بؤرة الضياع

أتساءل فقط كيف نوقف أصابعنا عن الكتابة.
الأمر لم يعد يستحق المجازفة، هناك أيام
انتهت مدة صلاحيتها وأخرى لازالت تحبو
وكثير منها تنطفئ بالضجر، أيام تخاف أن تبحث عن ملامحي فلا تجدها وأخرى تتظاهر بالقوة والصمود، والأشياء هنا تصدأ بالأسى
يبدو أن الأمور كلها تغيرت حتى عابر السبيل
تعثر بعمود إنارة أرشده إلى الطريق، فقط قلبي ظل عالقاً في مساء حزين
وعلى سبيل التّعب يبدو أنني لست مدعوة لمهرجان الرقص الذي يحدث في الجوار، أأخبرتكم قبل اليوم أني أمارس الرقص من حين لآخر حين ينال مني الضجر !
عقود طويلة تنطفئ وخريف عمري يتلاشى كالسراب، أراقبه من بعيد وهو يغادر بشكل مريع
أليس لديّ الحق لأسأله إلى أين؟
أراني عاجزة تماما عن صوغ الخذلان هذه المرّة، عاجزة عن ترجمة أسفي، لم تعد تتملكني الرغبة في البحث عنّي، هناك رجفة تعترض روحي كلما نظرت إليك، رجفة لا يوقفها شيء، اهدئي اهدئي كلمة لطالما راوغتي بها، اليوم لم تعد تجدي نفعا، الوضع أصبح أكثر تعقيدا، فقد زرعت بي ندوباً باتت واضحة، جعلت شعور الغربة يلاحقني دائما
كيف للمرء أن تنهكه الحياة لمجرد أنه تعرّض للفقد، فقد الشغف، فقد الثقة، فقد رفاهية الوصول، فقد الشعور بالحبّ، ما كان بي حيلة كان عليّ أن أمضي تاركة قلبي، أحلامي ورغباتي على قارعة الطريق
أينبغي عليّ أن أحزن
تبا
أيها المغادر ألا تعود أدراجك !
دعنا نتفاوض
دائما ما أقول أن اللقاءات التي تحدث فجأة تكون فظيعة، حين نكون غير جاهزين لاستقبال شعور صخب تُحدثه الصدفة، غير معنيين بقصص الرتابة
تسحرني اللحظات المصيّدة التي تلتقط أنفاسنا وترسم خارطة اندهاشنا حين تتلاعب بنا سيناريوهات الحياة وتضغنا في مأزق جميل،
تتعثر بك الخطوات وتسقطك أمامي،
ياللهول !
في اللحظة التي واجهت فيها مصيري أدركت أني هدرت عمري في محطات فارغة أنتظر شيئا مجهولا، كنت أعود كل مرّة بأضرار بليغة، تعرضت لنوبات صراخ مفاجئة، وصلت لمرحلة الانطفاء التام، خذلتني نفسي كثيرا حين شعرت أنني أحبّك، أُصبت وقتها بخيبة كبيرة،
تظن أنّك نجوت حتى تجد نفسك محاصرا
بنظرات المرأة التي هربت منها دائما، المرأة التي غادرتها وحشوت روحها بضباب كثيف وجعلتها تتساءل وهي ترتجف هل أبدو قبيحة إلى هذا الحد؟
ألا ترى أصابعها حتى وهي تكتب تتراشقها ذات الرجفة !
..
أكتب لك بأفكار منتفضة وبهذيان منقطع النظير، بعجز غير قادر على تغطية جراحي الملتهبة وبأشياء باهتة تتآكل داخل رأسي، بفعل الضحكات التي تفتقدك
لا شيء غير هذا
بملامح ذابلة تستمر في السؤال عنك،
أينك؟ غصّة متنكرة تتقاذفها أمواج الليل لا تعرف كيف تواسي نفسها
لطالما أخبرتني أنك تخطيت سهاد الليل الذي تعيشه بدوني، تخطيت فجرا كان يترقب جأشي، تخطيت فكرة انك قد تخسرني في أي لحظة، أجل لقد حدث كل هذا، تخطيتني قبل أن يغفو المغيب
ابتعلت كل الحوارات الشرسة التي خضتها مع عقلي، حاولت إخفاء التشوهات التي كانت تظهر ع جلدي كما أنني فشلت في تجاوز الخوف والتعب الذي نال مني، مضيت تائهة مزدحمة بالصراعات أتخبط في غياهب الحياة لا أعرِفُني !
هل جربت الصراخ بعد كتابة شيء كهذا؟
أنا جربت ذلك
هل حدث وبكيت من كسرة الشوق ثم حشوت فمك بوسادة حتى لا يسمعك أحد؟
أنا فعلت هذا
بينما تجثو روحي متّقدة على تفاصيل عارية أعانق وحدتي خلف ظل وجه لا يموت، وجه أحببته حينما مرّت عليّ غيمة مثقلة بالحنين ..
وجه أخبرني ذات يوم أنني امرأة عظيمة!
مهما ابتَعَدنا وانحَدَرنا،
يبقى مَصيرُنا المَحتومُ هو العودة، العودةُ إلى فِطرةِ الفِطرة، إلى مُنتَهى الجَذر، إلى بُؤرةِ الأصل، ففي تلك البُقعةِ المُبهَمةِ يَكمُنُ منبَعُ الإنسان.

هند بومديان

الوسوم
Top