الفارق بين التمثيل المشرف والحضور الفعال

“لا يوجد إقصاء برأس مرفوع، ولا توجد هزيمة بشرف، التاريخ يذكر الألقاب والنتيجة فقط…”.
هذا التصريح المقتضب في صيغته، العميق في محتواه، والمعبر بطريقة صياغته، هو للمدرب الوطني المغربي وليد الركراكي، أدلى به خلال تصريحاته الأخيرة للصحافة المتابعة للمونديال الحالي، والتجربة أكدت أنه كان على الحق إلى أبعد الحدود.
كثيرا ما احتفلنا؛ بعد حصد هزيمة أو إقصاء، وكثيرا ما خرجنا للشوارع فرحين ومعبرين، عن كامل الرضا عن النفس، هتفنا بأعلى الصوت، ونحن نغادر من الدور الأول، في كل المشاركات بمونديال كرة القدم، باستثناء نسخة مكسيكو 1986.
الطبيعي أن يحدث هكذا تعامل، يترجم استئناسا بشعور الهزيمة، وعدم امتلاك ثقافة الفوز، باعتبارها سلوكات مركبة، تكرس ثقافة انهزامية، تنمي الإحساس بالدونية، وكأنه قدر لا مفر منه.
بفرنسا، كما هو الحال بروسيا، أقنعنا أنفسنا أن الحضور كان إيجابيا، وأن التمثيل كان مشرفا، رغم المغادرة المبكرة، وهنا لابد من استثناء أول مشاركة بمونديال مكسيكو (70)، حين استطاع جيل الراحل إدريس باموس، تسجيل اسمه بمداد الفخر والاعتزاز، كأول منتخب عربي وإفريقي يتأهل للمونديال عن طريق الإقصائيات، والتمكن من الفوز بأول مقعد منحته (فيفا) للقارة الإفريقية، ليكون حاضرا من بين الـ16 منتخبا تأهلوا لهذه الدورة، وهذا إنجاز لا يقدر بثمن.
دورة مكسيكو (86)، كانت مميزة، بعد الوصول لأول مرة إلى الدور الثاني، بمجموعة ضمت كبار أوروبا آنذاك كإنجلترا وبولونيا والبرتغال، وباستثناء ذلك كان التواضع سيد الموقف، بما في ذلك المشاركة بنسخة فرنسا، التي كان من الممكن أن تسجل نتائج أفضل، لولا الاعتماد الخاطئ على حارس ضعيف، اسمه إدريس بنزكري، كلفنا مستواه المرتبك الشيء الكثير.
ضعف بنزكري، انضاف إليه، ما فسر بتواطؤ مكشوف خلال مباراة البرازيل ضد النرويج، بعد أن حصد فريق “السامبا” هزيمة بطريقة غير مفهومة، أهلت أصدقاء فلاو، وحكمت بالمقابل على “أسود الأطلس” بالإقصاء القاسي والمؤلم.
كل هذه المعطيات شكلت دروسا بليغة، فالمشاركة تعني، التنافس العالي والإعداد الجيد، والتخطيط السليم، أما المشاركة من أجل المشاركة، والاكتفاء بحضور باهت يفسر بالمشرف، فهذا لم يعد مقبولا بالمرة، ولا علاقة له بالشرف ولا الحضور الذي لن يذكره التاريخ.
والمدرب وليد الذي تسلم المسؤولية في ظرف دقيق، ومدة وجيزة، عرف كيف يغير تفكير اللاعبين وعقلية كل مكونات المنتخب، فالحلم ممكن التحقيق، والشعور بالدونية في مواجهة ما يسمى بـ “الكبار”، لم يعد مقبولا بالمرة، ولا يتماشى مع مستجدات العصر، خاصة إذا كانت كل المتطلبات متوفرة، إلى درجة مضاهاة أفضل المنتخبات، وأبرز الأندية الاحترافية.
والمسار الموفق لـ “أسود الأطلس” بالمونديال القطري، وما يظهرونه من ندية وطموح كبير، وتنافس قوي، يؤكد على هذه الحقيقة؛ فإما أن تكون أو لا تكون، وهذا مرتبط أيضا بالعقلية، فالاحتراف قلص الفوارق؛ وقلل هامش التفوق المسلم به، والدليل على ذلك مجموعة النتائج المحققة حاليا، هزيمة الأرجنتين أمام السعودية، وانتصار تونس على فرنسا، بصفتها بطلة للعالم، والمغادرة المبكرة لكل من ألمانيا، وبلجيكا والأوروغواي، ولائحة الضحايا تتزايد تباعا.
الخلاصة أن الانتصار يكون حليف من يثق في إمكانياته، يوظف طاقاته على نحو أفضل، ومن يدبر المراحل وفق تصور مضبوط، وتخطيط سليم، فتحقيق الأهداف في هذه الحالة، لن يصبح مفاجئا، بل استحقاق إلى أبعد الحدود.
كل هذه الدروس البليغة والمفيدة، يقدمها حاليا أشبال وليد الركراكي بالمونديال لفائدة العموم بالمجان…

>محمد الروحلي

Related posts

Top