كثر الحديث مؤخرا عن استعداد فريق المغرب التطواني لكرة القدم لإحياء ما يسمى بـ “مئوية” تأسيسه، وكان بالإمكان اعتبار الأمر غير مهم لأنه متعلق بلعبة كرة القدم، والاهتمام بأشياء أخرى.
لكن تاريخ الفريق هو جزء من تاريخ المدينة والاحتفال بمئوية غير موجودة هو تحريف لهذا التاريخ والمس بنضال بسيط قام به شبان مغاربة (ولن أقول وطنيين حتى لا أزعج من يزدري جهد هؤلاء الشباب إلى درجة وصفهم بـ “وطنيين دباطاطا”) أواخر العشرينيات من القرن الماضي لتأكيد صحوة الفرد المغربي المستعمر.
فجأة، وبدون مقدمات، أطلق المكتب السابق للفريق فرية أن نادي أتلتيكو تطوان الإسباني تأسس سنة 1922 وأن المغرب التطواني الحالي هو امتداد له، وبالتالي فهو الفريق المغربي الوحيد الذي لعب في الدوري الإسباني “الليغا” وأصبح البعض يطالب الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بأن تحتسب “ألقابه” كبطل للمغرب إبان فترة الحماية.
وانطلق هذا اللغو كالنار في الهشيم، وازدهر مع شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع العشوائية، خصوصا عند تقديم الفريق التطواني لنبذة عنه بمناسبة مشاركته في بطولة كأس العالم للأندية سنة 2014، والتي استضافها المغرب.
وامتلأت الصفحات والمواقع بهذا الكلام الذي لا حجة عليه، بل صارت هذه المواقع التي شحنت بمعطيات خاطئة (ومنها موقع الجامعة المغربية وموقع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) حجة على صحة هذه “المئوية” لدى المتمسكين بهذه الخرافة، وتحول اسم الفريق المختصر في “المُغرب” بقدرة قادر إلى “الأتلتيك” وكأن كلمة “المُغرب” أصبحت مزعجة.
وبالإضافة لهذا النسب الخاطئ شرع البعض في التغني بملعب “سانية الرمل”، بل أطلقوا عليه اسما لم يسبق له أن حمله من قبل، وهو اسم “ملعب ماركيز دي فاريلا”، وهو “المهندس” الذي “بناه” سنة 1913 في نظر هؤلاء، بحيث اعتبروه أقدم ملعب في المغرب، بل في إفريقيا (دون البحث في تواريخ الملاعب المصرية ولا في جنوب أفريقيا).
كان بالإمكان اعتبار كل هذا زلة عابرة من المكتب السابق ومزايدة من بعض أنصار الفريق يستعملونها في السجال الإلكتروني ضد أنصار الفرق الأخرى، لكن أن يتحول الأمر إلى حدث رسمي يستعد الفريق لتخليده، فهو أمر لا يمكن تجاوزه، فالتاريخ هو التاريخ ولا يمكن السكوت عن تحريفه، ولا يمكن السكوت عن اختراع تاريخ ميلاد الفريق من العدم ولا “قرصنة” تاريخ فريق آخر إسباني ومحترف.
ملعب “لامبيكا” أو حين يحول عسكري جلاد إلى مهندس
البداية من الملعب، فمن خلال موقع “ويكيبيديا” (بالعربية والفرنسية) نكتشف أنه “تأسس عام 1913 من قبل المهندس الأندلسي الراحل ماركيز دي فاريلا، وهذه خرافة أخرى تم اختلاقها، فملعب “لامبيكا” لم يبن سنة 1913 ولا في تلك العشرية، بل بني في شكله البدائي الأولي أواخر العشرينات، ودشن يوم 9 أكتوبر من سنة 1928، وهو التاريخ الذي عرف إجراء الديربي الإسباني فوق أرضيته ما بين ريال مدريد وأتلتيكو مدريد. (https://revistalibero.com/blogs/contenidos/el-unico-equipo-extranjero-que-ha-jugado-la-liga)
أما عن الباني المزعوم لملعب 1913 المختلق، فتقول ويكيبيديا بأنه هو المهندس ماركيز دي فاريلا، لكن لا وجود لمهندس بهذا الاسم، فخوصي إنريكي فاريلا ولد سنة 1891 بمدينة قادش الأندلسية وورث عن أبيه حب الجندية التي التحق بمدارسها إلى أن تخرج سنة 1915 وعين بمدينة مليلية. فكيف لعسكري مهني كان يدرس بإسبانيا سنة 1913، ولم تطأ رجله أرض المغرب سوى سنة 1915، أن يتحول إلى مهندس يبني ملعبا بتطوان؟
هذا الشخص عين كمقيم عام إسباني على المغرب الخاضع للحماية الإسبانية ليستقر بتطوان عاصمة المنطقة وقتها، أي أنه تحول إلى الرجل الإسباني الأول بالمنطقة ابتداء من سنة 1946، وكما افترس بني جلدته خلال الحرب الأهلية بإسبانيا، فلم يتورع عن إسالة الدم المغربي بتطوان خلال مظاهرات 8 فبراير 1948 التي عرفت استشهاد 21 من سكان تطوان (ومن ضمنهم الشهيد عبد اللطيف المدوري) وجرح المئات واعتقال الآلاف، ولم تهدأ المنطقة سوى بعد رحيله سنة 1951 (توفي في شهر مارس من تلك السنة) وحضور المقيم فالينيو Valiño الذي سلك سياسة مخالفة، هذا هو فاريلا الذي سيقلد منصب الماركيز بعد وفاته كتكريم من فرانكو ونظامه، والذي “نصبه” البعض بخفة مثيرة “مهندسا”.
كانت كرة القدم تمارس في الهواء الطلق في فضاء سانية الرمل الواسع والمفتوح مع دخول الحماية الإسبانية، وفي أواخر العشرينات (سنة 1928) أحيطت مساحة اللعب بسور وكان الجمهور يتابع المقابلات وقوفا، ثم أضيفت له بعض المدرجات الصغيرة تدريجيا مع مطلع الثلاثينيات، لكنه كان ملعبا للهواة.
وبعدما لم يعد هذا الفضاء يساير الطموحات الكروية المتكاثرة التي صاحبت ظهور فرق تلعب في القسم الثالث والثاني بالبطولة الاحترافية الإسبانية، صار من اللازم على إسبانيا التفكير في إعادة هيكلة الملعب في أفق النهوض بالرياضة ودعم فريق المدينة الأول نادي أتلتيكو تطوان الإسباني، لكن هذه الرغبة لم تتجسد سوي في أواخر الأربعينات.
وتم هذا أيام حكم المقيم العام الجنرال خوصي إنريكي فاريلا المدجج بالنياشين والميداليات التي جمعها في ساحة القتل وليس البناء، وكان من الطبيعي، والحالة هذه، أن يسمى الملعب باسمه في مرحلة أولى، أي أن اسم فاريلا (ولم يكن بعد قد نال لقب الماركيز) اقترن بالملعب بعد إعادة هيكلته وتجديده انطلاقا من سنة 1948 وليس كمهندس، بل بصفته مقيما عاما.
ولم يسم الملعب بالمرة بملعب الماركيز دي فاريلا، لأن لقب الماركيز أطلق عليه بعد مغادرته لتطوان ووفاته، وقد تغير اسم الملعب سنة 1952 ليتحول إلى الاسم الحالي، ملعب سانية الرمل، أو “لامبيكا” كما يطلق عليه في تطوان والشمال عموما.
إعادة بناء الملعب تمت تحت إشراف مندوب الإقامة العامة الإسبانية في المغرب للأشغال العمومية والمواصلات المهندس فيسينتي مارطوريل (Vicente Martorell) كما يتضح من مقال جريدة “أفريكا ديبورتيفا” بتاريخ 6 شتنبر 1948. وصممه وأنجزه كل من المهندس المعماري خوصي ميغيل دي لا كوادرا صالصيدو(José Miguel de la Quadra-Salcedo) والمهندس خوليو دي كاسطرو (Julio de Castro).
وهذه المعلومات عن إعادة البناء متوفرة في الجرائد الإسبانية لتلك الفترة وفي مؤلف أنطونيو برافو نيطو الضخم عن المعمار الإسباني في شمال المغرب الصادر سنة 2000 (ص269).
(Antonio Bravo Neto- Arquitectura y urbanismo español en el Norte de Marruecos)
هذا ما تقوله الأحداث والوقائع وما يمكن لأبسط باحث أن يكتشفه دون الحاجة لأن يكون مؤرخا، ولا علاقة لهذا بخرافة ويكيبيديا التي يرددها البعض في صفحاتهم.
وعليه يجب نسيان حكاية “أقدم” ملعب في إفريقيا هذه خصوصا وقد استعمرت العديد من بلدانها انطلاقا من القرن التاسع عشر وتكونت بها العديد من الفرق سواء الأجنبية أو المحلية (في جنوب إفريقيا تأسست أول جامعة لكرة القدم في أواخر القرن 19).
نادي أتلتيكو تطوان الإسباني (12 مارس 1933 – 10 يوليوز 1956)
ولنمر لتاريخ نادي أتلتيكو تطوان الإسباني الذي أرخ له الإسباني التطواني المولد خوليو باريس أراغونيس، ابن الإسباني التطواني المولد خوليو باريس لوبيز آخر رئيس لنادي أتلتيكو تطوان الإسباني، والذي تحمل مسؤولية رئاسة الفريق منذ سنة 1946 إلى غاية انتقاله لمدينة سبتة سنة 1956 (بعد استقلال المغرب)، وقاده من البطولة الجهوية إلى القسم الأول من الليغا، ثم حافظ له على مكانته في القسم الثاني من الليغا إلى غاية انتقال الفريق لسبتة (وقد لعب الفريق الدوري التأهيلي للصعود مرتين اثنتين خسرهما أمام منافسين أقوياء). باريس الابن جمع كل المعطيات اللازمة لكتابة تاريخ أتلتيكو تطوان، في كتاب نشر سنة 1997 وبيع بتطوان (Tetuán y su Atletico).
تحدث باريس الابن عن تاريخ انطلاق الكرة بتطوان بعد الدخول الإسباني للمدينة سنة 1913، ولا وجود بينها لفريق إسباني واحد تأسس سنة 1922، إلى أن تشكل نادي أتلتيكو تطوان ضمن منظور يرمي إلى النهوض به كفريق قوي يمثل الوجود الإسباني الكروي، واستقطب لهذا الغرض العديد من العناصر الجيدة من أندية إسبانية أخرى المتواجدة وقتها، كان هذا يوم 12 مارس 1933.
نادي أتلتيكو تطوان الإسباني تمكن من انتشال نفسه من البطولة الجهوية الإسبانية فرع شمال المغرب، وكانت تسمى، بداية، الجامعة الإسبانية-المغربية التابعة للجامعة الإسبانية وأسست يوم 13 يناير 1931 وكان مقرها بسبتة السليبة، وستسمى انطلاقا من سنة 1938 بالجامعة الجهوية لشمال إفريقيا.
وبعد استقلال المغرب، ستسمى بـ “جامعة إفريقيا الشمالية لكرة القدم” ومقرها بسبتة السليبة دائما مع مندوبية بمليلية السليبة هي الأخرى، إلى غاية سنة 1986 حيث ستتغير التسمية ويتم التخلي عن مصطلح شمال إفريقيا.
أسست بفضل المهندس العسكري لويس سانشيز أورداسبال الذي سيشغل منصب رئيس لها طيلة 15 سنة، وكان من مهامها الإشراف على شؤون كرة القدم بسبتة ومليلية المحتلتين وبالمناطق الخاضعة للحماية الإسبانية وبمدينة طنجة ذات النظام الدولي، وكانت مفتوحة أمام مشاركة الأندية المغربية النشأة في المستويات الجهوية، بل حتى في الأقسام الوطنية لمن له القدرة على الوصول إليها (فريق المغرب الأقصى أو مُغرب طنجة وصل للقسم الثالث من الليغا في بداية الخمسينات).
وكان من أول قرارات هذه الجامعة إنشاء بطولة جهوية مشابهة لتلك التي تنظمها باقي الجامعات الجهوية الإسبانية التابعة للجامعة الإسبانية، ولم تشارك في النسخة الأولى من هذه البطولة سوى فرق سبتة وتطوان لانخراطهما في الجامعة، وعاد اللقب لفريق كولتورا سبور السبتي.
وفي سنة 1932 اعترفت الجامعة الإسبانية بهذه البطولة الجهوية وصار بإمكان الفائز بها المشاركة في تصفيات كأس إسبانيا، لكن دون الحق في الالتحاق بالقسم الثالث من الليغا، لأن الفرق الإسبانية الأخرى كانت ترفض ذلك بالنظر لارتفاع كلفة الانتقال لشمال المغرب وللتخوف من الانتقال إلى مناطق “اضطرابات”…
بعد انتهاء الحرب الأهلية الإسبانية سنة 1939 صار بإمكان الفائز بالبطولة الجهوية المنظمة من طرف الجامعة الجهوية لشمال إفريقيا (والمتضمنة لقسمين جهويين، الأول والثاني) المشاركة في الأقسام الوطنية الإسبانية من الليغا.
نادي أتلتيكو تطوان الإسباني بدأ مسيرته عند نشأته في الأقسام الجهوية، لكنها تعثرت بفعل قدوم الحرب الأهلية، ثم سلك طريقا متصاعدا مع قدوم خوليو باريس الأب لرئاسته، سنة 1946، حيث نقله في ست سنوات من القسم الثالث إلى القسم الأول من الليغا في موسم 52-1951، لكن الفريق عاد للقسم الثاني بعد موسم واحد حيث ظل يلعب أدورا طلائعية إلى غاية رحيله صيف سنة 1956.
فريق نادي أتلتيكو تطوان الإسباني، وقتها، تحول إلى فريق لكل الجمهور التطواني بمن فيه المغربي، ذلك أنه، مع دخوله الأقسام الوطنية والاحتراف، اجتذب أشهر الفرق واللاعبين لملعب “فاريلا” الذي بني عمليا في شكله الحالي في أواخر الأربعينات (مع تعديلات أدخلت عليه منذ السبعينات). كما أنه توفر على بعض اللاعبين الذين سيصبحون دوليين فيما بعد وسيلعبون في فرق كبرى (كليسميس الذي لعب لريال مدريد المتوج بالكؤوس الأوربية الخمس، وراموني…) إضافة إلى الساحر المغربي لحسن شيشا.
إدارة الفريق ضمت عددا جد قليل من المغاربة المسلمين طيلة 23 سنة من وجوده (5) وهم رجل الأعمال التطواني عبد السلام بنعبود (الذي شارك في عدة مكاتب للفريق) وعبد القادر بريشة وعبد الكريم اللبادي وأحمد “مهلول” والدوالي.
كما لم يتجاوز عدد المغاربة المسلمين الذين لعبوا له 10 لاعبا طوال تلك المدة: باعلال وعبد الله والمحجوب ومصطفى الحداد وعلال ومحمد العروسي ولحسن شيشا وسالم العيساوي ومصطفى الوزاني وعبد القادر البزيوي (ويتضمن كتاب خوليو باريس جردا مفصلا لكل هذه المعطيات).
أول إدارة رسمية لفريق نادي أتلتيكو تطوان الإسباني، برسم سنة 1934 لم تتضمن أي عنصر مغربي من بين الأعضاء، ونفس الشيء بالنسبة لأول تشكيلة للفريق الذي لعب حبيا ضد فريق من أصيلة في شهر دجنبر من سنة 1933 التي كانت كلها إسبانية، وهو ما يكذب نظرية “اندماج” الفريقين منذ البداية، أي المُغرب التطواني المغربي المؤسس رسميا سنة 1928 ونادي أتلتيكو تطوان الإسباني المؤسس سنة 1933 (كما أن لا أحد من الفريقين أسس سنة 1922).
بل إن الفريقين الإسباني والمغربي لعبا في مواجهة بعضهما ضمن ما سمي وقتها بكأس الخليفة في موسم 35-1934، وكانت النتيجة 3-1 لصالح نادي الأتلتيكو الإسباني ذهابا (يوم 21 أكتوبر 1934) وإيابا (يوم 9 دجنبر 1934).
بعد الاستقلال وجد الفريق نفسه في حالة فريدة من نوعها كفريق إسباني محترف له التزامات مع لاعبيه المحترفين. تأسست الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم للمغرب المستقل سنة 1956 وشرعت في تنظيم بطولة مختلفة عن تلك التي كانت تجرى أيام الحماية الفرنسية.
وفي تطوان كان يوجد، وقتها، فريق الرابطة الرياضية المغربي كفريق قائم الذات انطلق أواخر الأربعينات، وكان يمارس بالبطولة الجهوية في بداية الخمسينات.
وسرعان ما أضيف له فريق المُغرب الرياضي التطواني الذي أعاد المغاربة إحياؤه مع مطلع شهر يونيو 1956، وقد أشارت جريدة “أ.بي.سي “المدريدية، في عددها ليوم 9 يونيو 1956 لهذه العودة قائلة: “بإحيائه لاسم رياضي قديم تأسس نادي جمعية المغرب الرياضي يحذوه طموح جمع العديد من الرياضات تحت لوائه،ككرة القدم وكرة السلة والدراجات والسباحة وألعاب القوى. ويترأس الجمعية سيدي الحاج الفيلالي وكنائب له السي أحمد الظريف وكأمين المال السي الحاج العربي بوستة وككاتب السي محمد العلوي. ويتكون الفريق من لاعبين محليين وسينازل يوم الأحد المقبل بالرباط فريق الفتح الرياضي للرباط”.
اجتمعت إدارة نادي أتلتيكو تطوان الإسباني، في شهر يوليوز 1956، بمسؤولي الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لدراسة إمكانية بقاء الفريق بالمغرب، لكن استمراره كفريق محترف ممارس بإسبانيا من داخل الأراضي المغربية لم يعد ممكنا، كما لم يكن بالإمكان انخراطه ضمن البطولة المغربية لأنها بكل بساطة بطولة هواة بينما الفريق محترف، وفي ملكية أجانب.
فكان من الضروري، إذن، أن يرحل الفريق عن تطوان كما رحل الجيش الإسباني ورحلت الشرطة والإدارة الإسبانية، ووجدت الجامعة الإسبانية لكرة القدم مخرجا استثنائيا لهذا الفريق بقبول اندماجه مع فريق من مدينة أخرى، سبتة المحتلة في هذه الحالة، والحفاظ على مكانته في نفس القسم، وهو إجراء ممنوع في إسبانيا لكن الحالة كانت استثنائية وطبقت كذلك على فريق الاتحاد الرياضي إسبانيا طنجة الذي اندمج مع فريق الجزيرة الخضراء.
وسجلت وثيقة الاندماج الرسمية (الصفحة 473 من كتاب باريس الابن) التي وقعت في تطوان يوم 10 يوليوز من سنة 1956، قرار اندماج نادي أتلتيكو تطوان مع الجمعية الرياضية لسبتة وتشكيل جمعية أتلتيكو سبتة، وتقرر كذلك حل نادي إسبانيول تطوان لكرة القدم (وكان قد تحول لفريق رديف filial لنادي أتلتيكو تطوان منذ سنة 1950) مع تسريح كل اللاعبين الذين لا يرغب فيهم فريق أتلتيكو سبتة.
ولم يتكلم خوليو باريس الابن بالمرة في كتابه، ولا الصحافة الإسبانية وقتها عن “تشكيل الجزء المغربي من نادي الأتلتيكو لفريق المُغرب التطواني”، بل على العكس من ذلك أشارت كل من صحيفتي “دياريو دي أفريكا” المحلية، في عددها ليوم فاتح أكتوبر 1956، و”أ.بي.سي” المركزية، المذكورة أعلاه، لعودة فريق “المُغرب” القديم للواجهة، وكان قد أعيد تأسيسه قبل رحيل الأتلتيكو الإسباني لسبتة السليبة بأكثر من شهر، بل واجهه حبيا، في بداية شهر يوليوز، ودخل المُغرب التطواني بتشكيلة مغربية مائة في المائة كما كان له مجلس إداري مغربيا مائة في المائة.
ولن يلتحق أي من هذه الشخصيات بالمكتب المؤسس للمُغرب الرياضي التطواني في يونيو 1956 الذي تشكل من المغاربة المسلمين فقط، بمن فيهم المغربيين المسلم عبد السلام بنعبود واليهودي خوصي بنعيم عضوي الأتلتيكو الإسباني. بعد ذلك بعدة أشهر سيعزز كل من بنعبود وبنعيم، كفعاليات شخصية من المدينة، المكتب الثاني لفريق المُغرب الرياضي التطواني الذي دعمته السلطات في أكتوبر1956، وأضيف لهما التطواني اليهودي ألبرطو كورسياس بوطبول ومانويل ريوس من مكتب سابق للأتلتيكو (مكتب 1951) إضافة لإسباني آخر إيميليو بيريس فرانكو، وذلك رغبة من السلطات في توفير موارد إضافية للفريق.
لم يكن هناك أدنى مانع قانوني في أن يبقى نادي الأتلتيكو بتطوان كفريق هاو مع مغربة رئاسته وضمه لمن أراد ذلك من أعضاء المكتب المسير الإسبان المتواجدين بالمدينة (ومنهم من ولد ونشأ بها)، لكنه كان فريقا إسبانيا يلعب في القسم الثاني من الليغا وله التزامات مالية مع محترفيه، فرحل إذن بعد أن سرح فائض لاعبيه.
في المنطقة السلطانية حينت الفرق الفرنسية مكاتبها، ومغربت رئاستها، وشاركت في البطولة الجديدة التي نظمتها الجامعة المغربية الجديدة بدون أدنى مشكل، لأنها كانت فرق هاوية ولعبت في بطولة محلية مغربية هاوية لا علاقة لها بالبطولة الاحترافية الفرنسية. ومن هذه الفرق، فريق الاتحاد الرياضي المغربي، “اليوسام”، الذي كان عمليا فريق الحماية الفرنسية بامتياز (ونادي الصخور السوداء والصام والأولمبيك الرباطي وسطاد ماروكان).
بعد نهاية القصة المغربية لنادي أتلتيكو تطوان الإسباني سيرحل لاعبوه المحترفون للالتحاق بفريقهم الجديد أتلتيكو سبتة بينما سيلتحق الشبان منهم والاحتياطيون الهواة من أبناء تطوان أو ممن هم مستقرون بها، وغير المرغوب فيهم من طرف أتلتيكو سبتة، بالفرق التطوانية القائمة، وهي الرابطة الرياضية التطوانية والمُغرب الرياضي التطواني.
وستفرغ الرابطة تقريبا من لاعبيها الأساسيين (مغاربة وإسبان) بعد ذلك، والذين سيلتحقون بالمُغرب التطواني الفائز في التصفيات المؤدية للمركز الوحيد الذي خصص للشمال بالقسم الوطني الأول من البطولة المغربية الجديدة.
“ألقاب” فريق نادي أتلتيكو تطوان الإسباني حينما كانت تحيل على “المغرب”، فإنما تحيل على التنظيم الجغرافي الجهوي للبطولة المنظمة آنذاك تحت لواء الجامعة الإسبانية لكرة القدم، سواء في تسميتها الأولى لسنة 1931، “الجامعة الإسبانية-المغربية”، أو تحت مسمى “الجامعة الجهوية لشمال افريقيا” انطلاقا من سنة 1938 وكان مقرها بسبتة السليبة، اللهم إن كان من القائلين باحتساب ألقاب الفريق الإسباني للفريق المغربي من يعتبر أن إسبانيا المستعمرة كانت وقتها تقر بكون سبتة ومليلية مغربيتين، وهذا ما لم يقع طبعا.
نادي المُغرب الرياضي (أتلتيكو) التطواني المغربي
أول تاريخ رسمي يمكن تسجيله لظهور فريق المُغرب التطواني هو تاريخ 2 دجنبر1928 بعد أن قام الحاج عبد السلام بنونة بوضع النظام الأساسي لـ “جمعية الاتحاد المغربي” وهي “جمعية رياضية أدبية” (كما كان ذلك مخطوطا على باب النادي الذي فتحته الجمعية بالفدان يوم فاتح مارس 1929)، وقد طلبت الجمعية الترخيص لها باسم الشاب أحمد الزكاري ولم تتوصل بالترخيص القانوني سوى في فاتح أكتوبر 1931 (انظر كتاب “أب الحركة الوطنية المغربية الحاج عبد السلام بنونة- حياته ونضاله” للمؤرخ محمد بن عزوز حكيم؛ الرباط 1987؛ ص 279-280).
فريق كرة القدم المنتمي للجمعية كان قد تشكل قبل ذلك بسنة أو سنتين، ويوجد أثر مكتوب دال على وجوده منشور في مجلة “الاتحاد” التابعة للإقامة العامة عدد 6 لشهر غشت 1927 الموافق لشهر صفر 1346، وهو مقال مصحوب بصورة للفريق وقتها.
أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات، من القرن الماضي، كانت حافلة بالنشاط الوطني على جميع المستويات، بحيث كانت هناك صحوة فعلية لمغاربة المدن، ومن بينهم مغاربة تطوان (أنشطة اقتصادية عصرية ونقابية وحقوقية وثقافية). فريق الاتحاد المغربي التطواني الذي سيختصر باسم المُغرب التطواني كان نشطا بدوره وقد فاز بكأس تطوان سنة 1931 وكان قد لعبها ضد فرق إسبانية متواجدة آنذاك.
كما استقبل في مقابلة حبية بملعب تطوان الفريق المحترف الإسباني، أتلتيكو مدريد، في شهر يونيو 1931 (وكان يمارس بالقسم الثاني من الليغا).
ورغم الحصة الثقيلة التي انتهت بها المقابلة (بالنظر للفارق ما بين الهواية والاحتراف) فقد أبلى فريق المُغرب التطواني البلاء الحسن حسب مجلة “الاتحاد” التي أسمت الفريق باسمه المعروف “المغرب”، سنة 1931، وجاء في المقال: “جمعية المغرب: قد بلغت هذه الجمعية المغربية شأوي التقدم في فنها الرياضي وحازت قصبة السبق في مضمار هذا الفن الكروي من بين سائر الجمعيات الرياضية المغربية”.
شارك المُغرب التطواني مرة أخرى في كأس الخليفة لموسم 35-1934، وهذه المرة واجه، من ضمن من واجهه، فريق نادي أتلتيكو تطوان الإسباني الذي تأسس في 12 مارس 1933 (وليس في 12 مارس 1922 كما تم اختلاق ذلك).
وحل المُغرب التطواني في المركز السادس بينما فاز نادي سبتة سبور بالدوري (انظر كتاب خوليو باريس الابن ص25/27، ويسمي الفريق CD Maghreb، أي نادي المغرب الرياضي).
شاركت في هذا الدوري عدة فرق تمثل الجالية الإسبانية في مدن مغربية تحت الحماية وأخرى خاضعة للسلطة الإسبانية منذ قرون. في البداية كان من المقرر أن يكون عدد الفرق المشاركة 12 فريقا، لكن أربعة فرق انسحبت قبل انطلاق الدوري، وأخرى (أنيون ديبورتيفا العرائش) اعتذرت بعد ثماني دورات.
انتصر المُغرب في 3 مقابلات وتعادل في ثلاث مناسبات وانهزم في 7 مباريات وسجل 33 هدفا (ثالث أقوى هجوم) واستقبلت شباكه 36 (سادس دفاع)، وكان شعار الفريق على الشكل التالي عند بداياته في الثلاثينيات من القرن الماضي:
ويذكرنا ذ. الزبير بن الأمين في كتابه عن اللاعب التطواني محمد عبد السلام العروسي الذي لعب لنادي أتلتيكو تطوان الإسباني (صدر سنة 2013؛ ص67) بمقابلة حبية هامة أجراها فريق المُغرب التطواني ضد الفريق الطنجاوي الشهير المغرب الأقصى (أو مُغرب طنجة).
وجرت بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف يوم الجمعة 14 يناير 1949، تحت رعاية الخليفة مولاي الحسن بن المهدي، وقد خصص مدخولها لفائدة المدرسة الخيرية بتطوان.
المقابلة التي أثارت اهتمام الجمهور إثر الإعلان عنها في الصحف المحلية انتهت بفوز المغرب التطواني بنتيجة 4-3 نال إثرها الفريق التطواني كأسا فضية خصصها الخليفة للفريق الفائز.
وعموما، في الأربعينات تراوحت مسيرة المُغرب التطواني ما بين الظهور والاحتجاب، إلى غاية بداية الخمسينات حيث توقف تقريبا عن الظهور. وتفاصيل حياة الفريق بعد تأسيسه وطيلة فترة وجوده، قبل الاستقلال، تحتاج لدراسة معمقة تسلط الضوء عليها، لكن الأكيد أن مسار الفريق التطواني المغربي لم يختلط بالمرة بمسار الفريق الإسباني المحترف نادي أتلتيكو تطوان.
خرافة “الاختلاط” هذه كان أول من أثارها هو الحسين بوديح، أحد الرؤساء السابقين للمُغرب التطواني وذلك خلال ندوة عن مسيرة الفريق نشرت في كتاب الطيب البقالي “المغرب أتلتيك تطوان -مسيرة المد والجزر” (سنة 2004؛ منشورات جمعية تطاون أسمير)، والتي جمعت رؤساء سابقين آخرين وفعاليات أخرى من لاعبين وأنصار.
بوديح كان الوحيد من بين الحاضرين الذي اعتبر مسيرة الفريق واحدة منذ “ظهوره” سنة 25-1924 (وليس 1922 كما يقول أصحاب المئوية المزعومة) رغم أنه لم يأت بأدنى حجة على كلامه لتأكيد التاريخ الوارد على لسانه وحيثيات “الاختلاط” في المسيرة بين الفريقين.
بوديح اعتبر أن فريق “الاتحاد الرياضي الأهلي” (كذا!) تأسس سنة 25-1924 وغير اسمه سنة 1927 إلى “نادي الشروق لكرة القدم”، وفي سنة 1930 غير اسمه وصار “مُغرب تطوان” واستمر الحال على هذه الغاية إلى سنة 1935 حيث انطلقت الحرب الأهلية (كذا!) وتوقفت المنافسات إلى غاية 1940. في هذه السنة يقول بوديح تأسست الجامعة الإسبانية-المغربية بسبتة وبدأت مسيرة الفريق إلى أن وصل القسم الأول من الليغا…الخ.
ويضيف بوديح أنه في سنة 57-1956 مع استقلال البلاد تم اجتماع بمنزل السيد العياشي شقور الذي كان عضوا، يقول بوديح في جميع مكاتب الفريق منذ سنة 1926، وتقرر تغيير الاسم إلى “المُغرب أتلتيكو تطوان” مع تعيين الفيلالي كرئيس… غريب أمر كلمة الحسين بوديح هذه ومن أين أتى بهذه السلسلة من المعلومات الخاطئة! فالفريق تأسس رسميا سنة 1928 تحت اسم “جمعية الاتحاد المغربي” وصار يختصر بالمُغرب التطواني بعد ذلك. والجامعة الإسبانية-المغربية، التابعة للجامعة الإسبانية أسست سنة 1931، وتغير اسمها إلى الجامعة الجهوية لشمال إفريقيا سنة 1938. والحرب الأهلية انطلقت في يوليوز 1936 وليس 1935. ونادي أتلتيكو تطوان الإسباني أسسه إسبان يوم 12 مارس 1933، باستقلال تام عن المُغرب التطواني المغربي، وظل فريقا إسبانيا محترفا إلى غاية رحيله عن المغرب في صيف 1956 بعد استقلال البلاد… ولم يسبق للعياشي شقور أن تحمل أدنى مسؤولية في مكتب نادي أتلتيكو تطوان الإسباني طيلة حياة هذا الفريق.
وكما ذكرنا، وبالعودة لمكتب جمعية الاتحاد المغربي المؤسسة سنة 1928 كجمعية مغربية مائة في المائة أعطت فريق المُغرب التطواني، وإلى أول مكتب لنادي أتلتيكو تطوان الإسباني المؤسس يوم 12 مارس 1933، يبرز بوضوح أنه لا يوجد أي عنصر إسباني في مكتب المُغرب التطواني كما أنه لا يوجد أي عنصر مغربي مسلم في المكتب الأول للنادي الإسباني المؤسس يوم 12 مارس 1933.
وقد تأكد هذا في جميع المكاتب اللاحقة للنادي الإسباني الذي لم يضم لصفوفه خلال 23 سنة من تاريخه سوى خمسة عناصر مغربية مسلمة (بنعبود، الدوالي…). وللتذكير فقانون الجمعيات بالمنطقة الخليفية، الخاضعة للحماية الإسبانية، لم يكن يفرض وجود إسباني كشرط لتأسيس جمعية أو حزب أو صحيفة للمغاربة عكس ما كانت تمارس السلطات الفرنسية في المنطقة السلطانية.
من هنا يتضح أنه لا يوجد هناك شيء اسمه المسار الواحد للفريق سواء أسسه المغاربة أو الإسبان أو الاندماج في العشرينات من القرن الماضي كما بعد رحيل نادي أتلتيكو تطوان سنة 1956.
مع استقلال البلاد تأسست الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وبدأ الاستعداد لتنظيم بطولة جديدة من تسيير الجامعة الجديدة. كانت تطوان تعرف وقتها وجود فريق مهيكل ألا وهو الرابطة الرياضية التطوانية، لكن فئات أخرى من التطوانيين ارتأت إحياء اسم المُغرب التطواني لما كان يرمز إليه بالنسبة للعديد من سكان المنطقة من ملحمة شبابية استيقظ خلالها جزء من الشباب التطواني في أواخر العشرينات للتماهي مع العصر من منطلقات مغربية خالصة (ولا أقول وطنية كي لا أعكر مزاج من يقول “الوطنيين دبطاطا”) ضمن حركة نهضة شاملة لعدة مجالات أخرى من حياة المجتمع التطواني أعطت لتطوان ريادة على عدة مستويات (مدارس عصرية ومطابع وصحف).
تم، إذن تجميع العديد من اللاعبين المغاربة المتواجدين بالمدينة والمنطقة وتمت إعادة تأسيس فريق المُغرب التطواني مع مطلع شهر يونيو 1956 وذلك بموازاة مع وجود نادي أتلتيكو تطوان الإسباني الذي لم يقرر مصيره بعد وكان محتفظا بكل طاقمه في انتظار إيجاد مخرج له. وكما ذكرنا ذلك، فلقد أظهرت كل من الجريدتين الإسبانيتين “أ.بي.سي” الصادرة من مدريد بتاريخ 9 يونيو 1956 و”أفريكا ديبورتيفا” الصادرة من تطوان بتاريخ فاتح أكتوبر 1956، بأن الأمر يتعلق بإعادة إحياء فريق قديم ومعروف ألا وهو المغرب الرياضي التطواني، وبالتالي فلا وجود لشيء اسمه الاندماج بين الفريقين.
وفي فاتح شهر يوليوز1956، وكما رأينا ذلك، خص الفريق التطواني المغربي نظيره التطواني الإسباني بمقابلة تكريمية لتوديعه وشكره على ما قدمه للمدينة وجرت المقابلة أمام جمهور غفير وانتهت بنتيجة التعادل 2-2. تفاصيل هذه المباراة توجد في يومية “الأمة” المغربية الصادرة من تطوان في عددها رقم 875.
لعب فريق المُغرب بتشكيلة محلية معززة بحسن أقصبي المحترف بفرنسا، وعبد الله “مالقا” المحترف بإسبانيا والمكي من سبتة. ويلاحظ هنا غياب تام للعناصر الإسبانية التي كان مصيرها مرتبطا بمصير نادي أتلتيكو تطوان الذي لم يحسم بعد.
المكتب الأول الذي أعاد إحياء المُغرب التطواني عبر تأسيسه من جديد جاء على النحو التالي:
الرئيس: أحمد الفيلالي ونائبه: أحمد الظريف، الأمين: الحاج العربي بوشتة؛ المحاسب: العياشي شقور؛ الكاتب العام: محمد العلوي؛ نائب الكاتب العام: عبد الله الكرماز – المستشارون: عبد السلام الخمسي؛ سلام بوزيان؛ الحاج عبد القادر بن عجيبة؛ أحمد برقاد؛ مصطفى المكناسي؛ محمد عياش؛ عبد السلام الورياغلي؛ كريمو الدهري.
من هنا يتضح أنه لا وجود لأي عنصر من مكتب نادي أتلتيكو تطوان عند إعادة تأسيس فريق المُغرب الرياضي التطواني في يونيو 1956.
بعد ذلك بمدة (أي في أكتوبر 1956) ورغبة من السلطات المحلية في دعم الفريق ماديا تم تجديد المكتب وتدعيمه بشخصيات محلية من رجال الأعمال فانضم إليه، ولمدة وجيزة، كل من التطوانيين بنعبود وبنعيم كفعاليات شخصية من المدينة (وكانا عضوين في آخر مكتب لنادي أتلتيكو تطوان)، وأضيف لهما التطواني اليهودي ألبرطو كورسياس بوطبول ومانويل ريوس من مكتب سابق للأتلتيكو (مكتب 1951) إضافة لإسباني آخر إيميليو بيريس فرانكو، لكن التحاقهم بالمكتب لم يضف شيئا للفريق وظل المرحوم الفيلالي يصارع لوحده سنوات طويلة قبل الاستسلام في منتصف موسم 63-1962.
المُغرب الرياضي التطواني كما سمي عند انطلاقته الجديدة (وكانت الصحافة الإسبانية الصادرة من تطوان تسميه آنذاك Moghreb Riadi de Tetuán) كان يلعب، كما قلنا في بداياته باللونين الأخضر والأحمر وبشعار مخالف لشعار نادي أتلتيكو تطوان الإسباني.
أما المقر الأول للنادي فلقد تركه الرئيس السابق لنادي الأتلتيكو خوليو باريس الأب، رجل الأعمال الإسباني التطواني المتعاطف مع مدينته رهن إشارة فريق المدينة المغربي لمدة. فخوليو باريس كغيره من الإسبان الذين ولدوا بتطوان يعشقون مدينتهم مسقط رأسهم (في التسعينات من القرن الماضي كانوا يحجون بالمئات لزيارة تطوان في وفود إعادة الصلة بالمدينة في مناظر مؤثرة)، ومن يزور متحف نادي ريال مدريد، في ملعب “سانتياغو برنابيو”، مثلا، سيجد صورة الراية المغربية بجانب لاعبين كراية لمسقط رأسهما، أحدهما هو الدولي خوصي لويس بينادو، ابن باريو مالقا، والثاني من مواليد العرائش.
بعد هذا المقر الأول الذي قضى فيه المُغرب التطواني فترة من الزمن، سيتجول الفريق عبر عدة مقرات وصولا إلى المقر الحالي بين أحضان “لامبيكا”.
الجامعة المغربية لكرة القدم حديثة العهد دشنت عملها بظلم كبير تعرض له الشمال، عموما، والذي كان يعج باللاعبين ويتوفر على فرق مهيكلة كثيرة وتقليد كروي وجمهور ذواق وملعبين معشوشبين من الطراز الجيد وقتها.
هذا الظلم تجلى في تخصيص مقعد واحد في القسم الأول ومثله في الثاني، لفرق الشمال بعد تصفيات متعبة، وهو ما جعل العديد من الفرق الطنجاوية ترفض الأمر وتقاطع التصفيات، فريق المُغرب التطواني كسب الرهان بعد صراع ملحمي ضد الرابطة التطوانية ثم مقابلة نهائية سهلة نسبيا ضد أطلس طنجة.
بعد رفض بقاء نادي أتلتيكو تطوان بالمغرب، لكونه محترفا وينتمي لبطولة أجنبية، انتقل أفضل اللاعبين المحترفين لسبتة إثر الاندماج مع فريقها، وبقي العديد من اللاعبين الإسبان الشبان والهواة الذين تم تسريحهم، وهم من مواليد تطوان غالبا، لمدة في المدينة وقد التحق العديد منهم بالرابطة الرياضية التطوانية وبالمُغرب التطواني، وحين فشلت الرابطة في الفوز بمقعد بالقسم الأول، التحق أجود لاعبيها المغاربة والإسبان بالمُغرب التطواني.
عزز المُغرب التطواني صفوفه بلاعبي الأتلتيكو التاليين الذين بقوا بتطوان والتحقوا مباشرة بالفريق:
Monti ; Carreras ; Surribas ; Giner ; Maciste ; Sevilla
وكلهم كانوا من اللاعبين الاحتياطيين في نادي أتلتيكو تطوان قبل حله بحيث لم يتجاوز عدد مشاركة أفضلهم 8 مقابلات من أصل 30 مباراة. وقد استعمل المُغرب التطواني 35 لاعبا إسبانيا في موسمه الأول 57-1956 (مقابل 17 لاعبا مغربيا) إذ كان الفريق يحظى بتسهيلات خاصة في الانتدابات من طرف الجامعة المغربية (مثله مثل فريق أطلس طنجة في القسم الثاني) وذلك بالنظر لخصوصيات المنطقة، وكان بعض اللاعبين يمرون مرور الكرام من المُغرب التطواني ليلتحقوا بفرق إسبانية بدون إشعار ولا ترخيص بالنظر لغياب اتفاقيات تمنع ذلك ما بين البلدين وقتها.
اللاعبون الإسبان أتوا من إسبانيول تطوان، الفريق الرديف لأتلتيكو تطوان، والذي تم تسريح لاعبيه كما رأينا ذلك مع قرار حل الأتلتيكو، هذا إضافة إلى لاعبي الرابطة الذين التحقوا بالمُغرب بمجرد ما تأكد تأهيل المُغرب للعب في القسم الأول بعد نهاية تصفيات البطولة، بل تم تسجيل حالتين للاعبين إسبانيين مسجلين بداية كهواة مع المُغرب التطواني غير أنهما كان يلعبان مع أتلتيكو سبتة حين يلعب الفريق التطواني خارج ملعبه في إطار البطولة المغربية ويستقبل الفريق السبتي بسبتة في إطار القسم الثاني من الليغا (Sevilla وNoni).
وطبعا إشراك الأجانب في البطولة المغربية آنذاك لم يكن حكرا على المُغرب التطواني بل جل الفرق المشاركة في انطلاقة البطولة المغربية الجديدة كانت تعج باللاعبين الفرنسيين، بما فيها الوداد (Gomez وMayet) والفتح(Tito- Campoy- Hernandez) وسطاد الرباطي والاتحاد الرياضي المغربي “اليوسام” (أكثر من 6 عناصر) وفريق الصخور السوداء البيضاوي (11 لاعبا من أصول أجنبية).
من كل هذا يتضح خواء فكرة “الاندماج” و”الاستمرارية” التي يتذرع بها البعض لتبرير “مئوية” مزيفة من حيث التاريخ ومن حيث الهيكلة؟ فلقد وقفنا على كون تاريخ 1922 لا يوجد سوى في مخيلة صانعيه، وقد “صنع” أيام المكتب السابق بدون الاعتماد على ذوي الاختصاص أو تكليف مديريته في الإعلام بالبحث في الأمر وقد كانت المراجع موجودة وقتها: كتاب العارضة للبزيوي سنة 1994 وكتاب خوليو باريس الابن سنة 1997 وكتب الباحث ذ. أحمد امغارة سنة 2006 وكتاب ذ. الزبير بن الأمين سنة 2012. وهي كتب وضعها أشخاص لهم دراية بالبحث والغوص في الأرشيف، ثم الصحف الإسبانية والمغربية الصادرة بتطوان في تلك الحقبة.
هكذا أطلقت خرافة 1922 وانتشرت لدى بعض أوساط مناصري الفريق وتم ملء المواقع الإلكترونية بهذه المزحة وتم توريط (الفيفا) والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في هذه الفذلكة وأصبح صانعو الكذبة يستندون على هذه المواقع والفيفا والجامعة لتأكيد ميلاد الفريق (أيهما؟) سنة 1922، واعتبار أن الأتلتيك هو “الشروق” و”الاتحاد” والمُغرب ثم الأتلتيك ثم المُغرب بعد الاستقلال.
إنها فعلا مزحة ثقيلة، تنسب الفريق التطواني المغربي النشأة إلى فريق إسباني محترف، مثل المدينة، لكنه كان عابرا فرحل مع استقلال البلاد. طبعا أحب التطوانيون المغاربة فريق نادي أتلتيكو تطوان، ولو استمر في الوجود واللعب في الليغا ولو باسم أتلتيكو سبتة لظلوا متعلقين به لأنه جزء من تاريخ المدينة المعاصر وإحدى خصوصياتها. كما يحب التطوانيون الآن أندبة ريال مدريد وبرشلونة وديبورتيفو لاكورنيا، لكن هذا لا يعني أنه استمرار للمُغرب التطواني أو أن المُغرب استمرار له.
ذاك فريق إسباني نشأ في المدينة ومثلها في حقبة ما، وانتهى أمره إلا من ذكرى كانت تستحق أن يقام لها متحف في دهاليز الملعب مع صور للاعبين ونبذة عن مسيرة الفريق، وهذا الفريق هو المُغرب التطواني من دمنا ولحمنا فريق مثل ضعفنا وقوتنا، فريق يمكن أن يقال عنه بأنه “أكثر من فريق” لأنه تماهى مع خصوصيات المنطقة منذ نشأته المبكرة بتعبيره عن رغبة شبان مغاربة في مواكبة عصرهم بقدراتهم الذاتية، وخصوصا منذ إعادة إحيائه سنة 1956. وقد شرحت كيف ذلك بالتفصيل في كتابي، الذي عمل البعض بشكل واع على مقاطعته رغم توفره على معطيات رقمية لم يسبق جمعها في مؤلف واحد ولا يمتلكها حتى الفريق بنفسه.
نحب تطوان كما هي ولا نرغب في أن يمس أحد الكنسية (رغم كون اسمها يحيل على ذكرى سوداء بالنسبة لأجدادنا ألا وهي ذكرى احتلال تطوان سنة 1861 وما صاحبه من مجازر) بل إننا نتمسك باسم “بلاسا بريمو” حتى وهو يحيل على الفاشيستي الإسباني بريمو دي ريفبرا، ونتمسك بمسرح إسبانيول وبسينما ابنيدا والبلاسا وشانتي، وتألمنا لضياع الطرولي والفدان، لكن لا أحد من سكان تطوان يقول بأننا من بنينا تلك المعالم.
ولو كان المُغرب التطواني امتدادا فعليا لنادي أتلتيكو تطوان لافتخرنا بذلك حتى ولو كان النادي من تأسيس الإسبان فلا مشكلة في ذلك، فكرة القدم أدخلها الإنجليز لجل بلدان العالم وتبنتها هذه البلدان بدون أدنى حرج.
وفي شمال المغرب أدخلها الإسبان لتطوان والإنجليز لطنجة ولو تركوا فرقا قائمة بها كامتداد تاريخي لوجودهم لكان أمرا عاديا، لكن نادي أتلتيكو تطوان اندمج مع نادي سبتة ليعطي أتلتيكو سبتة وإسبانيا طنجة اندمج مع ناد من الجزيرة الخضراء، هذا ما يقوله التاريخ الفعلي، أما الباقي مما يروج فهو مجرد “ثرثرة” كروية فارغة وكذب على النفس والناس.
هناك من يقول بأن “المُغرب التطواني” امتداد “معنوي” لنادي أتلتيكو تطوان الإسباني، لكن هل هناك انتساب معنوي أفضل من الانتساب المعنوي لفريق الأجداد الذي خلق من لا شيء سوى من رغبة مجموعة من الشباب المغاربة في نهاية العشرينات تحذوهم روح وطنية في إظهار حق شعبهم في امتلاك طاقات الانعتاق من الحماية (أو الاستعمار المقنع)؟ هؤلاء الشباب قاوموا في مجالهم الشبابي لإثبات الذات المغربية واستطاعوا في فترة وجيزة الوقوف الند للند في وجه الصيغة الأولى من كرة القدم الإسبانية بتطوان. طبعا لم يستطيعوا مقاومة التقدم الكروي الإسباني هنا لأنه انتقل إلى الاحتراف وحظي بدعم السلطات الإسبانية وبدعم رجال الأعمال الإسبان.
في مدينة طنجة استطاع فريق المغرب الأقصى (مُغرب طنجة) الذي أسس سنة 1919، الوصول إلى مستوى القسم الثالث من الليغا في بداية الخمسينات قبل أن ينسحب من الساحة، وفي المنطقة السلطانية كان الوضع مختلفا حيث استطاع فريق الوداد المغربي الوطني مقارعة باقي الأندية الفرنسية الممارسة ضمن البطولة المغربية وقتها لأنها بطولة هواة وكان الوداد يحظى بدعم كل المغاربة في تلك المنطقة أينما حل وارتحل.
وحتى لو افترضنا أن هناك من يتشبث بهذا الانتساب “المعنوي” لفريق إسباني من باب “ولو طارت معزة”، فإن الانتساب “المعنوي” لا يعطيك الحق في نكران تاريخ فريق المُغرب التطواني و”قرصنة” تاريخ فريق آخر إسباني له ورثة شرعيون بسبتة وله “ألقاب” تحسب ضمن بطولة الليغا الإسبانية. زيادة على أن الانتساب “المعنوي” أو “العملي” لا يعطي لأحد الحق في اختراع تاريخ لميلاد الفريق لا هو بتاريخ ميلاد المُغرب التطواني ولا هو بتاريخ ميلاد نادي أتلتيكو تطوان الإسباني.
تبقى ذكرى الكرة الرفيعة التي احتضنها الملعب قبل الاستقلال، والتقليد الكروي المتمثل في أسلوب اللعب (تقنيات وسرعة) والشغف الجماهيري بالكرة، وملعب مر منه كوبالا وبنمبارك وشيشا ورماييط وصارا… وربما هذا ما يفسر تبني اللونين الأحمر والأبيض مع بداية الستينات وتغيير شعار الفريق في مطلع السبعينات (في ظروف غامضة).
ويبقى المُغرب التطواني منا وإلينا كخير معبر عن أسلوب العيش التطواني عبر كل الحقب التي مر منها، ولا ضرر في أن يكون مؤسسيه ممن كانوا يرتدون القندريسة والجلاليب والطواقي، فقد خلعوها فيما بعد في فورة شبابية أدخلت الإنسان المغربي بمنطقه وطاقاته للقرن العشرين.
< تطوان : عبد العزيز الطريبق