حاوره: محمد معتصم
الفنان التشكيلي مولاي عبد الله اليماني يشتغل في لوحاته الرائعة بحق على تيمات محددة، تفرضها وتمليها اللحظة الإبداعية، حيث ينتقل من موضوع غرائبي مرتبط بالحلم، إلى موضوع احتفالي، قفزة نوعية، جعلت من المشاهد واللوحات الراقصة مدخلا لحوار الثقافات من خلال جنس إبداعي سنده الجسد، كأداة تعبيرية أطرتها مشاهد سينوغرافية راقصة تتجلى أساسا في رقصة الباليه، الكدرة، كناوة الفلامينكو… التقيناه على هامش حفل افتتاح معرضه الأخير بالدار البيضاء، حيث فتح لنا عوالمه الفنية عبر نوافذ متعددة مفعمة بالأحاسيس المرهفة والجميلة، وكان الحوار التالي:
> هل ترى أن هناك ارتباطا وثيقا بين اختصاصك كطبيب والفن التشكيلي، بمعنى آخر كيف توازي بين عملك التشكيلي وعملك المهني كطبيب نفساني؟
< الطب في حد ذاته فن جميل، وأعتبر العملين وجهان لعملة واحدة، فالفن إذا لم ينقل إحساس الإنسان، لا يعتبر في اعتقادي فنا. وأعتقد أن عملي المهني كطبيب متخصص في عواطف وأحاسيس الكائن البشري، يعتبر عاملا مساعدا كبيرا للمجال الفني، خصوصا إذا ارتبط هذا الأخير بالألوان التي تعتبر أدق تعبير للجانب النفسي، وهكذا تجدني بعد أيام مضنية من العمل، أبحث عن لحظات عشق باذخة، أجدها في مرسمي، حيث الصباغة والفرشاة والبياض، يمنحني الدفء ويسافر بي إلى عالم الإبداع الراقي الذي يحضن صراخي العنيف للذات المبدعة التي تترجم في لوحاتي.
> المتتبع لمسيرتك الفنية، يلاحظ حضورا قويا للمرأة، ما دلالات هذا الحضور الفني للمرأة في لوحاتك الفنية؟
< غالبا ما أتخذ الحلم قسطا أوفر من مخيلتي، فكانت المرأة العنصر المحرك والهاجس المهيمن، كقصيدة شعرية ارتمت في أحضان ذاكرتي بعدما أن تخلى عنها ناظم أبياتها، لتصبح مفردات وجمل تم هدمها فأعيد تركيبها وبناءها لتؤثث فضاء مخيلتي، وتصبح أنيسي في وحدتي وغربتي وفي حزني وفرحي وعنائي
وراحتي وفي قلقي ومتعتي. إنها المرأة بروحها الصافية الأنيقة.
> المتتبع أيضا لمعارضك، يلاحظ أنك دائم التجديد والبحث في عوالم الفن التشكيلي الرحبة. لماذا هذا التنوع بين معرض وآخر، وهل الفنان مولاي عبد الله لا يزال في بحث عن أسلوب يتفرد به؟
< حين اشتغلت على تيمة المرأة، استعملت الألوان الدافئة الشاعرية، ووظفت في اللوحات الجوانب الأكثر تركيزا على بنية المرأة، ليس فقط البعد البيولوجي، ولكن البعد الرمزي أيضا، وحينما أقمت معرض الحفريات، وظفت فيه فقط اللون البني الداكن، واستعملت في اللوحات مجسمات لأعطي الإحساس بعملية الحفر والتنقيب، فكانت رموز الساعة والعيون المعبر الأساسي لهذه التجربة. أما معرضي الأخير فهو مبني على رمزي المقدس والمدنس في الثقافة العربية الإسلامية. لذا اخترت الهلال والأشكال المقوسة، كما استعملت القرابين والسادات، بل حتى المرأة كان توظيفي لها في لوحاتي من منظور عربي إسلامي صرف، لذلك من الطبيعي جدا أن تكون الألوان المختارة مندرجة ضمن سياق التجربة ذاتها. الاختلاف إذن يتحدد في الموضوع والشكل والحجم، أما الخصوصية فتبقى في نفس الطريقة المتبعة، ذلك لأنني ضد استنساخ تجاربي الفنية السابقة. الفنان دائم البحث والتنقيب في عوالم الفن التشكيلي الرحبة والعميقة.
> عندما تباشر عملك في بناء لوحاتك الفنية، هل تستحضر المتلقي، أم أنك لا تعير اهتماما لهذا الموضوع؟
ـ ليس هناك متلقي محدد بالنسبة لي، أقوم بعرض لوحاتي في الملتقيات والمعارض الفنية، حيث أحاول تقريبها من المتلقي بغض النظر عن ثقافته ومرجعيته الفنية، لكن لدى المتلقي الأجنبي، لأن هذا المتلقي الأجنبي يمتلك ثقافة فنية عميقة، ومتشبع بثقافة الصورة واللوحة التشكيلية إلى جانب كونه يتعاطى مع الأعمال الفنية تعاطيا جماليا من منظور فني صرف، إضافة إلى كونه يقتني اللوحة ويشجع الفن والفنان. أما بالنسبة للمتلقي المغربي فهو لا يقتني اللوحة، لماذا؟ لسبب بسيط هو أن المسؤولين على الشأن الثقافي في المغرب لا يعيرون أي اهتمام للفن وللثقافة بشكل عام، يعملون على محاربة الفن والثقافة عوض العمل على تقريب ثقافة الصورة من المتلقي وزرع بصمات الإبداع والفن والجمال في دواخله.
> لماذا ثقافة الصورة مغيبة عند المتلقي المغربي، وكيف تعمل على تقريب اللوحة من المتلقي؟
< كفنان، أغير على وطني، ولما أعرض لوحاتي في معارض وملتقيات هنا وهناك، أتوخى تقريب اللوحة التشكيلية من عموم المواطنين، وأعمل على فتح نقاش حول الصورة، وهذا في اعتقادي، عمل محمود كونه يقرب الفن واللوحة والصورة من عموم زوار المعارض لأن اليوم المغاربة يعيشون على الذات والآخر، ولا يهتمون بالصورة.
> هل يؤمن الفنان مولاي عبد الله بالنقد الفني؟
< نعم أومن بالنقد الفني، وهو ضروري لتقييم عمل الفنان، وفتح نقاش شفاف حول الأعمال الفنية. لكن مع الأسف الشديد النقد في المغرب لا يزال بعيدا كل البعد عن الفن التشكيلي والتعاطي معه، وهذا عكس النقاد الأجانب الذين يتعاملون مع الفن / مع اللوحة والمضمون والعمل الفني في تجلياته الفنية والجمالية قبل التعرف على صاحب اللوحة ومن هو، لأن الدولة ترصد ميزانية مهمة للثقافة ومن بينها النقد الفني والأدبي. وبالرجوع إلى النقد في المغرب، فهو نقد موسوم بالمحسوبية والزبونية، وهذا في اعتقادي سلوك يساهم سلبا في تقدم الفن التشكيلي بالمغرب ويكرس تخلفه.
> ما هو جديد ك الفني؟
< لقد حاولت من خلال التجارب السابقة، ومن خلال الأعمال الأخيرة « نساء راقصات» أن أوظف عدة طقوس في هذا الباب « كالكدرة « مثلا، وحاولت أيضا تجسيد نساء مغربيات وأوروبيات في رقصة جماعية، حيث قمت بتجسيد التاريخ من خلال اللوحة، لكي يعرفه المغاربة من خلال هذه الرقصات، مع اختلاف منطقي مع العديد من الفنانين الاجانب، لأبين جليا الحركة التي تقوم بها المرأة في ايقاعات « الكدرة « من أجل تبادل الأفكار بين الثقافتين المغربية والغربية في مجال الرقص، وهذا ما أسميته بالرقص العالمي من خلال لوحاتي المعروضة مؤخرا.
> أنت كفنان تشكيلي، بماذا تحلم؟
< أحلم بالعطاء والإبداع وبالفن الراقي، أومن بما أعطي من أعمال فنية، وحتى إذا أتتني الموت
فهذا قضاء وقدر، أكون قد أرخت للفن الراقي من خلال أعمالي الفنية، والتي ستبقى للأجيال اللاحقة، وأظن أن المغاربة اليوم يجب عليهم أن يبحثوا في الفن وعن الفن الحقيقي، ويأتون لزيارة المعارض الفنية، لأن الأجانب يبحثون عن الفن عبر التنقل من دولة إلى أخرى، ويأتون ليكتبوا عن الفن وعن اللوحة، وينظمون جلسات حوارية تسلط الضوء على مسيرة الفنان وتجاربه الفنية، وهذا شيء يشرفني ويشرف الفن التشكيلي المغربي، إضافة إلى دعوة قنوات أجنبية لشخصي لمحاورتي والاقتراب من إبداعاتي التشكيلية، وهذا يشرفني كثيرا ومن هنا أطرح التساؤل التالي: لماذا المغاربة لا يلتفتون الى الفن التشكيلي ويزرون المعارض؟