وجه المتصرفون المغاربة رسالة إلى المجلس الأعلى للحسابات حول ما يحدث في الوظيفة العمومية من إخراج ومراجعات للأنظمة الأساسية والأجور الخاصة بالموظفين والذي قالوا إنه يتم “خارج أي تصور واضح المعالم”.
وقال الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة في رسالته الموجهة إلى رئيسة المجلس الأعلى للحسابات إن هناك ضبابية في الأسس المهنية والقانونية والتدبيرية التي تعتمدها الحكومة، مضيفة أن هذا التوجه يثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة الأهداف والرؤية التي تؤطر سياسة الحكومة في هذا المجال، “خصوصاً وأن ما يحدث حاليا يضرب في العمق الحقوق الشغيلة والعدالة الأجرية والاجتماعية ويخلف الإحباط والتذمر لدى شريحة عريضة من الموظفين”، وفق تعبير الاتحاد.
وبعدما ذكر الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة بتقارير المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات التي تطرقت لأزمة الوظيفة العمومية بالمغرب وشخصت أعطابها ونقائصها، سجل الإطار المهني المذكور أن السياسة الحكومية في هذا المجال أخذت منحى عكس ما تتوخى هذه المؤسسات من تقاريرها بحيث تعمدت تعميق الأزمات وتكريس الأعطاب بل وشرعتها وبررتها، وذلك بالرغم من التوجيهات الملكية حول إصلاح الإدارة العمومية من خلال خطاباته السامية لسنتي 2016 و2017.
ولفت الاتحاد إلى كثير من الأعطاب التي تعاني منها الأنظمة الأساسية التي قال إنها تستدعي الانسجام مع القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، موضحا في هذا الصدد أن من أوجه هذه الأعطاب ما يتعلق بالكثير من الهيئات التي تزاول نفس المهام وتتوفر على نفس الشواهد والمؤهلات والتي في نفس الوقت لديها أنظمة أساسية مختلفة تكرس التمييز في الأجر والترقيات والحوافز.
كما لفت الإطار المذكور إلى أن الأنظمة الأساسية التي تشكل خصوصية قطاعية لم تعد تقتصر على هذه الخصوصية بل أصبحت تقتطع من الهيئات المشتركة بين الوزارات تحت مسميات مختلفة مما وضع فوارق أجرية ومهنية بين مكونات نفس البيئة حسب انتمائها القطاعي، في إشارة من الحكومة إلى أنها تعتبر قطاعات “مهمة” وأخرى أقل أهمية دون أي سند قانوني.
إلى ذلك، سجل الاتحاد الوطني مجموعة من الاختلالات والأعطاب التي تتعلق بالعدالة الأجرية والأنظمة الأساسية المعمول بها، حيث لفتت إلى أن “هذا الواقع المختل” أكدته دراسة أجرتها وزارة الوظيفة العمومية سنة 2011 والتي أقرت بأن نظام الأجور بالمغرب نظام يكرس التعقيد والتناقض واللاعدالة”.
وعبر المتصرفون عن استغرابهم بكون المفارقة الغريبة وغير المفهومة تكمن في أن تقر الدولة ومؤسساتها باختلال الوظيفة العمومية ومنظومتها الأجرية وتعمل في المقابل على تكريس هذا الاختلال بشكل يعمق الأزمة “بل تقوم بتبريره بشتى الوسائل الفاقدة للمصداقية والمنطق عوض الانكباب على إصلاح الوضع”، وفق تعبيرهم.
وشدد المتصرفون على أن هيئتهم (هيئة المتصرفين بين الوزارات ومتصرفي وزارة الداخلية) هي إحدى الهيئات ضحايا “حالة العشوائية والتخبط والتمييز وفقدان البوصلة التي تعتري سياسة الأنظمة الأساسية”، مبرزين في رسالتهم نقاط عديدة حول مكامن الخلل والعطب.
وبعدما سجل الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة العديد من الخطوات التي شرع فيها منذ 2011، أكد أن جواب الحكومة على مدى أكثر من 13 سنة كان مفاده أن مطالب وإشكالات هذه الهيئة تجد أساسها الموضوعي في الاختلالات البنيوية التي تعرفها الوظيفة العمومية وأن الحكومة عازمة على معالجة مطالب هذه الفئة من الموظفين في إطار إصلاح شمولي للوظيفة العمومية. مبرزا أن الحكومة لم تعمد منذ ذاك الحين إلى أي إصلاح شمولي.
كما عبر المتصرفون عن امتعاضهم من تعامل الحكومة مع باقي الفئات التي تطالب بتحسين وضعيتها المهنية والمادية، حيث قامت بمراجعات متكررة لفائدة بعض الفئات، بناء على قوة ضغط كل منها وقدرتها على توقيف مرفق من المرافق العمومية. مشيرين إلى أنه جرى استثناء المتصرفين في كل مرة بالنظر لأن هيئة المتصرفين هيئة أفقية مشكلة بين الوزارات وتعمل في مرافق متعددة إلى جانب فئات أخرى.
كما استغرب المتصرفون لتغيير لهجة الحكومة والتي قالوا إنها بعدما استنفذت شعار الإصلاح الشمولي عمدت إلى تبني جواب آخر تجاه هذه الفئة، وهو كون هيئة المتصرفين استفادت من الزيادة العامة في الأجور على غرار باقي الفئات “وهو الجواب الذي لا مصداقية له ما دامت فئات وقطاعات تم الاستجابة لمطالبها الفئوية أو القطاعية الخاصة بالرغم من استفادتها من الزيادة العامة في الأجور وباقي الإجراءات التي همت عموم الموظفين”، يقول المتصرفون.
كما انتقد المتصرفون استمرار تأجيل نقاش ملف المتصرفين لدى الحكومة، وذلك في كل مرة يجري فيها تنسيق بين الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة والمركزيات النقابية لإدراج هذا الملف خلال جولات الحوار الاجتماعي، مشيرين إلى أنه في كل جولة من هذا الحوار يتم إرجاء ملف المتصرفين إلى وقت لاحق دون تحديد أي سقف زمني له.
وما يؤكد ذلك، حسب المتصرفين، هو عدم تنفيذ مخرجات اتفاق 29 أبريل 2024 الذي تم فيه الإقرار بمواصلة الحوار حول الأنظمة الأساسية لبعض الفئات، والذي بقي معلقا إلى اليوم، بالإضافة إلى اتفاقات سابقة بقيت حبرا على ورق وعلى رأسها اتفاق 26 أبريل 2011 الخاص بالدرجة الجديدة، حيث قالوا في هذا السياق، “إن هذا الواقع يفقدنا في هيئة المتصرفين الثقة في مؤسسة الحوار كآلية المفاوضات الجماعية، بل يمس جوهر مصداقية الحوار الاجتماعي برمته”.
هذا، ووجه المتصرفون ملتمسا لرئيسة المجلس الأعلى للحسابات من أجل التدخل العاجل لدى الحكومة من أجل وقف “سياسة التمييز غير المبرر” داخل الوظيفة العمومية وإنصاف هيئة المتصرفين وكل الهيئات التي تتعرض “للحيف والقهر المهني”.
< محمد توفيق أمزيان