“المناعة الفطرية” تجعل الصغار أكثر مقاومة لكورونا

قدم خبراء الصحة منذ تفشي وباء كورونا العديد من النظريات لشرح السبب في كون أجهزة المناعة لدى الأطفال قادرة على منع جميع الفايروسات التاجية، بما فيها فايروس كورونا، من دخول الخلايا، بالمقارنة مع البالغين الذين يتأثرون بالفايروس بشدة.
ويعتقد البعض من العلماء أن الأطفال كانوا أقل عرضة للإصابة بالفايروس بسبب إغلاق المدارس وإجراءات الحجر الصحي، بينما يفترض البعض الآخر أن الأطفال لا يحملون الجزيء الذي يسهل العدوى عن طريق ربط الفايروس بالخلية المضيفة.
غير أن دراسة جديدة قدمت دليلا على أن الأطفال قد يتجنبون المرض الشديد لأن جزءا طبيعيا من استجابتهم المناعية يوقف الفايروس في وقت مبكر من مساره، وفقا للباحثين في كلية ألبرت أينشتاين للطب ومركز مونتيفيوري الصحي وجامعة ييل.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة الدكتور كيفان هيرولد، وهو أستاذ المناعة والطب الباطني في جامعة ييل “ما كشفت عنه بياناتنا بشكل عام هو أنه عندما يتعرض الأطفال للفايروس، فإن لديهم استجابة مناعية فطرية قوية للغاية ونعتقد أنها توقف الفايروس عند أول لقاء به”.
ويولد البشر والفقاريات الأخرى بمناعة فطرية، وهو نظام متعدد الأوجه من الدفاعات ضد مسببات الأمراض.
وتعد المناعة الفطرية “غير محددة”، وهذا يعني أن خلايا الدم البيضاء تهاجم أي شيء غريب. وهي أسلحة أكثر وضوحا من مكونات الجهاز المناعي التكيفي، لكنها بالتأكيد أفضل من عدم وجود آليات دفاعية.
فيما تكتسب المناعة التكيفية عند تعرض الجسم للمزيد من الفايروسات والبكتيريا في البيئة، ما يساعده على تطوير أسلحة تسمى الأجسام المضادة مصممة خصيصا لتتناسب مع مسببات الأمراض المختلفة.
ومع التقدم ​​في العمر، ومواجهة الفايروسات في البيئة وتطوير مناعة أكثر تكيفية، تتلاشى المناعة الفطرية.
وأجريت الدراسة، التي نُشرت في مجلة “جي.سي آي.إنسايت”، على عينة تتكون من 12 طفلا و27 راشدا في قسم الطوارئ بمركز مونتيفيوري الطبي ثبتت إصابتهم بالوباء.
واستخدم الباحثون مسحات أنف لتسلسل الحمض النووي الريبي ووجدوا أن لدى الأطفال مستويات أعلى من الجينات المرتبطة بالخلايا المناعية مقارنة بالبالغين، إضافة إلى العديد من السيتوكينات الواقية، وهي بروتينات تفرزها الخلايا المناعية.
ولم يكن أي من الأطفال الـ12 الذين شملتهم الدراسة في حاجة إلى الأكسجين، بينما احتاج سبعة من أصل 27 بالغا إلى أجهزة التنفس، فيما توفي أربعة منهم.
وتأتي هذه الدراسة عقب دراسة سابقة أجراها نفس الباحثين، ونشرت في سبتمبر الماضي، حيث تمت المقارنة بين عينات الدم من الأطفال والبالغين المصابين بكوفيد – 19. ورغم أن الباحثين وجدوا اختلافا بسيطا بين عينات الدم، إلا أنهم اكتشفوا أدلة تشير إلى أن ما يبحثون عنه موجود في مسحات الأنف.
واستنادا إلى الدراستين، يقول مؤلفو الدراسة إن لدى الأطفال استجابة مناعية فطرية قوية توقف الفايروس مبكرا في الجهاز التنفسي العلوي، دون السماح له بالتطور إلى مرض شديد. وفي الوقت نفسه، قد يضطر البالغون إلى الاعتماد على استجابة مناعية أبطأ تتحرّك لاحقا بعد تطور المرض.
وسبق أن كشفت دراسة أجريت في كوريا الجنوبية واعتمدت على عينة شملت 91 طفلا، أن الفايروس يُمكن أن يوجد في عينات المسحات التي أخذت من أطفال ظهرت عليهم أعراض طفيفة أو لم تظهر عليهم أي أعراض، لمدة تصل إلى ثلاثة أسابيع بعد تاريخ أخذ العينة.
وخلص الباحثون إلى أنهم في الحقيقة حملوا فايروسات يمكن تشخيصها في أنوفهم، وأشاروا إلى أنهم كانت لديهم قابلية نقل الفايروس للآخرين. وقالت الدكتورة بيتسي هيرولد رئيس قسم أمراض الأطفال المعدية ونائبة رئيس الأبحاث في طب الأطفال في كلية ألبرت أينشتاين للطب، التي شاركت في تأليف الدراسة الجديدة مع زوجها “يستفيد الأطفال أكثر من الاستجابة الفطرية”.
وقال الدكتور فيديريكو لهام المدير الطبي لمستشفى أورلاندو هيلث أرنولد بالمر لأمراض الأطفال المعدية، إن الدراسة تعدّ جزءا مهما من لغز فهم سبب عدم إصابة الأطفال بالفايروس بدرجة شديدة، لكنها لا توفّر إجابة نهائية.
واعتبر لهام أن “البيانات مهمة ويجب وضعها في السياق المناسب”، لكنه يعتقد أنها لا تكشف عن سبب مناعة الأطفال الأفضل، مشيرا إلى أنه لا يستطيع القفز إلى هذا الاستنتاج.
وعلى الرغم من أن الحمل الفايروسي لدى الأطفال في الشعب الهوائية العليا كان متشابها لما هو موجود لدى الكبار، إلا أن الدراسة لم تظهر مدى انتشار الفايروس في الجهاز التنفسي السفلي، مما قد يؤثر على الفرضية.وقال لهام “تعلمنا معلومة جيدة مفادها أن الأطفال المصابين الذين يأتون إلى المستشفى لديهم استجابة فطرية أقوى من البالغين. وحتى الآن لا يمكننا استنتاج أي شيء آخر”.
وعلى الرغم من أن استجابة الأطفال المناعية قد تكون طبيعية لمحاربة العدوى، إلا أن هيرولد تقول إن تلقي التطعيم لا يزال مهمّا بالنسبة إليهم.
ويُذكر أن لقاح فايزر – بيونتيك مسموح به الآن لمن تتراوح أعمارهم بين 16 و17 سنة، ومن المتوقع أن يتلقى الأطفال الأصغر سنا لقاحاتهم قبل انتهاء السنة الحالية.
ولا تحمي الاستجابة المناعية الفطرية لفايروس كورونا الأطفال بشكل كامل من الإصابة بالمرض. حيث ثبتت إصابة ما يقرب من 3.47 مليون طفل بكوفيد – 19 وتوفي أكثر من 280 منهم، وفقا للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال. ورغم أنه من غير المرجح أن يصاب الأطفال بأعراض حادة، إلا أنهم قد ينقلون الفايروس القاتل إلى البالغين الأكثر عرضة للإصابة.
وأشارت هيرولد إلى أن الأطفال غير الملقحين قد يتعرضون أيضا لخطر الإصابة بمتلازمة التهاب الأجهزة المتعددة، وهي متلازمة نادرة ولكنها خطيرة تسبب التهابا جسديا شديدا ويمكن أن تلحق الضرر بالقلب والكلى وبقية الأعضاء الأخرى.
وأكّدت أن التمتع بالجهاز المناعي الفطري مع الاستجابات المناعية التكيفية المستمدّة من اللقاح سيعزز وضع الأطفال وقدرتهم على مواجهة الفايروس وسيساعد العالم في التخلص من هذا الوباء.

Related posts

Top