الموقف العربي الموحد ضد إيران نقطة تحول في الدبلوماسية العربية

من بين الصور السلبية التي تعود المسؤولون الغربيون الترويج لها تلك الصورة التي تتعلّق بعجز الحكومات العربية وترددها في استخدام مواردها العسكرية والسياسية الخاصة لحل المشاكل الأمنية في المنطقة. وقد كانت لهذه الصورة حججها وقرائنها.
لكن، في الفترة الأخيرة، انقلبت الصورة، وبان لها وجه آخر معاكس، تجسّد عسكريا في البداية عبر عاصفة الحزم في اليمن، في الخامس والعشرين من مارس الماضي، وتطوّر ليصل إلى مستوى القرار السياسي الذي عكس جدّيته البيان الختامي للاجتماع الطارئ لجامعة الدول العربية الذي أدان التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية.
وعلى هامش المجلس الوزاري العربي الطارئ الذي عقد في القاهرة الأحد الماضي، قال عبدالملك المخلافي، نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية اليمني، إن هذا القرار القاضي بتشكيل مجموعة اتصال من مصر والإمارات والكويت لعرض الانتهاكات الإيرانية على مجلس الأمن والمجتمع الدولي، يدل على إلمام العرب بحجم وخطورة السياسات الإيرانية على السلم والأمن في المنطقة.
وعكست تصريحات المخلافي موقفا عربيّا صارما، وشبه موحّد، حين قال إن العرب لن يقبلوا بعد اليوم بأي تدخلات إيرانية في شؤونهم أو اللعب بالورقة المذهبية في المنطقة. وأشار إلى خطوات وبدائل لدى الدول العربية، رافضا الإفصاح عنها، يمكن اللجوء إليها حال استمرار طهران في سياساتها، وتقاعس المجتمع الدولي عن كبح جماحها. وأوضح وزير خارجية اليمن أن قرارات قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران وقرار الاجتماع الوزاري العربي الطارئ رسالة جادة إلى إيران يجب ألا تخطئ قراءتها، وأن تتوقف عن محاولات خلق الفوضى في المنطقة والسعي لتصحيح علاقاتها بالدول العربية.
وأضاف أن اليمن ما زال يوثق يوميا انتهاكات وتدخلات إيران في شؤونه الداخلية، عبر تقديم دعم لا محدود لميليشيات الحوثيين، وقوات علي عبدالله صالح بالمال والسلاح، مؤكّدا أن إيران موجودة على الأرض وتدعم الميليشيات بشكل مباشر، في محاولة للسيطرة على اليمن واستغلال ورقة الحوثيين، ومن ثم السيطرة على مضيق باب المندب للتأثير على الأمن القومي لدول الخليج العربي ومصر.
قطع الطريق

ردا على سؤال حول توقعاته بإقرار المجتمع الدولي إجراءات رادعة على إيران تمنعها من التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية في ظل ما يوصف بـ”التدليل الدولي لطهران” عقب توقيع الاتفاق النووي، قال المخلافي إن الموقف والتحرك العربي الموحد هو الضمانة الوحيدة لدفع المجتمع الدولي لإدانة ووقف الانتهاكات الإيرانية.
واستنكر حديث إيران عن انتهاك حقوق الإنسان في الدول العربية، وقال طهران آخر من يتحدث عن حقوق الإنسان، فهي التي تساند الانقلابيين في اليمن، وتساعدهم بالمال والسلاح لقتل واعتقال الآلاف من الشعب اليمني، وتسعى لتصدير الثورة وتحقيق حلمها الإمبراطوري، مستشهدا بتصريحات المسؤولين الإيرانيين عن سقوط العاصمة العربية الرابعة (يقصد بغداد وبيروت ودمشق ثم صنعاء).
حول الأوضاع الميدانية في اليمن، أشار المخلافي إلى أن الحسم والنصر باتا قريبين، لكن لا يمكن تحديد وقت معين، مؤكدا أن القوات العسكرية في تقدم مستمر، وتحرر كل يوم أرضا جديدة وتحاصر ميليشيا الحوثي وصالح وتسيطر على أكثر من 70 في المئة من الأراضي اليمنية، والقوات العسكرية أصبحت الآن على بعد 40 كم فقط من صنعاء.
وبشأن مدى احتياج اليمن لمزيد من القوات البرية للتعجيل بحسم المعركة وتحرير المدن المحاصرة، قال إن اليمن في الوقت الحالي لا يطلب المزيد من القوات البرية لدحر الميليشيات، فالقوات الموجودة من التحالف العربي، والقوات الحكومية والمقاومة الشعبية كافية لتحقيق النصر.
ولم ينكر وزير خارجية اليـمن أن الـوضع حرج في بعض مناطق تعز، بسبب محاصرة ألوية الحرس الجمهوري الموالية لعلي عبدالله صالح والخارجة على إجماع اليمنيين وميليشيا الحوثي للمحافظة، ورفضهم رفع الحصار وفتح ممرات آمنة لتوصيل المساعدات، مشيرا إلى صعوبة المعركة العسكرية هناك لأن المتمردين يدركون جيدا أن خســارتهم تعز تعني القضاء عليهم نهائيا.
وبسبب مراوغة الحوثيين، تأجّلت جولة مفاوضات السلام بين الحكومة والحوثيين، التي كان من المقرر لها أن تبدأ في 14 يناير الجاري، وتوقّع المخلافي أن يمارس المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، الذي يزور اليمن حاليا، المزيد من الضغوط على الحوثيين لعقد المباحثات خلال 10 أيام، موضحا أن سويسرا هي الأقرب لاستضافة جولة المفاوضات.

شكوك ومماطلة

قال المخلافي إن هناك تصريحات صدرت بأن المبعوث الأممي سيحاول إقناع الحوثيين برفع الحصار عن تعز والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، خاصة بعد أن طلبت منظمة الصحة العالمية السماح بوصول المســاعدات الإنسانية إلى المدينة بشكل فوري.
ويماطل الانقلابيون، وفق تصريحات المخلافي، في الذهاب للمفاوضات على أمل الحصول على وقف إطلاق نار شامل وهذا غير وارد، وقال إنهم “يتوهمون أننا سنفاوضهم على حل سياسي يحصلون بموجبه على شراكة في السلطة، دون أن يسلموا السلاح، ونحن نؤكد أنه لا تراجع عن تسليم السلاح والانسحاب من المدن المحاصرة وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216“.
وأضاف أن ميليشيا الحوثي وعلي صالح يضيعون الفرصة تلو الأخرى بأن يكونوا شركاء في الوطن، محذرا من أن الاستمرار في طريق الضلال سيقصيهم من الحاضنة الوطنية اليمنية بلا رجعة، داعيا إياهم إلى التخلي عن أوهام السيطرة على اليمن.
ووجه وزير خارجية اليمن رسالة إلى الحوثيين وصالح قال فيها: عليهم أن يعوا أن الوضع مختلف الآن ميدانيا وشعبيا وسياسيا، قبل ذلك كانوا يذهبون إلى جنيف ولديهم سيطرة على الأرض، أما الآن عناصرهم في تراجع مستمر ولا مجال سوى التسليم بإرادة الشعب اليمني“. وتوقع انتفاضة قريبة من اليمنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات، جراء الممارسات القمعية والفساد وإقصاء مكونات المجتمع ونهب الأموال والقتل والاعتقالات الممنهجة.
كانت السعودية قد أعلنت على لسان المتحدث باسم التحالف العربي أحمد عسيري رفضها القاطع التفاوض بشكل مباشر مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح والحوثيين. وقد ثمن المخلافي موقف السعودية الداعم للشرعية في اليمن في رفض التفاوض المباشر مع علي صالح، ونوه إلى أن الرياض تدرك جيدا أن تصريح الرئيس السابق برفض التفاوض مع الرئيس اليمني عبدربه منصور والتفاوض فقط مع الرياض، مراوغة ومحاولة لعرقلة مفاوضات السلام.
وأكد أن موقف المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي واضح، فهناك قوات منشقة تحارب الحكومة الشرعية وإذا كان هناك تفاوض فيجب أن يكون مع السلطة الشرعية الممثلة لليمنيين. وجدد التأكيد على حرص الحكومة اليمنية على إنهاء الحرب وعودة الاستقرار وتحقيق السلام في اليمن، على أساس تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216 ومبادرة مجلس التعاون الخليجي، وتنفيذ بنود الحوار الوطني. وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أن المتمردين لم يحترموا إجراءات بناء الثقة، ومستمرون في محاصرة تعز، ولم يطلقوا سراح المعتقلين ومنعوا وصول المساعدات للمناطق المحاصرة، وخرقوا وقف إطلاق النار ومن ثم عليه أن يضطلع بمهامه ويمارس ضغوطا على الحوثيين.
وخلص المخلافي، مؤكّدا أن سوابق الحوثيين في النكوص بوعودهم تدفع للتمسك بأن يكون التفاوض في الجولة المقبلة بناء على أوراق موثقة وليس على النوايا والوعود الشفهية، لأن نواياهم محل شكك.

Related posts

Top