دخل القانون الجديد المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة حيز التنفيذ، ابتداء من يوم الأحد الماضي، بعد مرور ستة أشهر على تاريخ نشره بالجريدة الرسمية.
وكان النقاش حوله، قد استمر ثلاث ولايات تشريعية، بسبب تباين وجهات نظر رجال الفقه والقانون والقضاء والمهنيين بخصوص مضامينه، ويتعلق الأمر بالقانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي الذي تمت المصادقة عليه لأول مرة خلال الولاية الحكومية 2011-2016 وأنهى مساره التشريعي في 2018، لكن المحكمة الدستورية اعتبرت أن بعض مقتضياته تخالف الدستور.
وعقب قرار المحكمة الدستورية الصادر سنة 2019، بادرت الحكومة آنذاك لإعادة صياغة مشروع القانون بناءً على الملاحظات المثارة، ليدخل المسار التشريعي من جديد وتتم المصادقة النهائية عليه بداية السنة الماضية، حيث صدر في الجريدة الرسمية عدد 7108
ويخضع التنظيم القضائي حالياً للظهير الشريف الصادر سنة 1974 الذي تم تحيينه مرات عديدة، آخرها سنة 2011 بإضافة أقسام قضاء القرب، وإحداث أقسام الجرائم المالية بأربع محاكم استئناف في غشت من السنة الماضية. ويأتي القانون الجديد رقم 38.15 في إطار استكمال الترسانة القانونية لتنزيل مشروع إصلاح منظومة العدالة بعد تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية وانتقال رئاسة النيابة العامة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، وما يستلزم ذلك من ضبط للعلاقة بين السلطة القضائية ووزارة العدل داخل المحاكم. ويحمل القانون مستجدات عديدة؛ فعلى مستوى المبادئ الموجهة للتنظيم القضائي، يرتكز التنظيم القضائي على مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وعلى التعاون بين وزارة العدل والسلطة القضائية فيما يتعلق بالخريطة القضائية وبالتسيير الإداري والمالي للمحاكم. كما يقوم التنظيم القضائي على مبدأ وحدة القضاء، قمته محكمة النقض، وعلى مبدأ القضاء المتخصص؛ حيث يراعى تخصص القضاة عند تعيينهم في المحاكم والأقسام المتخصصة.
وعلاقة بالموضوع، وجه محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، دورية إلى القضاة، اشار فيها، إلى أن قانون التنظيم القضائي الجديد تضمن مقتضيات تهم مبادئ التقاضي، و أن الغاية منها هي تعزيز ضمانات وحقوق المتقاضين أثناء مسطرة التقاضي، وتعزيز ثقتهم في القضاء، والرفع من النجاعة القضائية. وبموجب المبادئ الأساسية للتقاضي التي جاء بها قانون التنظيم القضائي الجديد، أكد عبد النباوي، أنه سيتوجب على القضاة أن يعللوا الأحكام التي ينطقون بها، كما سيتوجب عليهم أن ينطقوا بها محررة في جلسة علنية محددة التاريخ سلفا بالنسبة لأطراف الدعوى، تفعيلا لمقتضيات الفصل 125 من الوثيقة الدستورية. واعتبرت الدورية الصادرة عن الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن تنصيص قانون التنظيم القضائي على ضرورة تحديد المحكمة لتاريخ النطق بأحكامها ووجوب تحريرها كاملة قبل النطق بها، يندرج ضمن الآليات التي أقرها المشرع لصيانة حقوق المتقاضين، وضمان شفافية العدالة، وتعزيز الثقة في القضاء وفي الأحكام القضائية. وحسب المصدر نفسه، فإن هذا الإجراء يهدف بالأساس إلى الرفع من النجاعة القضائية وتسريع وتيرة العدالة وتمكين المتقاضين من اقتضاء حقوقهم ومباشرة الإجراءات والمساطر التي تلي صدور الحكم في آجال معقولة.
وعلاوة على الجانب الإجرائي، تضمن قانون التنظيم القضائي مقتضيات تنظم المناخ العام داخل المحاكم، حيث أفرد القانون المذكور بندا نص على ضرورة ارتداء القضاة للبذلة الرسمية أثناء انعقاد الجلسات فقط وعدم ارتدائها خارج قاعات الجلسات.
ويأتي الاهتمام بهذا الجانب لكون البذلة الرسمية للقاضي تعد رمزا لمهنة القضاء “ومظهرا من مظاهر هيبة القاضي ووقاره أثناء ممارسته لمهامه القضائية بالجلسات”، كما جاء في دورية الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، لافتا إلى أن ارتداءها يشمل الجلسات الرسمية والجلسات العادية وجلسات البحث التي يتعين أن يباشرها القضاة وهم مرتدون لبذلهم بالشكل السليم.
ودعا عبد النباوي القضاة إلى إيلاء بذلة القاضي، لما تكتسيه من رمزية وما تعكسه من قيم ومبادئ قضائية سامية، “كامل العناية والاهتمام، والحفاظ عليها وعلى نظافتها، وارتدائها بالشكل الصحيح أثناء الجلسات فقط، والحرص على أن تكون مطابقة للمواصفات المنصوص عليها في القرار المنظم لها”. ومن بين الإجراءات المستحدثة في قانون التنظيم القضائي الجديد تفعيل مساطر الصلح والوساطة لحل المنازعات، بهدف اعتماده التطويق الخلافات وتفادي تفاقمها وتخفيف الضغط على المحاكم والتقليل من البطء في معالجة القضايا وحماية العلاقات الاجتماعية من التفكك. وطوق المشرع الرأي المخالف في المداولة بطوق من السرية، حيث نص قانون التنظيم القضائي الجديد في المادة 16 منه على أن وجهة نظر القاضي المخالِف لهيئة الحكم عند التداول فيها تُضمن، بمبادرة منها، في محضر سري خاص موقع عليه من قبل أعضاء الهيئة. ويتم وضع المحضر في غلاف مختوم، ويُحتفظ لمدة عشر سنوات لدى رئيس المحكمة المعنية بعد أن يسجله في سجل خاص يحدَث لهذه الغاية، ولا يمكن الاطلاع عليه من قبل الغير إلا بناء على قرار من المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ويُعتبر الكشف عن مضمونه، بأي شكل كان، خطأ جسيما.