أصدرت محكمة النقض بالمغرب مؤخرا قرارا يتناول إشكالية إلزامية حضور النساء في تشكيلة مجالس الجماعات بالمغرب، حيث اعتبرت أن عدم تضمين لائحة الترشيحات لمكتب “البلدية” نسبة الثلث من النساء المرشحات أعمالا لنظام الكوطا طبقا لقانون الانتخابات الجديد، لا يخل بسلامة العملية الانتخابية، طالما أن القانون لم يرتب عن هذا الإخلال أي جزاء.
ويشكل هذا القرار تراجعا عن اجتهادات المحاكم الإدارية الابتدائية التي قضت في وقت سابق بإبطال انتخابات مجالس جماعات لم تراعي التمثيلية النسائية.
ملخص القضية
تتعلّق وقائع القضية بمقال افتتاحي تقدمت به امرأة إلى المحكمة الإدارية بالدار البيضاء تعرض فيها أنها عضو بالمجلس الجماعي لمدينة خريبكة وقد فازت بمقعد العضوية خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، وبمناسبة انتخاب هياكل مكتب البلدية تم انتخاب رئيس جديد للمجلس، وقد قدم تحت رئاسته لائحة نوابه السبعة وكلهم ذكور، وأنها تدخلت قبل التصويت وذكرت بمقتضيات المادة 17 من القانون التنظيمي رقم 113/14 المتعلق بانتخابات أعضاء مجالس الجماعات الترابية، وأكدت أنها لا تتنازل عن النيابة وعن حقها الذي يكفله الدستور بالترشيح للمنصب، إلا أن رئيس المجلس تدخل وأكد أن النائبات المتواجدات معه في الفريق أكدن تنازلهن عن الترشيح لأسباب شخصية، وتم استكمال عملية التصويت.
وأضافت المدعية أن لائحة النواب التي تم انتخابها تشكل خرقا لمقتضيات القانون الذي ينص على “أن تتضمن لائحة ترشيحات نواب الرئيس عددا من المترشحات لا يقل عن ثلث نواب الرئيس” خاصة وأنها لم تتنازل عن حقها في الترشيح، كما أن تنازل زميلاتها لا يعنيها، مما تكون معه عملية انتخاب مكتب الجماعة قد شابتها اختلالات قانونية ملتمسة الغاءها وإعادتها من جديد.وأجاب المدعى عليه بأن عملية انتخاب هياكل مكتب البلدية جاءت مطابقة للقانون، الذي لم ينص على إلزامية أن تتضمن لائحة الترشيحات التي يقدمها الرئيس لنوابه عددا من المترشحات الإناث، وإنما يبقى هذا المقتضى على سبيل الاختيار، كما أن النائبات المتواجدات معه بالفريق أكدن تنازلهن عن الترشيح لأسباب شخصية، كما أن المدعية كانت تعاني من مرض يجعلها عاجزة عن أداء مهامها.وبعد استنفاد إجراءات التقاضي خلال المرحلة الابتدائية قضت المحكمة الإدارية برفض الطلب، وقد استأنفت المدعية الحكم، حيث قضت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بتأييده، فقامت المدعية بالطعن فيه بالنقض.
أسباب النقض
اعتمدت المدعية على وسيلة واحدة للنقض وهي خرق القانون، ذلك أن عملية انتخاب نواب رئيس المجلس الجماعي لخريبكة خرقت مقتضيات المادة 17 من من القانون التنظيمي رقم 113/14 المتعلق بانتخابات أعضاء مجالس الجماعات الترابية ، لأن إرادة المشرع انصرفت الى وجوب تضمين لائحة نواب الرئيس عناصر نسوية لا تقل عن الثلث، وأن حق تواجد العنصر النسوي ضمن لائحة نواب الرئيس حق مشروع وإلزامي، وأن ادعاء مرضها كان ليستقيم لو تم انتخابها في منصب الرئيس أو نائبه وتبين عجزها عن أداء مهامها، وأن مسألة المرض لم تكن مطروحة ولم تتم الإشارة إليها بمحضر العملية الانتخابية المذكورة ولم تتم معاينة عجزها عن ممارسة حقها الدستوري، فضلا عن إساءة المدعى عليهم لمرض كانت مصابة به، في خرق تام لقانون 08.09 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، خاصة وأنها كانت عضوا منتخبا في مجلس البلدية خلال الولاية السابقة، وتولت منصب رئيس لجنة المرافق العمومية خلال نفس الولاية، وتتمتع بصحة جيدة، وتمارس عملها بشكل عادي، كما تتابع دراستها بشكل منتظم، ولا يوجد ما يحول دون ممارستها لحياتها بطريقة طبيعية، مؤكدة أن إقصاءها من منصب نائب الرئيس تجاوز لمبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة وخرق لأحكام الدستور.
موقف محكمة النقض
قررت المحكمة النقض تأييد القرار الاستئنافي معتمدة العلل التالية:
> إن مقتضيات المادة 17 من من القانون التنظيمي رقم 113/14 المتعلق بانتخابات أعضاء مجالس الجماعات الترابية وإن نصت على أنه: “يتعين العمل على أن تتضمن لائحة ترشيحات نواب الرئيس عددا من المترشحات لا يقل عن ثلث نواب الرئيس”، فإنها لم ترتب على عدم التقيد بهذا المقتضى القانوني جزاء بطلان عملية الاقتراع؛
> تبين من وثائق الملف وخاصة نسخ الإشهادات الكتابية المدلى بها، أن المترشحات قد تنازلن عن حقهن في الترشيح لأسباب شخصية ؛
> إن ما ورد في قرار محكمة الاستئناف من أن المدعية تعاني من مرض مزمن له مضاعفات، لا يعدو أن تكون علة زائدة يستقيم القرار بدونها.
وعليه، اعتبرت محكمة النقض أن العملية الانتخابية سليمة، وأن عدم تضمين لائحة الترشيحات لمنصب نائب الرئيس نسبة الثلث للعنصر النسوي، لا يخل بسلامة العملية الانتخابية، لأن القانون لم يرتب عن الإخلال بها جزاء البطلان.
تعليق على قرار محكمة النقض
يعيد قرار محكمة النقض الذي تنشره المفكرة القانونية الى الواجهة إشكالية ترشيح النساء لعضوية هياكل المجالس الجماعية (مجالس البلديات) بالمغرب، فرغم ما تنص عليه مقتضيات المادة 17 من القانون التنظيمي رقم 113/14 المتعلق بانتخابات أعضاء مجالس الجماعات الترابية من ضرورة تضمين لائحة المرشحين لمنصب نائب الرئيس نسبة الثلث من المرشحات، فإن الواقع العملي كشف عن عدم تفعيل هذا المقتضى لأسباب تتعلق تارة بالقانون الذي لم يرتب جزاء البطلان عن عدم احترام هذا المقتضى، ولأسباب تتعلق بانحرافات في الممارسات السياسية لبعض الأحزاب تارة أخرى.
كان لافتا أثناء المسار القضائي الذي عرفته القضية لجوء المدعى عليهم الى استغلال معطيات شخصية للمدعية تتعلق بمرضها، في خرق لقانون حماية المعطيات الشخصية، وهو مظهر من مظاهر العنف السياسي الذي تتعرض له بعض النساء في سياق الاستحقاقات الانتخابية حيث يتم استهدافهن في حياتهن الشخصية كما يتم تعريضهن للتشهير والتنمر؛
رغم تمسك المدعية بمقتضيات الدستور الذي أقر في فصله 19 المساواة بين الجنسين والتزام السلطات بتحقيق مبدأ السعي نحو المناصفة من خلال اعتماد “كوتا”، فإن محكمة النقض تمسكت بقراءة حرفية للمادة 17 من قانون انتخابات المجالس الجماعية معتبرة أن المشرع ولئن نص على تضمين “لائحة ترشيحات نواب الرئيس عددا من المترشحات لا يقل عن ثلث نواب الرئيس”، إلا أنه “لم يرتب على عدم التقيد بهذا المقتضى القانوني جزاء بطلان عملية الاقتراع”.
يضع قرار محكمة النقض حدا لتضارب الاجتهاد القضائي حول هذه المسألة بسبب الاختلاف في تفسير كلمة “يتعين” الواردة في المادة 17، حيث صدرت عدة أحكام قضائية عن المحكمة الإدارية بالرباط تقضي ببطلان انتخاب هياكل المجالس الجماعية بسبب عدم مراعاة التمثيلية النسائية، متمسكة بصيغة الوجوب المتمثلة في كلمة “يتعين”، والتي تفرض ضرورة مراعاة التمثيلية النسائية في تشكيلة المكتب المسير للجماعة بنسبة الثلث على الأقل، “وهو مقتضى يبقى واجب التفعيل على اعتبار أنه يدخل في إطار التدابير القانونية التي تفرضها المادة الثالثة من الاتفاقية الدولية المتعلقة بمناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي صادق عليها المغرب”، في المقابل خالفت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء هذا التوجه، واعتبرت أن “التنصيص على إشراك المرأة المنتخبة في الأجهزة التنفيذية للجماعة يندرج في إطار التفعيل التدريجي لمساواة المرأة بالرجل، وأن الترشح لنائب الرئيس يبقى أمرا اختياريا للمرأة والرجل، ونابع من إرادة حرة… وبالتالي فإن عبارة “يتعين العمل” لا تفيد الالزام، ولا يتعين معه بطلان الانتخاب. وهو ما تم تأكيده أثناء الاستئناف آنذاك”.
وتجدر الإشارة الى أن عددا من المجالس الجماعية بالمغرب شهدت غيابا واضحا للنساء داخل تركيبة هياكلها المنتخبة، رغم إقرار كوتا “الثلث” في الترشيحات، وقد شكل هذا الموضوع مثار اعتراضات للحركة النسائية التي انتفضت ضد ما أسمته اغتيالا لمبدأ السعي نحو المناصفة، وفي هذا السياق حملت الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة، الأحزاب السياسية مسؤوليتها التاريخية لضمان التفعيل السليم لمقتضيات الدستور وللقوانين التنظيمية للجماعات”، مشيرة إلى أنه كان لا بد من “الحرص والسهر على تمكين النساء من الولوج إلى مكاتب المجالس المنتخبة بنسبة لا تقل عن الثلث”.
وعبرت الهيئة عن “عدم قبول المحاضر المحررة من طرف العديد من رؤساء المجالس، التي تثبت عدم رغبة النساء في تحمل مسؤولية النيابة عن الرئيس، والدفع بهن إلى منصب الكتابة أو نيابتها، لأن هاته الممارسة تتعارض مع المقتضيات الدستورية ومع مطالب الحركة النسائية والحقوقية”.
في من جهتها أكدت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، أنها سجلت بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة العديد من الممارسات المندرجة في إطار العنف السياسي من قبيل إقصاء بعض الكفاءات النسائية، وعدم تمكين منتخبات من الولوج للمهام التنفيذية داخل مكاتب مجالس الجماعات، و عدم تحقيق الأمن القانوني والقضائي في مختلف الأحكام المتعلقة بعدم تفعيل مقتضيات المادة 17 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات بالرغم من وضوح صيغة الوجوب الواردة في النص. ووصف الدكتورأحمد درداري، أستاذ جامعي، الحضور النسائي خلال عملية تشكيل مكاتب المجالس الجماعية بـ”المحتشم”، لافتا إلى أنه “على الرغم من النصوص القانونية التي تفرض نسبة عشرين في المائة من أعضاء المجالس، فإن التمثيلية النسائية داخل مكاتب المجالس الترابية أبانت عن هيمنة ذكورية”.
وأضاف أن عملية تشكيل مكاتب المجالس المنتخبة الجهوية والمحلية تمت بالتفاوض بين الأحزاب بناء على نتائج الانتخابات وعدد الأصوات، حيث أنيطت بالنساء مهام ثانوية ضمن فلسفة التمثيلية الانتخابية، وتم بذلك إبعادهن عن مراكز القرار ، معتبرا أن “السبب لا يكمن في فقدان النساء للشجاعة الكافية لفرض احترام القانون، وانما في تحكم أصحاب النفوذ ماليا الذين لا يتنازلون عن مكانتهم للغير ولا يقامرون بمصالحهم مقابل التسيير التشاركي الواعي”.