المغاربة هل هم “رعاة” أم “بستانيون”؟

من سطح فيلا دو فرانس، ذلك الفندق الأسطوري بطنجة،   ذو الإطلالة الرائعة على المدينة. هناك حيث أقام الفنان ماتيس لملء عينيه بالضوء والألوان، هناك حيث كنت منذ قليل بصحبة البروفيسور “ط”، وهو أنتروبولوجي من النخبة، نتقاسم وجبة فطور دسمة.

 اجتمعنا بمناسبة معرض الكتاب الذي يقيمه المعهد الفرنسي كل سنة بطنجة بمهنية عالية (ينبغي توشيحهم جميعا، هؤلاء السادة والسيدات الموظفين في المعهد، للعمل الرائع الذي يقومون به. كيف سيكون حال حياتنا الثقافية بدونهم؟).

بعد أن رشف قليلا من شايه المنعنع، كشف لي “ط” عن ما يثير حيرته.  

– أمضيت حياتي في دراسة الشعوب بالجهات الأربع للكرة الأرضية. إنهم ينقسمون جميعا إلى صنفين، منذ ما قبل التاريخ: هناك “الرعاة” وهناك “البستانيون”.

 مرت قطة من أمامنا، بخيلاء، ذات نظرة قاهرة، ترقص بذيلها لا ندري أي رقصة بالضبط، ربما أنها قطة كناوية وبصدد التحضير باكرا لمهرجان الصويرة؟ 

تابع البروفسور “ط” تأمله:

– “الرعاة” يتصرفون مثل القطعان التي تخضع لراعيها: هو الذي يعرف مواضع الماء، هو الذي يقودها إلى المنبع يحث يمكن لها أن تنهل. مصيرها مرتبط به، بصرها لا يفارقه، إنها لا تتحرك إلا إذا تحرك هو. قبائل الرحل تعد النموذج الأمثل لهذه الحالة. تتوفر كلها على أمير. وهي محكومة بنفس الطقوس اليومية الروتينية، إنها لا تعدو كونها تكرر الماضي.   

-هكذا إذن..

– على  خلاف ذلك، فإن الشعوب التي تشتغل بالبستنة لا تطلب من قائدها سوى تأمين النظام العام. حيث لا يقوم أي وغد بسرقة محصولهم الزراعي، حيث لا يترامون على قطعهم الأرضية. بالنسبة للأشياء الأخرى، فإنهم يعرفون كيف يتصرفون، وهم منحنون على مزروعاتهم، فلا يتركون لأحد عناية إعادة زرعها وتحسين جودتها. إنها حالة الأمريكيين على سبيل المثال، ولهذا فهم في الصدارة على مستوى الاختراع والابتكار.    

بعد برهة، أضاف “ط” قائلا:

–  ها هو السؤال الذي يحيرني منذ عشرات السنين التي كنت أتردد فيها على بلدكم الجميل: هل المغاربة “رعاة” أم “بستانيون”؟

  صمت. شعرت بأنه حان الوقت لكي أقول شيئا. هذا لم يكن حديثا منفردا، هناك فوق السطح، إسبانيا على بعد منا، وسط الروائح القوية للميموزا (أطلق “ميموزا” على كل النباتات، باعتبار أنني عاجز عن التفريق بين شذاها). قلت بصوت واضح:

  – وإذا كانت مشكلتنا أننا لسنا لا هذا ولا ذاك؟ يعني خليط من الاثنين؟

هذا السؤال كانت مشاركتي الوحيدة في الحوار.

قفز “ط”:

 – ربما معك حق، سيدي العزيز. حسنا، أيها المغاربة، عليكم أن تحسموا في الأمر، هل تريدون أن تكونوا شعب البستانيين أو شعب الرعاة؟

 عند هذه اللحظة، تناول كل واحد منا ملعقة من هذه الحريرة اللذيذة التي تعدها الطباخات بفيلا دو فرانس (إشهار مجاني) وطفقنا نتحدث عن كرة القدم.

لكن السؤال يظل مطروحا.

> بقلم: فؤاد العروي

 > ترجمة: عبد العالي بركات

Related posts

Top