكافحة العنف ضد المرأة ولكنه في ذات الوقت لا يستطيع أن يتجاوز اعتبار قضية العنف ضد المرأة قضية لها اعتبارات خاصة تسمح بعدم النظر في انعكاساتها على المجتمع ويُنظر لها فقط في إطار الأسرة الضيق. من جانب آخر، تنظر بعض مسودات القوانين بمسألة تسوية النزاع في جرائم العنف الأسري المتضمنة في باب الجنح. وإن كانت التسوية كآلية تسمح عادة بتفادي تعقيدات إجراءات التقاضي، إلا أنها في القضايا الخاصة بموضوع العنف ضد المرأة، تسمح بتوفير اعتبارات اجتماعية تضغط على المرأة للقبول بالتسويات من غير أي ضمانات بعدم تكرار الممارسات العنفية.
وبالرغم من التفاوت بين الدول في مدى قدرة القوانين المقترحة على توفير إطار شامل للنظر في قضايا العنف، لاشك في أن مجمل هذه التطورات تشير إلى تنامي اهتمام الحكومات في مواجهة موضوع العنف ضد المرأة. وفي هذا الإطار، فنحن نرى من خلال إطلاعنا على عدد من مقترحات أو مشاريع القوانين المقدمة، أن بعض الدول لا تزال تقارب موضوع العنف ضد المرأة بخجل، وتنظر إلى مكافحته ضمن إطار العنف الأسري مما يغفل الاعتراف بأن العنف ضد المرأة هو شكل من أشكال التمييز ضدها وتجلًّ لعلاقة القوة غير المتكافئة تاريخيا بين الرجل والمرأة. ويبدو هذا واضحاً في ابتعاد عدد من مسودات القوانين المتوفرة عن تقديم تعريف دقيق للعنف بكافة أبعاده وأشكاله أو كما اتفق عليه في تعريف الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة الذي صدر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في عام 1993 والذي ينص على أن العنف: “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”.
وبطبيعة الحال، فالنظرة الشاملة إلى حماية المرأة من العنف وفقاً لهذا التعريف تقتضي النظر إلى العنف الممارس على المرأة في أماكن العمل والفضاء الاجتماعي كما في الحيز الخاص وحيز الأسرة. ولا بد في هذا الإطار من التنويه إلى ما يتم رصده لردود الفعل المجتمعية حول القوانين الناظمة لحماية المرأة من العنف حيث يبرز أن عدداً لا يستهان به من أفراد المجتمعات العربية لا يزال مقتنعاً بأن مكافحة العنف ضد المرأة مسألة مفروضة من الخارج وتتعارض مع الثقافة المحلية. وينظر إلى العنف ضد المرأة داخل الأسرة كمسألة خاصة ويجب أن تبقى خارج نطاق المراقبة والمساءلة القانونية. والحقيقة أن هذا السؤال يبقى بعهدة المشرعين في الدول العربية. فالحاجة إلى تطوير قوانين لمناهضة العنف، لا تتعلق فقط بالالتزامات الدولية التي قدمتها الدول حين صادقت على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ولكنها أيضا حاجة محلية تنظر في احتياجات المجتمع الذي تبرز الدراسات المحلية فيه أن العنف الممارس على المرأة هو قضية متنامية يتم استخدام العادات لتبريرها وهي حالة غير منسجمة مع الثقافة الأصيلة للمجتمعات أو مع المفاهيم الدينية التي تشكل ركيزة هامة من منظومتها الفكرية والثقافية.
هذا قبس من الملاحظات التي وقفنا عليها عند قراءتنا لبعض مشروعات القوانين التي أعدتها بعض بلدان المنطقة في مجال مجابهة العنف ضد المرأة. ونحن في المكتب الإقليمي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان على استعداد للإسهام في الجهد المطلوب لتطوير هذه المشروعات من خلال تعميق المعرفة وإتاحة الفرصة لتبادل الخبرات بين الدول لضمان تفادي الثغرات والصعوبات التي واجهت دولاً أخرى عند إقرار قوانين حول العنف ضد المرأة. ونحن إذ نرحب بهذا الجهد نظراً لتزايد حالات العنف ضد المرأة في الوطن العربي وعلى هذه الأرض، فلا يتم التعامل معها كحقوق مدنية أو قضية حقوق إنسان أو أزمة أو حتى نمط. وفي حين يصعب تصنيف هذا النوع من العنف وفقاً للعرق أو الدين أو الطبقة الاجتماعية أو الجنسية إلا أنه يستهدف نوعاً اجتماعياً واحداً آن الأوان أن يُنصف.
*الممثل الإقليمي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان
بقلم د. عبد السلام سيد أحمد*