المدرس، الغائب الأكبر في مسلسل الاصلاح التعليمي

كثرت هموم المدرسة العمومية، وكثر معها هم المدرس. فبعد اهتمام المدرس بالمادة المدرسة التعليمية، والبحث عن طرق التدريس، والبيداغوجية المناسبة للفروقات التي تعرفها مجموعة القسم، والبحث عن أنجعها لإيصال مضامين الدروس المقررة، قصد تمكين المتعلمين من مفاتيح مفاهيمها العلمية والأدبية وكذلك البحث عن الوسائل التعليمية المساعدة لعملية تيسير الإدراك والفهم والتحليل والنقد والاطلاع على النظريات التربوية التي تهتم بالنشوء والارتقاء،

ونظريات التعلم، وعلم النفس، وطرائق التدريس، وأنشطة التعلم، وهذه المنظومة المفاهيمية التي كان المدرس ينهل من معينها، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الماضي، باعتبار المستجدات التي عرفتها الساحة التربوية، وخاصة في الآونة الأخيرة، وضعت مسحا للقاموس المتداول في الحقل التربوي نظرا للتطورات التي يعرفها العالم، وبالتالي أصبحت الوزارة الوصية على القطاع وهي وزارة التربية الوطنية، تتبنى برنامجا لإعادة النظر في المنظومة التربوية، على اعتبار النتائج السلبية التي خلفها النظام القديم، والمراتب الدنيا التي تبوأتها حسب تقارير المنظمات الدولية والوطنية والمتجلية في انتشار الأمية، والهدر المدرسي، وضعف المستوى الدراسي بشكل عام، دون العناية بقطب الرحى الذي تعتمده العملية ككل وهو المدرس، والاهتمام به سواء من حيث التكوين وإعادة التكوين، كما لم يهتم أيضا برجال الإدارة ودوائر التأطير.

فمكونات العمليةالتعليمية، ورحاها لم تستشر، بل تم إسقاط وابل من المذكرات التنظيمية التي تحدد كيفية التجاوب معها، والتعامل في نطاقها، والحرص على تطبيقها، دون إتاحة الفرصة للجميع لتدارسها، حتى تتم عملية هضمها بطريقة تنم عن التفاعل معها بإيجابية..وهذا ما جعل المدير والمؤطر بشكل خاص، والمدرس بشكل عام، أمام تدفق مفاهيمي جديد، ينهل من منابع اقتصادية مقاولاتية بالأساس، خلخلت البنى التكوينية لكل من المدرس والمدير والمفتش، حيث نقلتهم من حقل إلى حقل آخر، وهذه النقلة تتطلب بالطبع شروطا موضوعية وذاتية، لكي تتم في أحسن ظرف وأكمل وجه. وهذا ما لم يتم، حيث طبعت الارتجالية والتسرع مشروع برنامج الوزارة الاستعجالي الذي خلق بلبلة في ذهنية المفتش والمديروالمدرس.

وعندما نتكلم عن هذا الثالوث، فإننا نقصد الثالوث المواكب للمستجدات التي يعرفها الحقل التربوي، مع العلم أن جل هذا الثالوث خارج التغطية.

لقد دأبت الوزارة الوصية منذ سنوات، على فتح أوراش منتديات الإصلاح، والتي كانت تسعى من ورائها الدخول في حوار جدي مع الأطر الفاعلة في الحياة المدرسية، لتذليل الصعاب، والبحث عن مخرجات من شأنها الرفع من مردودية التعليم، وبالتالي انعكاسه على الحياة الاجتماعية للمواطن. فالفاعلون التربويون المباشرون يتوجسون، ولهم تخوفات كثيرة من ضخامة المعجم الوظيفي الذي تعج به كثير من المذكرات التنظيمية، والتي تمتح من القاموس المقاولاتي الذي يؤسس ضمنيا لرسملة المدرسة وتحويلها إلى رقم معاملاتي في سوق لا قانون له سوى الربح والخسارة.

فالجودة والتعاقد والمشروع والشراكة والتدبير بالنتائج. أدوات دخيلة على المدرسة ومن شأنها أن تخلخل البناء التقليدي للمدرس، كما أشرنا سالفا. فالتخوف كل التخوف من انعدام تهيئ البيئة المناسبة لمثل هذه التغييرات الجذرية التي تعتبر ثورة على النظام التعليمي التقليدي، للخروج من شرنقة المراتب الدنيا للقضاء على أم الداء ألا وهي الأمية المتجلية بنسب مرتفعة في أوساط المجتمع المغربي. تبقى الإشارة إلى وجوب إشراك المدرس باعتباره الأداة الأساسية في نجاح أي مشروع تربوي كيفما كانت توجهاته، وباعتباره أيضا الفاعل الرئيسي في بلورة وترجمة المواد التعليمية على أرض الواقع. فالأعمال تقاس بخواتمها كما يقال. لذا يجب ولابد من العمل على تكوين المدرس تكوينا يرقى إلى ما تطمح إليه الوزارة في برنامجها، وما يطمح إليه أيضا كل غيور على هذا البلد السعيد، وإيلائه أهمية ترقى به حظوة في الوسط المجتمعي بحيث لا يصبح (ينكت به في المجالس). بل على العكس من ذلك إرجاع الثقة له بنفسه، وبعمله، وبوسطه، وبحياته. فصورة المدرس في أي مجتمع تنم عن القيمة التي يتبوأها ذلك المجتمع في سلم الرقي والازدهار.

Top