من أجل البقاء في مستوى أقل من درجتين مئويتين من الاحترار العالمي في نهاية القرن الحالي، على النحو المنصوص عليه في اتفاق باريس بشأن المناخ، يجب أن تنخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية بنسبة 30٪ مقارنة بمستواها في عام 2019 حتى عام 2030، الأمر الذي سيتطلب مضاعفة الجهود بمقدار ثلاثة أضعاف، أي 75٪ بحلول عام 2040، للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية في أفق 2050، وتؤكد باتريشيا إسبينوزا أنه: “لا توجد وسيلة عند 1.5 درجة مئوية بدون مجموعة العشرين”. وفي خطابها إلى وزراء الطاقة والبيئة في قمة مجموعة العشرين في نابولي بإيطاليا دعت الأمينة التنفيذية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ باتريشيا إسبينوزا الدول إلى توفير القيادة اللازمة لتحقيق الهدف المركزي لاتفاقية باريس بشأن تغير المناخ وهو الحفاظ على الزيادة العالمية في متوسط درجة الحرارة أقرب ما يمكن إلى 1.5 درجة مئوية، وذلك لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ على كوكب الأرض والتي تشمل حالات الجفاف والفيضانات والحرائق المتكررة والشديدة بشكل متزايد، من النوع الذي يشهده العالم الآن، وأشار خبراء هيئة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ إلى أن مجموعة العشرين تأسست استجابة للأزمة المالية لعام 2008 بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي والنمو المستدام بينما تمثل مجموعة العشرين 80٪ من جميع الانبعاثات العالمية، حيث لا توجد وسيلة للوصول إلى 1.5 درجة مئوية بدون مجموعة العشرين “. وأضافت سبينوزا أن تغير المناخ بدون استثناء يضر بهذا الهدف، وأنه من مصلحة جميع دول مجموعة العشرين تسخير تنوعها الجماعي لتحقيق التوافق والعمل بشكل موحد لمواجهة أهم التحديات التي تقف في طريق هذا الهدف.
من بين حوالي مائتي دولة عضو في الاتفاقية الاطار لتغير المناخ قدمت 97 دولة فقط مساهمات محينة محددة وطنيا وهي خطط عمل مناخية وطنية بموجب اتفاقية باريس أي أقل من نصف جميع الدول الموقعة على اتفاقية باريس. بينما دعت باتريشيا إسبينوزا دول مجموعة العشرين لإظهار القيادة من خلال تقديم مساهمات وطنية أكثر طموحا وقائمة على أسس علمية، وذكرت البلدان المتقدمة بالتزامها بتعبئة 100 مليار دولار سنويا للبلدان النامية بحلول عام 2020 وهو التزام تم التعهد به كجزء من عملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ منذ أكثر من عشر سنوات: “حان وقت التسليم، كيف يمكننا أن نتوقع من الدول
تقديم التزامات أكثر طموحا بشأن المناخ غدا إذا لم يتم الوفاء بالتزامات اليوم. وأكدت إسبينوزا أن الموارد اللازمة للتكيف وبناء القدرة على الصمود ضرورية للغالبية العظمى من البلدان النامية، لهذا السبب يجب تخصيص 50٪ من إجمالي حصة تمويل المناخ للتكيف والقدرة على الصمود، ودعت الدول والشركات إلى مواءمة محافظها وأنشطتها مع أهداف اتفاقية باريس.
وفيما يتعلق بمؤتمر الأمم المتحدة المقبل لتغير المناخ COP26 المقرر عقده في شهر نونبر 2021، حث رئيس الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ الحكومات على التوصل إلى توافق في الآراء في المجالات التي لا تزال فيها الاختلافات قائمة بما في ذلك المادة السادسة من اتفاق باريس والمتعلقة بأسواق الكربون وشفافية العمل المناخي وبناء القدرات من أجل تنمية البلدان، حيث يجب حل كل من هذه القضايا من أجل التنفيذ الكامل لاتفاق باريس، مضيفة: “لقد عملنا على تنفيذ الاتفاقية خلال السنوات الخمس الماضية، نفذ الوقت لذا أطلب منكم الحضور إلى COP26 عازمين على النجاح “.
بالإضافة إلى تفعيل اتفاق باريس، تجدر الإشارة إلى الحجم الهائل من الاستثمارات التي سيتعين على الدول والحكومات ضخها في الاقتصاد العالمي للبقاء على المسار الصحيح لانبعاثات صافي ثاني أوكسيد الكربون في أفق 2050. فوفقا لـتوقعات “تقرير الطاقة الجديدة 2021″، وهو أحدث تقرير عن آفاق جديدة للطاقة نشره الأسبوع الماضي المكتب الدولي للتحليل والتنبؤ المخصص لـتمويل المناخ، لا بد من ضخ ما بين 92000 و 17300 مليار دولار ، وهي مبالغ جد كبيرة تم تقديرها من قبل الخبراء الذين أعدوا السيناريوهات الثلاثة: الأخضر والأحمر والرمادي، سناريوهات تتوقع أن تصبح الحصة المستقبلية للوقود الأحفوري من الانبعاثات إلى الصفر، وتغطي توقعات الخبراء النفقات التي يتعين بذلها لتطوير إنتاج الطاقات الخضراء والبنى التحتية ذات الصلة، في نفس الوقت الذي يتم فيه التحويل لصالح رأس المال الذي يتم تعبئته حاليا بواسطة الوقود الأحفوري، هذا هو الطريق الذي يجب اتباعه لتحقيق إزالة الكربون عن الأنشطة البشرية حتى ولو كان هذا “غير مؤكد” بحسب التقرير.
ولتتبع هذا المسار بدأ الخبراء بـميزانية الكربون لظاهرة الاحتباس الحراري بمقدار 1.75 درجة حيث لا يمكن الحفاظ عليها إلا إذا انخفضت الانبعاثات بالفعل بنسبة 3.2٪ ، وليس أقل كل عام حتى عام 2030، ومع ذلك فإن الاتجاه الذي لوحظ في السنوات الأخيرة هو عكس ذلك إلى حد كبير: بين عامي 2015 و 2020 زادت انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 0.9٪ في المتوسط، وهذا يعني أنه من الضروري العمل بجهد مضاعف لإيقاف هذا التطور، من 1700 مليار دولار حاليا يجب أن يتراوح جهد الاستثمار السنوي بين 3100 و 5800 مليار في المتوسط على مدار الثلاثين عاما القادمة وفقا للتقرير.
ومن بين القطاعات المعنية فإن قطاع الطاقة يبقى المسؤول عن أكبر جهد حيث يجب أن تنخفض انبعاثات القطاع الطاقي التي تمثل ثلث انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية بنسبة 57 و 89٪ على التوالي بين الآن وعام 2030 و 2040، إنه تحد لا يمكن تحمله ما لم تكن هناك زيادة كبيرة في القدرات الإنتاجية في الطاقات المتجددة، حيث بحلول عام 2030 سيكون من الضروري توفير 505 جيغاوات إضافية من طاقة الرياح كل عام أي 5.2 مرة أكثر من عام 2020، ومن المحتمل أيضا أن يتم نشر 245 جيغاوات/ساعة في البطاريات (26 مرة أكثر من اليوم) لتشغيل 35 مليون سيارة كهربائية جديدة سيتم تداولها سنويا دائما بحلول عام 2030، لأن قطاع النقل يعتبر القطاع الثاني الأكثر تأثيرا على المناخ وبالتالي يجب أن تنخفض انبعاثات الغازات الدفيئة التي مصدرها حركة المرور على الطرق بنسبة 11٪ بحلول عام 2030 في فق أن تنخفض بنسبة 80٪ في عام 2040.
إن التطوير المتسارع لإعادة تدوير المعادن والألمنيوم والبلاستيك سيؤدي إلى توفير 2 ٪ من كل الكربون المنطلق في الغلاف الجوي، ولكن بشرط مطلق أن تزداد الأحجام المعاد استخدامها من هذه المواد بشكل كبير جدا: 67٪ للألمنيوم و 44 للصلب و 149٪ للبلاستيك. بينما يمكن تجنب 0.5٪ و 2٪ من الانبعاثات على التوالي عن طريق زيادة الإنفاق على كفاءة الطاقة في المباني وزيادة حصة الوقود الحيوي في القطاعين الجوي والبحري حيث من المرتقب أن تصل حصة هذه الأنواع من الوقود إلى 18٪ بحلول عام 2030.
تطرف المناخ واتفاق باريس التاريخي
تعرضت مجموعة من دول العالم لكميات كبيرة من التساقطات المطرية في ظرف زمني جد قصير ، وفي مقدمتها الصين والهند، البلدان الأكثر تلويثا لكوكب الارض، ومنها دول القارة العجوز التي تلقت أمطارا بكميات تاريخية خلال يومي 14 و15 يوليوز أي ما يعادل مجموع تساقطات ما يقارب شهرين من الأمطار، فعلى تربة قريبة بالفعل من التشبع، كان المتر الأول من التربة مشبعا تماما أو أعلى بكثير من سعة الحقل بعد هطول أمطار غزيرة في المناطق الأكثر تضررا في بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وألمانيا، ومن حيث الخسائر البشرية كانت ألمانيا وبلجيكا أكثر الدول تضررا من الفيضانات في أوروبا، حيث أن ما لا يقل عن مائة شخص لقوا مصرعهم والعديد من المفقودين، حوصر الناس أو جرفتهم المياه، وأظهرت صور المنازل المنهارة والانهيارات الأرضية قوة المياه المتدفقة، وكانت ولاية راينلاند بفالز الألمانية واحدة من أكثر المناطق تضررا مع انهيار المنازل والفيضانات المفاجئة على نطاق واسع. إنها بالفعل كارثة حقيقية حملت معها قتلى ومفقودون والكثير منهم ما زالوا في خطر، وفي جميع البلدان المتضررة أصدرت خدمات الأرصاد الجوية والهيدرولوجيا الوطنية تحذيرات عديدة بما في ذلك تنبيهات حمراء عالية المستوى لتحذير الناس من الخطر القاتل، بينما كان هذا الوضع بسبب نظام طقس منخفض الضغط شبه ثابت والذي رسخ نفسه فوق ألمانيا، كما تضررت بشدة النمسا ولوكسمبورغ وهولندا وسويسرا وأجزاء من شمال شرق فرنسا وتركيا، وعلى سبيل المثال في سويسرا وصفت منظمة الأرصاد الجوية السويسرية ارتفاع مستويات المياه بالحرجة، حيث بلغ مستوى التحذير العلوي من الفيضانات المستوى الخامس في بحيرات بيل وتون وبحيرة فيرفالدستاتيرسي والمستوى الرابع لبحيرة برينز والراين بالقرب من بازل وبحيرة زيوريخ، وشلت الفيضانات المفاجئة شبكة النقل في العاصمة لندن يوم 12 يوليوز بعد تساقطات مطرية غزيرة قدرت بحوالي 70 ملم في وقت وجيز على منطقة حضرية مكتظة بالسكان.
احترار عالمي تاريخي
إن الصلة بين هذه الاضطرابات الواسعة النطاق لموسم الصيف 2021 واحترار القطب الشمالي وتراكم الحرارة في المحيط يحتاج إلى التحقيق، فارتفاع درجات الحرارة غرب كندا والولايات المتحدة الأمريكية ربطها باحثون من المختبرات الرائدة في العالم التي تعمل في مجال المناخ بينها وبينها التغيرات المناخية حيث أن
سجلات درجات الحرارة المسجلة في الأسبوع الأخير من يونيو 2021 في كندا لم تكن لتحدث لولا زيادة مستويات غازات الاحتباس الحراري التي يتسبب فيها الإنسان في الغلاف الجوي فقد شهدت مدينة فانكوفر في كندا موجة ضباب من الحرارة يوم 29 يونيو 2021.
بعد أسبوع فقط من موجة الحر الهائلة التي ضربت كولومبيا البريطانية في غرب كندا وشمال غرب الولايات المتحدة بالكامل خرج 27 عالما من منظمات أبحاث مناخية رائدة من بين جامعات برينستون وكولومبيا وكورنيل وبيركلي وواشنطن في الولايات المتحدة وكولومبيا البريطانية في كندا والمعهد الملكي للأرصاد الجوية بهولندا وأكسفورد للمملكة المتحدة ومعهد بيير سيمون لابلاس لفرنسا خرجوا جميعهم بتحليل سريع للروابط بين هذه الأرصاد الجوية المتطرفة الحدث وتغير المناخ الحالي، وكانت النتيجة التي توصلوا إليها واضحة: لم تكن مثل هذه الحادثة شديدة لولا زيادة درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.2 درجة مئوية منذ بداية العصر الصناعي.
وابتداء من 27 يونيو 2021 عانى الساحل الغربي لكندا والشمال الغربي للولايات المتحدة من حرارة شديدة لم تشهدها المنطقة في الذاكرة الحية، تم تسجيل 49.6 درجة مئوية في 29 يونيو عند سفح سلسلة جبال روكي، وهذا أعلى بنحو 5 درجات مئوية من الرقم القياسي الكندي السابق البالغ 45 درجة مئوية المسجل في عام 1937، وهو أيضا أعلى مستوى على الإطلاق لمحطة فوق خط عرض 50 درجة شمالا فالقيم التي لوحظت في أماكن أخرى في كولومبيا البريطانية تتجاوز 40 درجة مئوية أعلى بـ 20 درجة من متوسط درجات الحرارة الموسمية وأعلى بكثير من العتبة الرمزية لأمريكا الشمالية البالغة 38 درجة مئوية ويرجع هذا الحدث إلى اقتران ظاهرتين مختلفتين، ثم حصر الحرارة المتزايدة من المكسيك بواسطة نظام ضغط عال قوي مكونا فقاعة من الهواء الساخن على علو شاهق، تشكلت “قبة حرارية” حولت المنخفضات من المحيط الهادئ لعدة أيام باتجاه القطب الشمالي.
المغرب.. طموح متواصل
على بعد أقل من مائة يوم من تاريخ عقد قمة المناخ في نسختها السادسة والعشرين المرتقبة بغلاسكو الاسكتلندية رفعت معظم الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الاطار بشأن تغير المناخ سقف طموحها الفردي لتقليل انبعاث غازات الاحتباس الحراري، إلا أن التأثير المشترك يضعها على طريق خفض الانبعاثات بنسبة 1% فقط مع حلول عام 2030 مقارنة بمستويات 2010، وحسب آخر تقرير أممي فإن المستويات الحالية للطموح المناخي للدول هي بعيدة كل البعد عن وضع العالم على مسار يلبي أهداف اتفاق باريس. وقد ألحت باتريسيا إسبينوزا الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي على اتخاذ القرارات الآن لتسريع وتوسيع نطاق العمل المناخي في كل مكان في أفق أن يكون المؤتمر السادس والعشرون لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ اللحظة التي تسير فيها دول العالم على الطريق الصحيح نحو عالم أخضر ونظيف، بينما اعتبر الأمين العام لهيئة لأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن هذا التقرير هو تحذير لكوكبنا، ويظهر أن الحكومات ليست قريبة من مستوى الطموح المطلوب للحد من تغير المناخ إلى 1.5 درجة مئوية وتحقيق أهداف اتـفاق باريس معتبرا أن عام 2021 سيكون عاما حاسما لمواجهة حالة الطوارئ المناخية العالمية مضيفا: “العلم واضح: للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، يجب أن تنخفض الانبعاثات العالمية بنسبة 45% بحلول عام 2030 عن مستويات 2010”.
وفي هذا الإطار وتثمينا للجهود التي بذلها المغرب لتحديث مساهمته المحددة وطنيا مع الرفع من مستوى الطموح لتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وإدماج تعزيز التكيف وتقوية القدرة على الصمود للقطاعات الأكثر هشاشة حقق المغرب تقدما مهما في تحيين وتحديث مساهماته المحددة وطنيا التي تنص على تخفيض إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45.5 في المائة بحلول عام 2030 مقارنة بسيناريو العمل العادي وذلك من أجل الوفاء بالتزاماته بموجب اتفاق باريس، فهي مساهمة طموحة لأنها تستهدف تخفيض إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45.5 في المائة في أفق 2030 منها 18.3 في المائة غير مشروطة تندرج في إطار أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها المملكة وتأتي مراجعة هذه المساهمة وتحيينها من أجل الوفاء بالالتزامات التي تعهد بها المغرب بموجب اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، هذه المساهمات المحددة وطنيا بالنسبة للمغرب التي تم إعدادها في إطار مقاربة تشاركية ترتكز على التخفيف والتكيف، مع إشراك القطاع الخاص في تحقيق أهداف تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، خصوصا وأن المغرب ينفذ اليوم سياسات وبرامج وطنية من أجل الحد من انبعاثاته الوطنية والتكيف مع آثار التغيرات المناخية، وسيرتفع طموح مساهمات المغرب في تخفيف انبعاث الغازات الدفيئة في إطار الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ.
وكان المغرب قد التزم قبيل تنظيم مؤتمر المناخ بمراكش سنة 2016 في نسخته الثانية والعشرون بخفض انبعاثاته في أفق 2030 بنسبة 42 في المائة منها 17 في المائة غير مشروطة بدعم إضافي دولي. وتتضمن المساهمة المحددة وطنيا المحينة بالنسبة للمغرب الأهداف الاستراتيجية للتكيف بالنسبة للنظم الايكولوجية الهشة: الساحلية الواحات والنظم الايكولوجية الغابوية والجبلية.
مناخ متطرف وصيف الفيضانات والحرائق
تسببت الأمطار الغزيرة في أغرب أوربا حدوث فيضانات مدمرة تسببت في سقوط عشرات الضحايا. وتشهد أجزاء من الدول الاسكندنافية موجة حرارة دائمة. وقد أثرت أعمدة الدخان القادمة من سيبيريا على جودة الهواء عبر خط التاريخ الدولي في ألاسكا، كما تسببت درجات الحرارة غير المسبوقة في غرب أمريكا الشمالية في اندلاع حرائق غابات مدمرة. وبينما أظهرت دراسات الإسناد السريعة الصلة الواضحة بين تغير المناخ بفعل الإنسان في موجات الحر غير المسبوقة المسجلة في غرب الولايات المتحدة وكندا، أظهرت الأحوال الجوية في جميع أنحاء نصف الكرة الشمالي أنماطا غير عادية لموجات الكواكب هذا الصيف. وقد أدى هذا إلى جلب درجات حرارة غير مسبوقة وجفاف وظروف باردة ورطبة في أماكن مختلفة.
موجات حر لا تنتهي في صيف استثنائي
بينما عانت أوروبا الوسطى من فيضانات قاتلة كانت شمال أوروبا في قبضة موجة حر طويلة، ووفقا لصندوق النقد الدولي كان شهر يونيو في فنلندا هو الأكثر سخونة على الإطلاق، واستمرت الحرارة حتى شهر يوليوز حيث شهدت مدينة كوفولا أنجالا الواقعة في جنوب فنلندا 27 يوما متتاليا بدرجات حرارة أعلى من 25 درجة مئوية، كانت أطول موجة حرارة تشهدها فنلندا منذ عام 1961 على الأقل بينما في مدن أخرى فنلندية لم تنخفض درجة الحرارة عن 24.2 درجة مئوية، بينما سجل خليج فنلندا في بحر البلطيق ارتفاعا قياسيا حيث وصل إلى 26.6 درجة مئوية في 14 يوليوز الحالي وهو الأكثر دفئا منذ أن بدأت السجلات قبل 20 عاما،كما تضرر غرب الولايات المتحدة وكندا من الحرارة مع تحطيم العديد من الأرقام القياسية في أحدث موجة حر في جنوب غرب الولايات المتحدة. على سبيل المثال لاس فيغاس، ويعادل أعلى مستوى له على الإطلاق عند 47.2 درجة مئوية تماما مثل يوتا، بينما تم الابلاغ عن 54.4 درجة حرارية بوادي الموت في كاليفورنيا يوم 9 يوليوز 2021، وتؤدي ظروف الجفاف الشديد والوقود شديد الجفاف وموجات الحرارة إلى تأجيج اندلاع حرائق الغابات الشديدة هذا العام في غرب الولايات المتحدة، وكذلك في غرب ووسط كندا.
تغير المناخ أم تطرف المناخ
يعمل تغير المناخ بالفعل على زيادة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة وقد ثبت أن العديد من الأحداث المعزولة قد تفاقمت بسبب الاحترار العالمي، وكانت موجة الحر التي حطمت الرقم القياسي في أجزاء من الولايات المتحدة وكندا في نهاية يونيو مستحيلة فعليا بدون تأثير تغير المناخ من صنع الإنسان، وفقا لتحليل سريع للإسناد قام به فريق دولي من علماء المناخ البارزين. وأدى تغير المناخ الناجم عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى زيادة احتمالية حدوث موجة الحر 150 مرة على الأقل، ومع ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي فإنه يحتفظ بمزيد من الرطوبة مما يعني أنه سوف يمطر أكثر أثناء العواصف مما يزيد من مخاطر الفيضانات، وبالتزامن مع هطول الأمطار الغزيرة في لندن أصدر مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة دراسة جديدة تبحث في كيفية تأثر أحوال الطقس شديدة التأثير في المملكة المتحدة مثل الأيام شديدة الحرارة والأمطار الغزيرة والظروف شديدة البرودة على مستويات مختلفة من الاحتباس الحراري، دراسة أثبتت أنه كلما ارتفع مستوى الاحتباس الحراري زادت الزيادة المتوقعة في التكرار أو الشدة أو كليهما في الطقس الحار والجفاف والفيضانات في المملكة المتحدة، و يمكن أن تسبب هذه الأحداث الجوية شديدة التأثير اضطرابًا كبيرا في جميع أنحاء المملكة المتحدة، مما يؤثر على قطاعات مثل الرعاية الصحية والنقل والزراعة والطاقة، بينما يمكن أن يزداد عدد أيام هطول الأمطار الغزيرة شديدة التأثير في المملكة المتحدة مما يؤدي إلى تحذيرات الطقس القاسية بمقدار ثلاثة أيام في السنة.
ويذكر التقرير الخاص للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية الذي يسببه الإنسان قد تسبب بالفعل في العديد من التغييرات الملحوظة في نظام المناخ،حيث تم الكشف عن اتجاهات شدة وتواتر المناخ والطقس المتطرف على مدى فترات حدث فيها ما يقرب من 0.5 درجة مئوية من الاحترار العالمي، وتشمل التغييرات زيادات في درجات حرارة الأرض والمحيطات، فضلا عن زيادة تواتر موجات الحرارة في معظم مناطق اليابسة، بالإضافة إلى ذلك، هناك أدلة قوية على أن الاحترار العالمي الذي يسببه الإنسان قد أدى إلى زيادة تواتر وشدة و كمية أحداث هطول الأمطار الغزيرة على نطاق عالم، حيث تشير التقديرات إلى أن العديد من التغيرات المناخية الإقليمية تحدث حتى مع الاحترار العالمي الذي يصل إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بما في ذلك درجات الحرارة القصوى في العديد من المناطق وزيادة وتيرة هطول الأمطار في العديد من المناطق.
تحطيم الأرقام القياسية لدرجات الحرارة بالمغرب
يعيش المغرب هذه الايام على موجات حرارة متتالية الواحدة تلو الاخرى، حيث اتسمت حالة الأرصاد الجوية اعتبارا من الخميس 22 يوليوز وخلال يومي الجمعة والسبت 23/24 يوليوز 2021 بطقس حار يرجع سببه إلى ارتفاع كتلة الهواء الجاف والدافئ من الجنوب مما يتسبب في ارتفاع كبير في درجات الحرارة وتجاوز المعدل الشهري الطبيعي بمقدار 5 إلى 12 درجة مئوية، وكان يوم الجمعة الأكثر سخونة مع درجات حرارة استثنائية، ولم يتم قياسها مطلقا طوال الأشهر مجتمعة في مناطق معينة وهكذا تم كسر السجلات المطلقة لدرجات الحرارة القصوى في مدينة تازة، بينما كان المغرب مع موعد تحطيم ارقام قياسية خلال آخر موجة حر التي عاشتها معظم المدن المغربية أيام 9/10/11 يوليوز الجاري منها مدن إفران وخريبكة وسيدي سليمان وفاس ومكناس والعرائش وسطات وبني ملال ووجدة.
تغير مدار القمر ينبئ بفيضانات استثنائية
وفقا لوكالة ناسا، يعد تغير المناخ والتذبذب القمري مزيجا خطيرا للمدن الساحلية. ويقول علماء ناسا إن تذبذب مدار القمر سيؤدي إلى تفاقم الفيضانات البحرية بشكل كبير ابتداء من العقد المقبل، وأظهرت الأبحاث التي أجريت بالتعاون مع جامعة هاواي أن هذا التذبذب القمري سيؤدي إلى زيادة في عدد الفيضانات، مما سيعطل بشكل كبير الحياة اليومية ويلحق الضرر بالبنيات التحتية للمدن الساحلية، التي اعتادت على المزيد من الفيضانات، فعندما ستبدأ هذه الظاهرة يمكن أن تغمر المدن على الساحل فجأة ثلاث أو أربع مرات أكثر من اليوم وفقا للدراسة حيث يجزم العلماء أن هذه الكوارث المتكررة يمكن أن تشكل مشكلة حقيقية للبنية التحتية على السواحل حول العالم في ارتباط وثيق لكوكب الأرض بقمره الطبيعي.
إن التغيير في مدار القمر هو في الواقع دورة طبيعية تماما والتي كانت تحدث دائما وستستمر في الحدوث بعد فترة طويلة من اختفاء البشرية عن كوكب الارض، حيث يخلق مدار القمر فترات من المد والجزر العالية أو المنخفضة بمعدل حوالي 18.6 سنة، لكن هذه المرة يمكن أن تصبح الظاهرة أكثر خطورة بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر الناجم عن تأثيرات الاحتباس الحراري وانبعاثات غازات الدفيئة غير المنضبطة، لذلك عندما تبدأ الفترة التالية من ارتفاع المد والجزر في أوائل عام 2030 فمن المؤكد أن الفيضانات ستكون أسوأ بكثير وأطول وأكثر خطورة من أي وقت مضى، حيث أن المناطق المنخفضة بالقرب من مستوى سطح البحر ستكون مهددة بشكل متزايد بالفيضانات المتزايدة وسوف تزداد سوءا وسيستمر الجمع بين جاذبية القمر وارتفاع منسوب مياه البحر وتغير المناخ في تفاقم الفيضانات على السواحل حول العالم. ويقول مؤلف الدراسة الرئيسي والباحث في جامعة هاواي فيل طومسون إن: “التأثير التراكمي بمرور الوقت سيكون له تأثير”، وفي الوقت الذي تم تحطيم العشرات من سجلات درجات الحرارة بما في ذلك الرقم القياسي الكندي البالغ 49.6 درجة مئوية في ليتون ، كولومبيا البريطانية انتشرت في اليوم الموالي حرائق مدمرة جنت على ممتلكات معظم القرية، قال بريان مينونوس ، رئيس أبحاث كندا بجامعة شمال كولومبيا البريطانية إنه حتى على ارتفاعات 3000 متر كانت درجة الحرارة حوالي ست درجات فوق مستوى سطح البحر، وقال: “أكثر سخونة من أي شيء رأيناه”، ويعمل هو وعلماء آخرون على تحديد كمية ذوبان الأنهار الجليدية التي تسببها موجة الحرارة، فمعظم الأنهار الجليدية الجبلية في ألبرتا وكولومبيا البريطانية في حالة سيئة ويمكن أن تختفي بحلول نهاية القرن بسبب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتغير المناخ الناجم عن النشاط البشري كشف السيد مينونوس، بينما قدر جيفري كافانو الأستاذ المساعد في كلية العلوم بجامعة ألبرتا أن الجليد الذائب في حقل وابتا الجليدي خلال ما يسمى بـ “القبة الحرارية” في يونيو كان أكبر بثلاث مرات من المعتاد على مدى الـ12 عاما الماضية: “لأن الذوبان المتزايد خلال فترة القبة الحرارية قد أدى إلى ذوبان الجليد في العديد من الأماكن وكشف الجليد الجليدي”. وأوضح كافانو أن هذا غير معدل الذوبان لبقية الصيف، لذا فإن الذوبان سيزداد مقارنة بفصل الصيف العادي، على الرغم من أن درجات الحرارة طبيعية إلا أننا سنشهد المزيد من الذوبان في بقية الصيف أكثر مما كنا نتوقعه، وسيستمر هذا التأثير على الأقل حتى يتساقط الثلج ويغطي الأنهار الجليدية مرة أخرى.
وقال بريان مينونوس إن موجة الحر تتزامن مع الانقلاب الصيفي، عندما يتلقى نصف الكرة الشمالي “أقصى طاقة” من الشمس، فكأنها نوع من “اللكمة المزدوجة” حسب تعبيره. ويمثل الدخان الناتج عن مئات الحرائق المشتعلة في جميع أنحاء المقاطعة مشكلة إضافية مع تسريع فقدان الجليد. وأضاف مينونوس أن غطاء من الدخان يقلل من ضوء الشمس ولكنه يحبس أيضا الحرارة التي تزيد من ذوبان الجليد، وقال: “هذا موضوع بحث معقد بدأ الكثير من الناس في دراسته ومحاولة فهمه بشكل أفضل”، وأشار إلى أن معدل ذوبان الأنهار الجليدية لوحظ بشكل عام في أواخر يوليو وأغسطس. وأشار مينونوس إلى أن الأنهار الجليدية ستشهد بالتالي “موسم ذوبان أطول” إذا ظلت درجات الحرارة أعلى من المعدل الطبيعي، وقال “علماء الجليد قلقون في أي وقت تحصل فيه على ظروف تستمر في الذوبان لفترات طويلة من الزمن”.