الهاكا تنظم حوارا مفتوحا بين مهنيي الإعلام والصحة

تفعيلا لاستراتيجيتها للمديين القريب والمتوسط (2013-2017)، خاصة في جانبها المتعلق بتأهيل المضامين السمعية البصرية، نظمت الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري يوم 23 ماي 2017 بالرباط، لقاءا تواصليا بين مهنيي الصحة والإعلام السمعي البصري، بحضور ممثلين عن القطاعات الوزارية والمؤسسات الوطنية المعنية ومعاهد التكوين الإعلامي وخبراء في المجال، حول موضوع “من أجل تطوير إعلام صحي في خدمة تثقيف وتوعية المواطن(ة)”، وذلك في أفق إصدار المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري لتوصية ودليل عملي بشأن البرامج الصحية.
في مداخلتها التقديمية للقاء، ذكرت أمينة لمريني الوهابي، رئيسة الهيأة العليا، بمركزية المواطن (ة) في عمل المؤسسات، وأهمية الصحة في حياته، والدور الاستراتيجي للإعلام في حماية الصحة، كحق أساسي.
بالرجوع لدراسات أنجزت في عدة بلدان لتقييم أثر الخطاب الإعلامي المهتم بالصحة على المواطنين والمواطنات، استخلصت الرئيسة أهم العوامل التي تحد من إيجابية ذلك الأثر ومنها: غياب معايير تؤطر استعمال الاعلام للنهوض بالصحة، ضعف التنسيق بين قطاعي الصحة والاعلام، ضعف الحيز المخصص للمضامين ذات البعد الصحي مقارنة مع ما يحتله إشهار منتوجات مضرة بالصحة، ضعف تكوين المكلفين بقضايا الصحة في الإعلام، ضعف المناعة الذاتية، بما في ذلك الحس النقدي، لدى الجمهور المتتبع تجاه بعض الخطابات، فضلا عن ضعف الاعتماد على مؤشرات مبنية على الأبعاد الثقافية للنهوض بالصحة في الإعلام .
كما ذكرت، بالمقابل، بوجود ممارسات فضلى عالجت النواقص المشار إليها، مع اعتماد ممارسة مهنية قائمة على ثنائية الحرية والمسؤولية كمبدأ عرضاني يصون حق المتعهد في الحرية التحريرية وحق المواطن في الصحة باعتبارهما حقين بنفس القيمة المعيارية والأخلاقية.
وذكرت أمينة لمريني في الأخير بالسياق التراكمي الممتد في الزمن والذي يندرج فيه اللقاء وصولا للمحطة الراهنة التي سبقها مباشرة اعتماد المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري في 10 أبريل الماضي لمشروع توصية في موضوع “الإعلام والصحة” بناء على المقتضيات القانونية كما تم تعديلها مؤخرا، واعتمادا على الدراسات التي أنجزتها في الموضوع وعلى الممارسة التقنينية التي أنتجت، في الموضوع، قرارات منشورة. على أساس أن النقاش المنتظر سيساهم في الصياغة النهائية لتلك التوصية وفي إصدار دليلي بيداغوجي في الموضوع.
في كلماتهم كضيوف في الجلسة الافتتاحية أجمع كل من ادريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومحمد غزالي الكاتب العام لقطاع الاتصال، نيابة عن وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج، والدكتور حسين الماعوني، رئيس الهيأة الوطنية للطبيبات والأطباء على أهمية وأبعاد المبادرة.
فقد أكد إدريس اليزمي على محورية الحق في الصحة بوصفها حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا، لا مجرد انعدام المرض أو العجز، ضمن منظومة حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا، وباعتباره مكسبا دستوريا يتأسس على ضمان حق المواطنين والمواطنات على قدم المساواة في العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، مسجلا أن هذا الأمر يتطلب دمقرطة الحصول على العلاج والعناية الصحية وتفعيل سياسة وطنية للصحة وتطوير أخرى لفائدة الأشخاص في وضعية هشاشة، وتفعيل استراتيجيات إعلامية مناسبة.
ومن جهته، أكد محمد الغزالي بشكل خاص على الأهمية التي يكتسيها تكوين الصحفيين المهنيين في مجال الصحة، والتواصل مع فاعلين في ميداني الصحة والعلوم، بغية الاطلاع على الخبرات والمعارف الضرورية وتطوير المهارات لتعزيز صحافة متخصصة كفيلة بجلب المعلومات المتعلقة بالصحة. كما أبرز مسؤولية مهنيي قطاع الصحة في تيسير ولوج العموم إلى المعلومة.
وفي كلمته بالمناسبة أشارالدكتور حسين الماعوني، رئيس الهيئة الوطنية للأطباء، إلى التحولات التي تعرفها وسائل الإعلام، مبرزا الاهتمام البالغ بالمواضيع المتعلقة بالصحة العامة، والذي يرمي إلى المساهمة في تجسيد الوعي الجماعي بمختلف القضايا المرتبطة بالصحة وتحسين الوقاية من أجل الحد من عدة أمراض باللجوء إلى الاستشارة والتحسيس.
وأوضح أن العلاقة بين وسائل الإعلام السمعية البصرية والمؤسسات الصحية تقوم على مستويين: المستوى التوعوي عبر إدماج قضايا ذات البعد الصحي في عدة برامج إعلامية، والمستوى الوظيفي المتمثل في اعتماد المؤسسات الصحية لمخططات إعلامية تهدف إلى التواصل والانفتاح على المجتمع.
بدورها اعتبرت خديجة الكور، رئيسة لجنة “الإعلام والصحة” بالمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، أثناء تقديمها للإشكالات الكبرى التي يطرحها الموضوع، أن الصحة رهان وطني، يعكسه مستوى التحصينات الدستورية والقانونية المتعلقة بضمان الحق في الصحة، وكذا المجهودات والإجراءات التي تتخذها الدولة بهذا الخصوص، مضيفة أن الإعلام بمواكبته لكل هذه المجهودات منذ بداياته الأولى، عبر الحملات التحسيسية والتثقيف والتوعية، جعل الصحة موضوعا للشأن العام بعدما كان التداول فيها حكرا على الإخصائيين، وبالتالي مطلبا اجتماعيا ضاغطا. كما أشارت إلى أن المشرع حدد مسؤولية الإعلام السمعي البصري في هذا المجال من خلال التنصيص على ضمان صدقية ونزاهة المعلومة، وعدم التحريض على نهج سلوكات مضرة بالصحة، سواء في البرامج أو في الخطابات الإشهارية، وهي الالتزامات التي تمت ترجمتها على مستوى دفاتر تحملات المتعهدين العموميين والخواص، وملاءمة نظام التتبع الخاص بالهيأة العليا معها، مما أسفر عن اتخاذ المجلس الأعلى لمجموعة من القرارات بعد تسجيل خروقات بهذا الخصوص من طرف بعض الخدمات الإذاعية والتلفزية.
وتمهيدا للنقاش والتبادل خلال هذا اللقاء اقترحت خديجة الكور المسالك التالية للتفكير:
•المواصفات المطلوبة من حيث الأهلية والشرعية في القائمين بوظيفة التثقيف والتوعية الصحية في وسائل الإعلام؛
• الضوابط الأخلاقية التي يتعين أن تحكم مضامين البرامج الصحية، في علاقاتها بثنائية الحرية والمسؤولية كأساس للممارسة الإعلامية؛
• سبل وآليات التعامل والشراكات بين كل الأطراف المعنية لضمان إعلام صحي يضع المواطن في مركز المعادلة.
في كلمتها التمهيدية، ذكرت رابحة زدكي عضوة المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، ميسرة اللقاء، بالمحاور الثلاثة المطروحة للنقاش وبانتظارات الهيأة من التبادل بين المشاركين والمشاركات، في تعدديتهم، في سياق إصدار توصية “الاعلام والصحة”… مقترحة كمدخل عملي عرض بعض خلاصات الدراسات التي أنجزتها الهيأة العليا حول البرامج الصحية.
 في هذا الإطار تتبع المشاركون الخلاصات التي قدمتها عائشة ولد عزيز، عضوة لجنة “الإعلام والصحة”، عن المديرية العامة، حول دراستين. حيث سجلت بالنسبة للدراسة التي تتعلق ببرامج التداوي بالأعشاب، شغلها لموقع هام ضمن شبكة برامج الإذاعات الخاصة، برمجتها في الفترة الصباحية، اعتمادها على ضيوف قارين، اعتمادها على الطريقة التفاعلية من خلال التواصل المباشر مع المتلقين، وعدم اقتصار بعضها على تقديم معلومات وأخبار ترتبط بالتداوي بالأعشاب، بل تجاوز ذلك لتقديمها لوصفات علاجية للمواطنين المتصلين بالبرامج.
أما بالنسبة للتقرير المتعلق بموضوع الصحة العقلية والنفسية في الخدمات التلفزية، فتم الوقوف فيه على خلاصتين أساسيتين: تتعلق الخلاصة الأولى بمعالجة الموضوع بمقاربة حقوقية خصوصا فيما يتعلق بالحد من وصم المرضى وتحسيس مختلف الفاعلين بأدوارهم ومسؤولياتهم في مجال النهوض بحقوق هذه الفئة من المجتمع، أما الخلاصة الثانية فتهم التمثلات الاجتماعية المرتبطة بالصحة العقلية والنفسية والتي لازالت الثقافة التقليدية تشغل فيها حيزا هاما في تفسير أسباب هذه الأمراض ومظاهرها وطرق التداوي منها.
وقد تميز النقاش بتدخل كافة المشاركين والمشاركات من ممثلي القطاع الصحي أو القطاع السمعي البصري والتي ركزت جميعها على الارتباط الوثيق للبرامج الصحية بسؤالي الجودة والقيم الحقوقية، وهو ما أكدته مداخلتا كل من بوشعيب أوعبي عضو لجنة “الإعلام والصحة” من خلال استعراضه لبعض الخلاصات الأولية المستقاة من المناقشة، وكذا محمد عبد الرحيم عضو المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري من خلال تذكيره ببعض التجارب الإعلامية السابقة في مجال البرامج الصحية.
وقد انتهى اللقاء إلى مجموعة من الخلاصات والتوصيات، أكدت على ما يلي:
•اعتبار موضوع الصحة بحكم طبيعة الأسئلة المرتبطة به، قابلا للتدخل من عدة فاعلين في مجالات علمية متعددة؛
• حرص وسائل الإعلام على التأكد من الصفة العلمية لضيوف برامجها من مهنيي الصحة ومن مجالات تخصصهم مع هيئاتهم المهنية، وكذا الحرص على توفرهم على قدرات تواصلية تمكنهم من تبسيط وتقريب المعلومة الصحية من المواطن؛
• تنويع الضيوف في البرامج الصحية ضمانا لتعددية الرأي؛
• الحرص على توفر الإعلاميين من معدي ومقدمي البرامج الصحية على الكفايات اللازمة لضمان جودتها؛
• منع تشخيص البرامج الصحية للحالات المرضية ووصف العلاجات، مع العمل على تطوير شكلها وتنويع مواضيعها، بما يضمن ملاءمتها مع تغيرات الوضعية الصحية بالمغرب والتي صارت تتصدرها الأمراض السلوكية وما تتطلبه من نجاعة الوقاية؛
• الحرص على وضع الخطاب الموظف من طرف ضيوف هذه البرامج والذين يقدمون بصفة ذات حمولة علمية، مسافة كافية وواضحة بين ما هو معلومات علمية صحية وما هو تعبير ذاتي مجمل أو عام حول حالات أو قضايا صحية معينة؛
• تقيد الخبر الصحي بمجموع الضوابط الأخلاقية المتعارف عليها إعلاميا، خصوصا الحرص على صدقية ونزاهة المعلومة وتعدد مصادرها؛
• الالتزام باحترام قرينة البراءة والقواعد المتعلقة بتغطية المساطر القضائية في حالة التطرق لقضايا أطباء يكونون موضوع متابعة قضائية أو تأديبية مهنية، حتى تثبت إدانتهم بحكم نهائي وفقاً للضمانات التي يقرها القانون؛
•الحرص على ضمان وسائل الإعلام للتحكم في البث ضمانا لعدم تجاوز بعض الضيوف لمجال اختصاصهم؛
• تعزيز المسؤولية الاجتماعية التي أضحت وسائل الإعلام تضطلع بها اليوم في مجالات الإخبار والتثقيف والتوعية والوقاية، باعتبارها المصدر الأساسي للمعلومة خصوصا في المجالات والفضاءات التي تتسم بمحدودية ولوج المواطن (ة) للخدمات الصحية؛
• تقوية دور التربية الإعلامية في بلورة الحس النقدي للمواطن (ة) تجاه السيل المتدفق للمعلومة الصحية، خصوصا عبر وسائط الاتصال الجديدة، ضمانا للأمن الصحي ببلادنا.
تأسيسا على ما سبق، نوه المشاركون والمشاركات بمبادرة الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري بإصدار توصية لتأطير البرامج الصحية في الإعلام السمعي البصري ودليل عملي يهدف إلى المساهمة في ضمان إعلام صحي في خدمة المواطن، مؤكدين على أهمية بلورة ميثاق تعاقدي بين مختلف الفاعلين كعملية بناء ممتدة في الزمن، بمقاربة تشاركية مع الأطراف المعنية لتذويب بعض الممارسات الإعلامية التي قد تحمل أثرا سلبيا على صحة المواطنين والمواطنات، ويحفظ في نفس الوقت، حرية الاتصال والحرية التحريرية لوسائل الإعلام السمعية البصرية.

Related posts

Top