تفاعلا مع الدعوة التي وجهها الملك محمد السادس إلى مختلف مؤسسات الدولة بشأن إعداد النموذج التنموي الجديد، عرض المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمغرب أول أمس الإثنين بالرباط نتائج أشغال دورته الـ 13 التي خصها لرصد مستوى التعليم بالمملكة.
الأرقام التي قدمها المجلس على شكل تقرير يحمل عنوان “نتائج التلاميذ المغاربة في الرياضيات والعلوم ضمن سياق دولي، تقرير وطني” تبرز بشكل كبير تراجع المستوى التعليمي الوطني، حيث أكد التقرير أن ثلث التلاميذ لا يتوفرون على كتب في بيوتهم أو يتوفرون على القليل منها، إذ يشير التقرير إلى أن أداء هؤلاء التلاميذ أضعف بكثير من أداء التلاميذ الذين يتوفرون على أكثر من 10 كتب في بيوتهم (31 و48 نقطة في الرياضيات، و43 و65 نقطة في العلوم).
كما أبرز التقرير المستخلص من الدراسة التي شارك فيها ما يا زيد عن 23 ألف تلميذ مغربي في نسختها لسنة 2015 والتي شملت المستويين الرابع ابتدائي والثانية إعدادي، (أبرز) أن نصف التلاميذ الذين يتوفرون على حاسوب أو حاسوب لوحي في بيوتهم، تفوق معدلات تحصيلهم بـ 13 نقطة في الرياضيات و16 نقطة في العلوم معدلات تحصيل التلاميذ الذين لا يتوفرون عليها.
وفي ما يتعلق بالانخراط في أنشطة القراءة والحساب قبل ولوج المدرسة الابتدائي، أكدت الدراسة التي يتم إنجازها كل 4 سنوات منذ سنة 1995 في 49 بلدا من طرف الجمعية الدولية، أن 29 في المائة من آباء التلاميذ المغاربة لم يقوموا ” أبدا ” أو “نادرا” بأنشطة القراءة والحساب مع أبنائهم قبل أن يلج هؤلاء المدرسة الابتدائية، مقابل 3 في المائة فقط على المستوى الدولي، مشيرة إلى أنه في المغرب يصل فرق النقط بين التلاميذ الذين انخرطوا في هذه الأنشطة والذين لم ينخرطوا إلى 39 نقطة في الرياضيات و61 نقطة في العلوم.
التقرير الدراسة الذي قدمته رحمة بورقية، مدير الهيئة الوطنية للتقييم بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمغرب خلص إلى أن هناك عوامل اجتماعية واقتصادية متعددة ومتنوعة تؤثر في تحصيل التلاميذ، مما يتطلب التفكير الجدي في مهنة التدريس (التكوين الأساس والمستمر) والتعليم الأولي ودوره في التحصيل، والتفكير جديا في تدبير المؤسسات التربوية (تكوين المديرين؛ وإرساء مقاربة خاصة للمجالات التي تعرف نقصا).
في هذا السياق قالت رحمة بورقية إن هناك جملة من الإشكالات التي تعانيها المنظومة التربوية بالبلاد. مؤكدة على ضرورة العمل من أجل أن تصبح المدرسة “ملكًا مشتركًا وموحدًا للأمة المغربية”.
المتحدثة توقفت عند الأمية التي قالت إنها تمثل عاملا مساهمًا في تعميق الفوارق الاجتماعية بين المغاربة. داعية إلى تجفيف منابع الأمية من خلال “تعميم وجعل التربية الإجبارية من 4 إلى 15 سنة”. مبرزة أن معضلة الانقطاع المدرسي كلفتها الاجتماعية تتمثل في تغذية “التهميش والانحراف والإجرام”، كما أنها تلحق خسائر بالمالية العمومية تبلغ “2 مليار درهم (0.2 مليار دولار)”، وفق تقديرها.
وعبّرت بورقية عن رفضها للفوارق المسجلة في المدرسة المغربية بين القطاعين العام والخاص، معتبرة أنها “فوارق مرفوضة وغير عادلة”، وذلك لكونها تؤثر، حسب المتحدثة، على مبدأ الاستحقاق “الذي يجب أن يكون أساسًا لكل نظام تعليمي، وذلك بفعل وجود آليات الاستبعاد وتضخم التفاوتات”، تشير المتحدثة.
بورقية وفي كلمتها التي قدمت فيها التقرير قالت إن النهضة وتقدم البلاد رهين بتحقيق “مدرسة عادلة ومنصفة وقابلة للمحاسبة”. بل وذهبت إلى القول “إن المدرسة يتوقف عليها مصير ومستقبل البلد”، مجددة تأكيدها على ضرورة “تحسين جودة التعليم وضمان تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن للقضاء على الفوارق الاجتماعية وتحقيق النموذج التنموي الجديد”.
من جهة أخرى وفي ما يتعلق بالشأن اللغوي رصد المجلس عددا من الإشكالات المرتبطة بذلك واصفا إيها بكونها “مصدراً”، لـ “اللاعدالة وتكريس الفوارق الاجتماعية”، موضحا أن تلاميذ القطاع الخاص الذين يتقنون اللغات الأجنبية يلجون سوق العمل بشكل سهل، و”يمكن أن يتابعوا الدراسة في الخارج عكس خريجي المدرسة العمومية”.
وطالب المجلس في هذا الصدد بـ “إعطاء الأولوية للغتين العربية والأمازيغية، باعتبارهما لغتي الهوية المغربية، بالموازاة مع اللغات الأجنبية”، وأشار إلى أهمية “توسيع فئة المتعلمين لتوسيع الطبقة المتوسطة التي تشكل أحد عناصر إنجاح النموذج التنموي”، حسب معدي المشروع.
إلى ذلك أكد الامين العام للمجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي عبد اللطيف المودني، أن المجلس حريص على ترسيخ التعاون مع شركائه لبلوغ مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء بالفرد والمجتمع.
وتابع المودني، أن هذه الدورة شكلت مناسبة للتأكيد على سهر هذه المؤسسة الدستورية على الارتقاء المستمر بأدائها وحرصها الدائم على ترسيخ التعاون مع شركائها، ولاسيما الوزارات المكلفة بالتربية والتكوين والبحث العلمي، وذلك من أجل بلوغ الغاية المنشودة من قبل المغاربة جميعا والمتمثلة في تحقيق مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء بالفرد والمجتمع.
وأضاف الأمين العام للمجلس أن هذه الدورة جسدت المهام الاستشارية والاقتراحية والتقييمية التي يضطلع بها المجلس، مشيرا إلى أن أشغالها انصبت على أربعة محاور تتعلق أولا بمواصلة إذكاء المجلس لمهمته الاقتراحية والاستشارية حيث تداولت الجمعية العامة للمجلس في مشروعين أساسيين يتمثلان في تقرير حول “مساهمة المجلس في إعادة النظر في النموذج التنموي”؛ وتقرير حول “الارتقاء بمهن التربية والتكوين والبحث والتدبير”.
وأشار المتحدث إلى أنه ترسيخا لمهمة المجلس التقييمية في الانفتاح على الأعمال التقييمية الدولية، وقفت الجمعية العامة للمجلس على التقرير الوطني الذي أعدته الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس المتعلق بنتائج برنامج “تيمس 2015”.
ولفت الأمين العام للمجلس إلى أن المحور الثالث في أشغال الدورة الـ 13 انصب على التفكير الجماعي في السبل الكفيلة بتحسين أداء المجلس وهيئاته بعد مضي ما يفوق ثلاث سنوات على إحداثه، وذلك بغرض استخلاص الدروس خلال هذه المرحلة واستشراف آفاق التطوير في المستقبل، مبرزا أن المحور الرابع خصص للاستشراف التخطيطي والتنظيمي لاشتغال المجلس من خلال التداول في برنامج عمله وميزانيته لسنة 2018.
< محمد توفيق أمزيان