المساحات المعشوشبة بالولايات المتحدة.. هوس أمريكي مضر بالبيئة

يشكل فصل الصيف بالنسبة للعديد من الأمريكيين مناسبة لقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء في المساحات المعشوشبة، ولكن بأي ثمن؟
وتتوفر الولايات المتحدة على حوالي 20.5 مليون هكتار من المساحات المعشوشبة، أو ما يقرب من مساحة كافة المتنزهات الوطنية في البلاد. وللحفاظ على هذه المساحات الخاصة التي تعد مصدر فخر للشعب الأمريكي، ينفق الأمريكيون سنويا مليارات الدولارات.
ففي سنة 2020 لوحدها، تطلبت صيانة هذه المساحات نحو 105 مليارات دولار، وهي ميزانية يتزايد عبئها البيئي بشكل ملحوظ.
ووفقا لوكالة حماية البيئة، تتطلب صيانة هذه المساحات أكثر من 9000 مليار لتر من المياه سنويا وحوالي 27 ألف طن من المبيدات الحشرية، إضافة إلى كميات كبيرة من المواد الكيميائية التي يمكن أن تتسرب إلى التربة والمياه الجوفية.
علاوة على ذلك، يستهلك الأمريكيون ما يقرب من 10 مليارات لتر من البنزين لتشغيل معدات صيانة الحدائق، وهو ما يعادل استهلاك 6 ملايين سيارة ركاب في السنة، وفقا لبيانات وزارة النقل برسم سنة 2018.
وأمام هذه الأرقام المقلقة، والتي لها انعكاسات بيئية مدمرة، تدعو العديد من وسائل الإعلام الوطنية، في الوقت الراهن، إلى اتخاذ إجراءات من أجل تدبير هذه المساحات بشكل أكثر استدامة، ولا سيما استخدام الأسمدة العضوية، ومقاطعة المبيدات الحشرية أو الانتقال إلى استخدام معدات كهربائية للصيانة.
ومع ذلك، يعتقد الخبراء أن صيانة هذه المساحات تبقى أمرا ثانويا مقارنة بحجمها في المقام الأول، وأن تواجد القليل من العشب وعدد أكبر من النباتات من أهم العوامل الكفيلة بالحفاظ على حديقة صديقة للبيئة.
في هذا الصدد، صرح دوج تالامي، الخبير في علم الحشرات في جامعة ديلاوير، لصحيفة (واشنطن بوست) أنه “من الناحية البيئية، تعد المساحات المعشوشبة فضاءات ميتة”.
وقال تلامي إن الحل يكمن في نهاية المطاف في التقليص من هذه المساحات، داعيا الأمريكيين إلى تقليص المساحة المعشوشبة داخل حدائقهم المنزلية إلى النصف.
وأبرز أن تحقيق ذلك يتطلب تغييرا في الثقافة يتجاوز الاستخدام البسيط للجزازة الكهربائية للعشب.
وبعد أن شدد على الدور المهم للنباتات المحلية في الحفاظ على البيئة، أبرز تلامي أيضا المناظر الطبيعية الأصلية كوسيلة لإعادة تركيز الحدائق على الغرض البيئي للنباتات، ألا وهو إنتاج الغذاء خاصة للحشرات.
وأضاف أن الطاقة النباتية تنتقل من خلال السلسلة الغذائية، غالبا من خلال الحشرات. ومع ذلك، فإن العديد من الحشرات لا تتغذى سوى على الأنواع النباتية الأصلية. وهكذا فإن تفضيل النباتات غير الأصلية سيؤدي على الأرجح إلى كسر سلسلة نقل الغذاء من كائن إلى آخر، وسيعطل المنظومة البيئية.
وأوضح أن عدد الفراشات، التي تقتات عادة على نبات الصقلاب، آخذ في الانخفاض بعد أن أصبح هذا النبات أقل وفرة. وبالمثل، فإن أنواع الطيور آخذة في التدهور، شأنها في ذلك شأن أكثر من 40 في المئة من أنواع الحشرات.
وقال تالامي إن النباتات الأصلية تدعم بشكل أفضل الأنواع الحيوانية الأصلية، وبالتالي تساعد في مكافحة هذا التراجع في أعدادها.
ووفقا لتقرير للمنبر الحكومي الدولي للتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية (IPBES) ن شر في عام 2019، فإن “حوالي مليون نوع حيواني ونباتي مهدد اليوم بالانقراض، خاصة في العقود القليلة القادمة، وهو ما لم يحدث من قبل في تاريخ البشرية”.
من جهة أخرى، يركز خبراء آخرون بشكل أكبر، على تنوع أنواع النباتات في الحديقة أكثر من أصولها.
وفي هذا الصدد، قالت جولييت سترومبيرج، الأستاذة في جامعة ولاية أريزونا، “نعم، نريد مواطنين أصليين، لكن لنكن شاملين ولا نستبعد النباتات التي تأتي من مكان آخر”.
وأوضحت أنه “إذا أحضرت نباتا من نفس النوع من مكان آخر، فستكون الحشرات على ما يرام”.
من جانبه، أوصى إريك براون، مدير الموارد المائية في مدينة جيلبرت بولاية أريزونا، بالانتقال إلى حدائق صديقة للمياه تعرف بـ “المقاومة للجفاف”.
وقال براون إن حديقة صديقة للمياه لا يجب بالضرورة أن تبدو كصحراء قاحلة.
واعتبر أن “الأولوية هي إظهار أن هذه الحديقة يمكن أن تشكل منظرا طبيعيا جميلا” ، مشيرا إلى أن عدم الاضطرار إلى قضاء جزء كبير من عطلة نهاية الأسبوع في جز العشب يساعد في تغيير تصورات الناس.
ويرجع هوس الأمريكيين بالمساحات العشبية إلى الآباء المؤسسين لهذه الدولة، حيث قام توماس جيفرسون بزراعة العشب في مزرعته في مونتايسلو، وهو عنصر من عناصر الحديقة كان لفترة طويلة حكرا على الطبقة الأرستقراطية الأوروبية.
وخلال النصف الثاني من القرن العشرين، ومع نمو الطبقة الوسطى، واقتنائها لمنازل بضواحي المدن، أصبحت المساحات المعشوشبة عنصرا أساسيا في أمريكا.
ومع ذلك، وفي خضم الجفاف الذي يلوح في الأفق، وموجات الحر التاريخية وحرائق الغابات المدمرة، فإن تكلفة صيانة هذه المساحات في أمريكا تبدو مكلفة جدا.
ووفقا لمركز مكافحة الحرائق الوطني المشترك بين الوكالات، فإن نحو 80 حريقا كبيرا تستعر حاليا في الغابات بـ 13 ولاية أمريكية، وتلتهم أكثر من 445 ألف هكتار، معظمها في الولايات الغربية.

Related posts

Top