قبل 42 عاما شهدت الدار البيضاء احتجاجات اجتماعية عرفت بأحداث 20 يونيو 1981، وقوبلت من طرف السلطات آنذاك بقمع شرس أوقع العديد من القتلى والجرحى، علاوة على المعتقلين، وبقي هذا التاريخ حاضرا في الأدبيات النضالية لشعبنا، كما أن الأحداث وضحاياها حضرت أيضا ضمن عناوين ملف المصالحة، وفي مسارات معالجة انتهاكات سنوات الرصاص.
معروف أن احتجاجات 20 يونيو 1981 أدت إليها الزيادات الكبيرة وغير المبررة في أسعار المواد الأساسية، وإقدام الحكومة، حينها، على إقرار هذه الزيادات من دون مراعاة للأوضاع الإجتماعية لأوسع فئات شعبنا.
وجاءت هذه الزيادات في ظرفية مجتمعية كانت تعاني من التداعيات التي نجمت عن سنوات الجفاف في نهاية السبعينات، وضمن احتقان عام كان يتطلب إجراءات لتخفيف المعاناة المعيشية على الناس بدل الإمعان في التجاهل، وترك المغاربة في مواجهة الغلاء والفقر.
عندما نعيد قراءة كل هذه الوقائع والمؤشرات والسياقات، نفتح العيون مباشرة على واقع شعبنا اليوم، وعلى ملحاحية المسألة الإجتماعية والأوضاع المعيشية لمعظم الأسر المــــــغربية.
اليوم، هناك تفاقم الغلاء بالنسبة لمعظم المواد الاستهلاكية الأساسية، وهناك اختلالات هيكلية في منظومة السوق، وفي مراقبة الأسعار، وفي إجراءات الحد من المضاربة والاحتكار، وتضاف مناسبة عيد الأضحى هذه الأيام لتزيد من حدة المعاناة الاجتماعية، فضلا عن موسم عطل الصيف، وتفكير العائلات في الدخول المدرسي المقبل، ثم هناك استمرار تداعيات ما بعد الجائحة، وآثار التقلبات الدولية على الواقع الاقتصادي لبلادنا، وكذلك ما يفرزه الجفاف من معاناة وتداعيات في البوادي والمدن معا…
وكل هذا لا تتصدى له الحكومة بأي اجراءات شجاعة وملموسة وهيكلية وشمولية، وإنما تترك شعبنا يواجه مصيره لوحده.
كما لو أن واقع سنة1981 يعود إذن لرسم ذات المؤشرات ونفس الصورة…
لقد نبهت قوى عديدة إلى تنامي قلق شعبي واسع جراء الأزمة الاجتماعية وتدهور القدرة الشرائية، ولفتت إلى وجود احتقان كبير وواضح على هذا الصعيد، ودعت الحكومة، تبعا لذلك، إلى التدخل الفوري بشكل شمولي وجريء لإعمال خطط وبرامج من شأنها الإنقاذ، وتحسين ظروف عيش المغاربة، ولكن بقي الجمود والصمت الحكوميين هو الرد القائم.
وحتى عندما تقدم الحكومة الحالية على بضع خطوات، فهي توجهها، بشكل غريب، نحو الأثرياء والتجار والمضاربين للاستفادة منها، بدل أن تكون مفيدة للفئات الفقيرة والمحتاجة.
والأخطر، أن هذه الحكومة لا تتكلم مع المغاربة، وليس لها حضور سياسي او تواصلي ضمن الإنشغالات الوطنية الأساسية، ومن ثم هي لا تسعى، أصلا، لإقناعهم أو طمأنتهم أو التفاعل مع انتظاراتهم، وكأنها تنتظر إما معجزة ما أو أن يتفاقم القلق الشعبي ويفضي إلى مآلات أخرى لا أحد يتمناها لبلادنا في هذه الأزمنة الصعبة.
لا أحد ينكر اليوم أن شعبنا يعاني من غلاء كبير وفادح في أسعار كثير من المواد الأساسية، ولا أحد يجهل ما تعيشه أسواق الأضاحي هذه الأيام من ارتفاعات صاروخية مخيفة في الأثمنة، ولا أحد ينكر حجم الأضرار التي مست القدرة الشرائية لفئات واسعة من شعبنا، والصعوبات التي صارت تواجهها في مجالات تمدرس الأبناء، وفي السكن والصحة والشغل والنقل وغير ذلك.
وحدها الحكومة لا تريد أن ترى الواقع بوضوح، أو أن تفكر في مخططات وبرامج وإجراءات هيكلية وشجاعة لتفعيل الحلول من أجل التخفيف عن شعبنا من حدة الازمة الاجتماعية التي تلفه.
اليوم، يجدر بمسؤولي الشأن الحكومي القراءة العاقلة لاختلالات الواقع الاجتماعي، والتفكير في حلول حقيقية للأزمة، واستحضار حجم ما يعانيه شعبنا، وأيضا استحضار دروس التاريخ، وذلك من أجل التقدم ببلادنا ضمن الاستقرار المجتمعي العام، وفي إطار تقوية التعبئة الوطنية والوحدة والسلم الاجتماعي.
المسألة الاجتماعية أولوية كبرى اليوم…
محتات الرقاص