من القضايا التي برزت في المناقشات العمومية عقب انتخابات ثامن شتنبر، وخصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتدوينات بعض المهتمين، هناك دور المعارضة في مشهدنا السياسي الجديد.
وبغض النظر عن السطحية التي ميزت مناقشة المسألة من طرف البعض، والطبيعة السجالية والتراشقية، فمع ذلك، يستحق الموضوع الاهتمام اللازم.
بداية، يجب التأكيد، وقد ظهرت الآن ملامح تحالف الأغلبية وعرفت مكوناته الحزبية، أن المعارضة لم تكن يوما مرتبطة فقط بالجانب العددي، ذلك أنه، مبدأ ومنطقا، الأقلية التي تفرزها نتائج الاقتراع هي التي تصطف في المعارضة، ومن يفوز بالانتخابات يفكر أولا في تشكيل أغلبيته، ولا يتولى اختيار من يعارضه…
وترتيبا على هذا، فالمعارضة تبنى على الأداء العملي، وعلى مواقفها المعلنة، وعلى دينامية جهدها وسلوكها ومثابرتها اليومية، وسبق للزعيم الراحل علي يعته أن جسد دور فريق كامل لحاله، ولا زالت أدبيات السياسة تذكر له تميزه وحضوره، كما أن ذاكرة البرلمان المغربي تحتفظ لحد الآن بأسماء عدد من الزعماء والقادة الكبار الذين شغلوا عضويته في مراحل مختلفة…
من المؤكد أن المعارضة مطلوبة من أجل تقوية التوازن في المؤسسات، وداخل البلاد بشكل عام، كما أن دستور البلاد منحها مكانة مهمة، وأناط بها أدوار ومسؤوليات سياسية ومؤسساتية أساسية، ومن ثم هي ليست مهمة المضطر، أو أنها عملا موازيا بلا معنى، ولكنها اصطفاف واعي تحدده نتائج الانتخابات واختلاف الاختيارات المرجعية والبرنامجية مع الأغلبية.
المعارضة السياسية اليوم يجب أن تغير ضعف النقاش السياسي في البرلمان خلال الولاية المنصرمة، وأن تعيد للمؤسسة التشريعية مركزيتها كفضاء حاضن للحوار العمومي، ولنبض المجتمع…
المعارضة السياسية يجب كذلك أن تنجح في صياغة الموقف والخطاب البديلين، وأن تجعلهما قادرين على مواجهة خطاب الحكومة وأغلبيتها، وبلورة الحجاج الضروري بين الخطابين، وإغناء جدلنا السياسي الوطني المنتج…
لا شك، أن ظرفيتنا الوطنية العامة لا تخلو من صعوبات وتعقيدات، كما أن التركيبة البشرية البرلمانية الناجمة عن نتائج انتخابات ثامن شتنبر، ربما لا تسعف كثيرا في إيجاد البروفيلات المناسبة والبارزة، ولكن، من داخل كل هذه المنغلقات، لا بد أن يمتلك البرلمان، خصوصا، ديناميته العملية والسياسية، ومن مصلحة بلادنا تقوية الحوار السياسي الوطني من داخل المؤسسة التشريعية، وأن يكون لذلك الامتداد اللازم في المجتمع وعبر وسائل الإعلام.
المعارضة السياسية الجادة يجب أن تستطيع اليوم فرض الإنكباب على الأولويات المجسدة لانتظارات شعبنا، والمستجيبة للمطالب الأساسية، ويجب أن تعيد للبرلمان أهميته، وأن تعمل على تفعيل كل الأدوات التشريعية والترافعية المتوفرة: «لجان التحقيق، المهمات الاستطلاعية، الأسئلة الكتابية والشفوية والمحورية…»، علاوة على الإمكانيات التشريعية الموجودة، وأن تدفع في اتجاه التفسير الديمقراطي المنفتح للقوانين والنصوص، وإضفاء الحيوية الضرورية على عمل المؤسسات التمثيلية، والالتزام بالحضور المنتظم والاجتهاد المستمر لتمتين المهنية والنجاعة في العمل البرلماني والتمثيلي.
من جهة ثانية، إنجاح دور فرق المعارضة داخل البرلمان، يقتضي أيضا إسناد هؤلاء المنتخبين من لدن أحزابهم، وتأطير عملهم واجتهادهم بمساهمات وحضور الأطر الحزبية والخبراء والباحثين المختصين، وبالتالي السعي معا لبلورة الخطاب السياسي المؤطر، والحاضن للبدائل، وبعد ذلك إشعاعه والتعريف به في الإعلام والمجتمع…
ولتحقيق ذلك، يجب أن تكتسب هذه الأحزاب، وخصوصا الجادة منها، استقرارها العام، ومتانتها التنظيمية الداخلية، وأن تطور قدراتها التواصلية، وأن تستعيد حرصها على الاجتهاد والتفكير والبحث، بالإضافة إلى حاجة بلادنا إلى امتلاك صحافة وطنية جادة ومهنية وأخلاقية لمواكبة بناء وتطوير هذه المرحلة السياسية الجديدة…
المعارضة السياسية، في البرلمان وفِي المجتمع، ضرورة ديمقراطية اليوم، ويجب أن تكون رهان الجميع، وخصوصا القوى المعنية بها والمصطفة ضمن موقعها، أي أحزاب المعارضة أولا، بالإضافة إلى أن إنتاج البدائل، في الخطاب والمواقف والبرامج والرؤى، يبقى أيضا مسؤولية الصحافة الوطنية، ومسؤولية الباحثين والمثقفين ومراكز البحث، ومن شأن نجاح الجميع في كسب هذا الرهان، تمكين بلادنا من امتلاك حياة سياسية ومؤسساتية ذات دينامية، ومن القدرة على تقوية استقرارها المجتمعي، والنجاح في ربح التحديات التنموية والديمقراطية والإستراتيجية المطروحة عليها.
محتات الرقاص