انتهى كان الكوت ديفوار، وبعد….

أسدل الستار عن مشاركة المغرب في كأس إفريقيا لكرة القدم الجارية منافساته في الكوت ديفوار، وطويت صفحة ذلك، وعادت البعثة الرياضية إلى أرض الوطن، وآن أوان التقييم واستخراج الدروس والخلاصات.
من المؤكد أن إقصاء المنتخب الوطني من ثمن النهائي كان قاسيا ومخيبا للآمال، خصوصا أنه كان من أبرز المرشحين للظفر باللقب القاري هذا العام، لكن، في نهاية الأمر، هذه هي كرة القدم، والخروج ليس أبدًا نهاية العالم.
نتفق بداية على أن هناك أخطاء عديدة اقترفت، سواء في المباراة الأخيرة ضد جنوب إفريقيا أو في المباريات الأخرى قبلها، وهناك مؤاخذات تتعلق بخطة المدرب وعقليته، والمستوى العام لعدد من اللاعبين، وأسلوب تدبير المجموعة داخل الملعب والاختيارات البشرية، وأيضا ما يرتبط بالعلاقات وتفضيل هذا على ذاك، والعلاقات والأجواء العامة والضغوط المختلفة…، لكن، برغم كل هذا، ونترك التفصيل فيه للمتخصصين الجادين، فإن المطلوب اليوم ليس هدم البيت بكامله، وإنما استدعاء العقل والتفكير بهدوء وعمق في المستقبل.
الفشل في كأس إفريقيا من شأنه أن يعيد المنتخب الوطني والقائمين على الشأن الكروي ببلادنا إلى الواقع الحقيقي بلا غوغائية أو عناد فج وأعمى، ومن شأنه جرنا كلنا لنضع أرجلنا على الأرض، ولكي نعترف أن عددا من منتخبات الكرة بإفريقيا تطورت وتجاوزتنا كثيرا، وبأن كرة القدم في القارة تطورت، وبأننا نحن بقينا في نفس المنظومة الكروية العامة ولم نتقدم كثيرا إلى الأمام.
لنقرأ بشكل موضوعي واقع ومستوى بطولتنا المحلية وأنديتنا، ولنقرأ عقلية التدبير والتسيير عندنا، ولنفحص عقليتنا وفكرنا الكرويين بشكل عام ونظرتنا إلى الأشياء وإلى إفريقيا وإلى ما يجري حوالينا.
معظمنا يجمع اليوم على أن خطط المدرب عندنا صارت عقيمة ومكشوفة لدى الجميع وبلا تجديد، وأن التركيز والتكامل غابا عن اللاعبين، وأن التركيبة البشرية التي ذهبت إلى الكوت ديفوار عليها أصلا ملاحظات ومؤاخذات جوهرية، علاوة على العديد من الضغوط التي عانى منها اللاعبون.
الجميع حذر أيضا من بقاء المنتخب والجامعة معتقلين في مونديال قطر، ولم يسعيا لنسيان كوننا نحتل الرتبة الرابعة في العالم، ومن ثم تفشى بداخلنا شعور التعالي والكبرياء بشكل مرضي، وهو ما قادنا إلى مآل اليوم، أي… الفشل، ثم الصدمة.
الدرس الأول إذن هو أن نقرأ واقعنا بشكل جيد، وأن نضع أرجلنا على الأرض.
أمامنا تحديات كروية عديدة، وخصوصا دورة الكان للسنة المقبلة بالمغرب، ثم المونديال في العام الموالي، والمونديال الآخر الذي سيقام عندنا أيضا، وهذه مواعيد تتطلب التخطيط والاستعداد الجيد لبناء منتخب منافس وقوي.
لقد نجح المدرب وليد الرگراگي في تقوية الحماس لدى اللاعبين، وعزز بناء الجوانب النفسية والذهنية وجاهزية التحدي، ولكن بقيت لدينا مشكلة جوهرية في بناء التركيبة البشرية للفريق وديمومة المستوى التقني العالي وخلق فريق منافس وإبداع الخطط بحسب متطلبات كل مباراة وكل منافسة ومفاجأة الخصوم بها…
لقد نجحت الجامعة في إغداق الإمكانيات المالية واللوجيستيكية على المنتخب، ولكنها لم تنجح كثيرا في بناء منظومة متكاملة لفريق في مستوى ما بلغته منتخبات إفريقية فاجأت الكثيرين خلال دورة الكوت ديفوار، بل إن هذا الفريق الذي احتل الرتبة الرابعة في المونديال لم يتهافت العالم على نجومه منذ ذلك الوقت، والكثيرون منهم انتقلوا إلى فرق على سبيل الإعارة فقط، وبعضهم عانى عديد مشاكل مع الانتقالات أو مع الإصابات أو بقي في الاحتياط لشهور، وهذه مشكلة جوهرية لا بد من التأمل فيها من طرف المدرب والجامعة معا.
مشكلتنا الجوهرية توجد في الاختيارات، وفي التدبير العام، ولكن أساسا في أحادية الرأي والتمسك بالعناد الغريب والمرضي، وصم المسيرين لآذانهم عن الانتقادات والمؤاخذات إلى أن يفوت الأوان ويقع (الفاس في الراس)، كما يقول المغاربة.
ليس مقبولا اليوم أن نستمر في التفرج على إيقاعين اثنين مختلفين لكرة القدم الوطنية، إيقاع تدبير ورعاية المنتخب الأول، والإيقاع المتدني الذي يجسده واقع بطولتنا الوطنية التي لا تمثل رافدا رئيسيا لمد المنتخب باللاعبين.
وليس مقبولا كذلك فرض مناخ من العمى حول المنتخب، ومنع كل تحليل أو تقييم موضوعيين ونقديين لواقعه وتدبيره، وتشجيع عقلية «التقديس» والغوغائية المتكلسة والبلهاء.
إبعاد الصحفيين الرياضيين الجادين والمعروفين وتنظيماتهم المهنية العريقة، وابتداع غريبة «الوفد الإعلامي المغربي» بالبذلة الموحدة وباقي مشاهد التدني التي استنكرها الكثيرون، هي بدورها واحدة من نقاط التقييم والمحاسبة والافتحاص الواجب عدم إغفالها.
خوض التحديات الكروية المرتقبة ونجاح المغرب في المقبل من استحقاقات قارية وعالمية يفرضان تطوير منظومة وطنية متقدمة للإعلام الرياضي الجاد، وتحفيز الصحافة الوطنية ذات المصداقية المهنية والأخلاقية، وذلك لن يتم بالحسابات الصغيرة جدا أو بمبادرات غارقة في الهواية والارتجال والعشوائية.
صحيح، أن مدرب المنتخب الوطني أعلن تحمله مسؤولية الهزيمة والإقصاء، وبعض اللاعبين اعتذروا للجمهور عن ذلك، كما أن هذا الخروج المبكر والقاسي من المنافسات ليس نهاية العالم، وهو أمر وارد في كرة القدم، والحل لن يكون انفعاليا أو مزاجيا أو انتقاميا أو من باب تصفية الحساب مع الأشخاص، ولكن المطلوب اليوم هو التشريح الموضوعي والصريح لوضع منتخبنا وواقع كرتنا الوطنية بشكل عام، وصياغة الحلول ومداخل التأهيل، والإنكباب على العمل من الآن.
قيادة جامعة كرة القدم يجب أن تتكلم مع المغاربة وتشرح لهم ما وقع، وأساسا ما تعتزم القيام به، وأن تبعث الأمل، وأن تقنع الجمهور بنسيان كان كوت ديفوار.
قيادة جامعة كرة القدم يجب أن تقدم لنا خططها التطويرية لكرة القدم الوطنية والبطولة المحلية وأسلوب تدبيرها هي نفسها وتركيبة الأطقم المسيرة لشؤونها، وأيضا علاقتها بالمحيط المباشر، وخصوصا الإعلام الرياضي والصحافة الوطنية…
ما حدث في الكوت ديفوار عرى فقط واقعا كان البعض يسعى للتغطية عليه، ولقد وصلنا اليوم فعلا إلى… الفشل، وهو ما لا يمكن تسميته إلا كذلك، ويجب أن نتوقف قليلا من أجل تشريح حقيقي وموضوعي لكامل المنظومة، وأن نحدد المسؤوليات ونرتب القرارات المناسبة.
إلى العمل إذن…

<محتات‭ ‬الرقاص [email protected]

Related posts

Top