الأرقام التي ذكرتنا بها الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب بشأن فضائح فساد واختلاسات مست عديد مؤسسات عمومية وقطاعات مختلفة قبل سنوات، تعيد التنبيه إلى أن الفساد وغياب «المعقول» هو أكبر لوبي مناهض لتقدم المغرب، وللإصلاح ولبناء دولة القانون والمؤسسات.
واليوم من أهم إجراءات تعزيز الثقة التي يجب أن تواكب أو تسبق الإصلاح الدستوري، هناك ورش التخليق والقضاء على الفساد، خصوصا داخل المؤسسات العمومية.
لا يمكن أن تتحقق الثقة في المستقبل والمغاربة يرون ويسمعون عن مئات الملايير التي نهبت، وعن تقارير التفتيش ومجلس الحسابات التي وقفت عند كل هذه الفضائح، ورغم ذلك لم يسمعوا شيئا كثيرا عن المتابعة وعما جرى مع المتورطين.
وإلى جانب المؤسسات العمومية، هناك أيضا الجماعات المحلية، فعندما يقرأ المغاربة الاتهامات المتبادلة بين الرئيس السابق لبلدية سلا مثلا وخلفه، وذلك على أعمدة الصحف، وكل واحد منهما ينشر فضائح الآخر، يولي الناس وجوههم صوب القضاء كي يتحرك ويحاسب المفسدين.
وعندما تحمل الأخبار حالات التوقيف والعزل في حق عدد من المنتخبين، وعندما نتابع ما يجري هذه الأيام في مجلس مدينة الدار البيضاء، وفي مجلس طنجة، والتحقيقات الجارية حول مجلس مراكش…، هنا ندرك معنى وخلفية كل أساليب التزوير والتدليس التي شهدتها انتخاباتنا الجماعية، ومسلسلات تشكيل الأغلبيات وانتخاب الرؤساء…
إن قصص الفساد في الإدارات وفي الجماعات، ناهيك عن تفشي الرشوة، هي تجليات واقع يومي يحياه الناس ويتناقلون تفاصيله في مختلف مجالس الحديث، وبالتالي من الطبيعي أن يخلف ذلك احتقانا يجعلهم يفقدون الثقة في التغيير.
وكما لو أن الفساد كان يحتاج إلى «متحدث» باسمه، أو إلى درجة أعلى من الحمق والرعونة، فإن حياتنا السياسية والانتخابية والبرلمانية عانت هي الأخرى خلال السنوات الأخيرة من انحرافات (بفعل فاعل)، وصار العبث مجسدا، وله كيانات وأشخاص لهم أسماء وألقاب وصفات و…تزكيات حزبية.
إن وضع حد للفساد، في الإدارة وفي الجماعات وفي السياسة، هو الذي سيعيد للناس الثقة، وسيجعل من إنجاح معركة الإصلاح الدستوري رهان كل المغاربة، ومنطلق إقبالهم على المستقبل بتفاؤل.
البلاد في حاجة إلى المعقول.