الموقف التاريخي لإسبانيا

الموقف الجديد لإسبانيا، الذي تضمنته رسالة رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى جلالة الملك، يعتبر تحولا صريحا بالمعنى السياسي والاستراتيجي، ولن يكون بلا تأثيرات داخل المشهد السياسي والمجتمعي الإسباني أو على الصعيد الإقليمي، خصوصا داخل الاتحاد الأوروبي.
من المؤكد أن مدريد استحضرت مصالحها الاستراتيجية الخاصة، ونجحت قيادتها السياسية أخيرا في الاحتكام إلى العقل، ولكن لا بد من التأكيد على أن الحزم الديبلوماسي المغربي في السنوات الأخيرة كان وراء القرار الإسباني التاريخي، ونستحضر هنا أساسا خطاب جلالة الملك في 20 غشت الماضي.
عندما تؤكد إسبانيا أنها: «تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف»، المتعلق بقضية الصحراء، ويقر سانشيز بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، مشددا على الجهود الجادة وذات المصداقية التي يقوم بها المغرب في إطار الأمم المتحدة من أجل تسوية ترضي جميع الأطراف…، كل هذا يضع الخطوة الإسبانية الجديدة في مرتبة القرار التاريخي غير المسبوق بالنسبة لمدريد، القوة الاستعمارية السابقة للمنطقة، كما أنه يؤسس لنقطة تحول كبرى، ستعيد، من دون شك، ترتيب عدد من الأوراق الإقليمية.
اليوم إسبانيا تعلن اصطفافها إلى جانب الولايات المتحدة، وأيضا تلتحق بموقف ألمانيا، الذي كان قد عبر عنه رئيسها فرانك شتاينماير في رسالة وجهها إلى جلالة الملك، واعتبر فيها مبادرة الحكم الذاتي(أساسا جيدا)لتسوية قضية الصحراء، كما أن مدريد تلتحق أخيرا بمواقف الأمم المتحدة، والتي كان مجلس الأمن فيها قد اعتبر، في أكثر من مناسبة، مقترح الحكم الذاتي المغربي مبادرة جادة وواقعية وذات مصداقية، لكن، برغم كل هذا، فموقف إسبانيا يمتلك طبيعة خاصة بحكم ارتباطها التاريخي بالمنطقة والسكان، وبحكم المسؤولية التاريخية، وأيضا لكون الجارة الشمالية التزمت دائما حيادا سلبيا تجاه تسوية هذا النزاع المفتعل، وبقيت مدنها الفضاء الحاضن والداعم للحركة الانفصالية، ومن ثم يوجه الموقف الإسباني اليوم ضربة موجعة لخصوم المغرب، ويضع نقطة تغيير جوهرية وكبرى في المقاربة بكاملها، وفِي سياسة مدريد تجاه قضية الصحراء. 
لاشك أن مثل هذا الموقف الاستراتيجي والتاريخي سيحدث تداعيات سياسية داخل إسبانيا، وهو ما بدأ فعلا في اليومين الأخيرين في الاوساط السياسية والعسكرية والإعلامية، لكن صمود رئيس الحكومة سانشيز وفريقه، من شأنه إحداث تاثيرات أساسية في المواقف الحزبية والسياسية هناك، وستكون له تداعيات إقليمية داخل الاتحاد الأوروبي، وقد يجر مواقف أخرى مماثلة.
القرار الإسباني، يأتي بعد موقف الإدارة الأمريكية، والمقاربة الإيجابية الجديدة لألمانيا، وأيضا بعد المواقف الإيجابية المؤيدة للطرح المغربي، والتي ما فتئت تعبر عنها دول مجلس التعاون الخليجي، والعديد من البلدان العربية والإفريقية ومن امريكا اللاتينية، وكل هذا من شأنه اليوم منح دفعة قوية للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، ولتسريع المسلسل الأممي لإيجاد حل عادل ودائم ونهائي لهذا النزاع المفتعل وتكريس السيادة المغربية والوحدة الترابية للمملكة، كما أن الموقف الإسباني الجديد من شأنه التخفيف من حدة التوتر والجمود في العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين، وتعزيز شراكتهما لتحقيق التنمية والاستقرار في كامل المنطقة، والعمل معا من أجل المستقبل لعلاقاتهما الثنائية، والتصدي لما يطرحه ذلك من تحديات عليهما معا، وأيضا لمصلحة كامل منطقة المتوسط بكل ما تمثله اليوم من اهمية استراتيجية وأمنية لأطراف إقليمية ودولية عديدة.
الآن، توجد علاقات مدريد والرباط أمام امتحان أجرأة القرار الإسباني التاريخي، وصياغة الامتداد العملي لمقتضياته على ارض الواقع، إن على صعيد قضية الصحراء المغربية أو على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top