انحراف خطير

لم يعد خافيا على أحد، التداعيات الخطيرة التي بدأ يأخذها الصراع الودادي – الرجاوي، والذي وصل إلى متاهات وأبعاد مقلقة، لا يمكن التنبؤ بتطوراتها وانعكاساتها على المجتمع بكل فئاته وشرائحه.
الذي لا جدال فيه، هو أن التنافس الرياضي مقبول، بل مطلوب بحدة، خاصة إذا كان يساهم في حدوث تطور. وذلك بالتحفيز على البذل والعطاء، للوصول إلى تحقيق مكاسب، وتجاوز الهفوات وتفادي الأخطاء، مع ضمان انخراط كل الفعاليات من أجل الوصول إلى عمل جماعي هادف.
هذا هو المطلوب والهدف الأسمى، إلا أننا وجدنا أنفسنا أمام انحراف غريب في وظيفة المحب أو العاشق أو المنتمي. بعدما وصلت الأمور إلى متاهات غير مقبولة، ولا مستساغة نهائيا، إذ أصبح التعصب وإثارة النعرات، هي السمات الطاغية على الساحة، مع ما يحمله هذا التحول السلبي، من تأثير سريع على الأطفال والمراهقين والشباب، إلى درجة أصبح يتخيل للبعض منهم، أن الفريق الجار وكل الأفراد المنتمين له، عبارة عن أعداء حقيقيين يستحقون الإساءة وإلحاق الأذى، ولم لا القتل.
أصبح كل شيء مباحا، من ممارسة كل أنواع الكذب والافتراء والتغليط والترويج للشائعات، إلى الإساءة الشخصية وإلحاق الأذى، والتسبب في عاهات مستديمة، لا شيء إلا لكون هذا الشخص أو ذاك ينتمي للجهة المنافسة. وهذا الانحراف الغريب استفحل في السنوات الأخيرة، مع ظهور نماذج من المحبين والمنخرطين والمسيرين “الحياحة”، أصحاب السلوكات الغارقة في التخلف والانحطاط.
فللأسف انخرط في هذا التحول الشاذ بعض المسيرين الجدد، إذ نجدهم يغذون الأحقاد، ويشجيعون نماذج من السلوكات الصادمة، تصل أحيانا إلى حدود التهور، لا يمكن للمرء أن يفرق بينهم وبين المحب العادي، نجدهم لا يتعففون أبدا عن ارتكاب الحماقات، باسم الحب أو الانتماء لهذا الفريق أو ذاك، وهم بذلك يصبون الزيت على النار. وسواء أدرك هؤلاء المتعصبون أم لم يدركوا، فإن حماقاتهم تساهم في تربية جيل بالكامل على الكراهية، وأساليب العنف والتعصب والتحريض، الذي يصل أحيانا إلى التطرف الأعمى.
هذا الانحراف الحقيقي لم يعد من الممكن السكوت عنه، أو تجاهله و التطبيع معه، كما لم يعد بالإمكان غض الطرف عن هذه الظواهر الغريبة عن كل أساليب التشجيع الحضارية والمساندة العادية للأندية، فالأمور وصلت الى مرحلة متقدمة من الحقد الدفين، والذي يمكن أن يسفر عن مواجهات مفتوحة على كل التطورات والاحتمالات المؤسفة والضارة.
من حق أي ودادي أو رجاوي الافتخار بناديه، والتعبير عن حبه وتعلقه، ولما لا الإفصاح عن الرغبة في رؤية ناديه يحقق البطولات والألقاب والإنجازات، هذا هو الانتماء الراقي والحقيقي، الذي لا يمكن أن ينازعه فيه أحد، لكن لماذا كل هذا التحول الأعمى، الذي يجعل من المحب قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، يرى في الجار عدوا حقيقيا، يستحق كل أنواع الإساءة والتدمير.
فالمسيرون السابقون والحاليون الحقيقيون، ومعهم حتى الصحفيون، أصبحوا يتخوفون إلى حد كبير من قول كلمة حق، أو التعبير عن الآراء بكل حرية، وممارسة المهام المطلوبة منهم، كما تقتضيه المسؤولية الملقاة على عاتقهم، إذ لم يعد هناك حدود للتهور أو احترام المسافة المطلوبة، بين المحب العادي والمسير، هذا الأخير المطوق بمسؤوليات محددة، مع ضمان مبدأ واجب الاحترام والتقدير المتبادل، وتقبل الرأي المخالف.
فإلى أين يسير هذا المنحى الخطير ؟ وهل خرجت الأمور عن السيطرة، أم لم يعد بالإمكان تدارك الموقف، ومواجهة هذا التطرف؟
لابد إذن من اتخاذ تدابير وتطبيق إجراءات استعجالية، وفرض مراقبة صارمة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي حولها البعض إلى منصات لترويج الأحقاد والإساءة للأشخاص، وتجييش المراهقين والشباب والتغرير بهم، وتشجيعهم على ممارسة كل أنواع الانحرافات التي أصبحت تعرفها صفة المحب أو المشجع أو المنتمي، بل حتى المسير الصبياني.

محمد الروحلي

الوسوم ,

Related posts

Top