سلطت زيارة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان الضوء على المعاناة التي تعيشها دولة جنوب السودان كأحدث دولة في العالم. ومنذ استقلالها قبل أكثر من عشرة أعوام وهي تعيش على وقع الصراعات والفقر والجوع.
وقال البابا أول أمس السبت إن الكنائس في جنوب السودان “لا يمكن أن تقف محايدة” ولا بد أن ترفع صوتها في وجه الظلم واستغلال السلطة، وذلك في مهمة سلام يقوم بها مع اثنين من القادة المسيحيين للدولة الأحدث في العالم.
وفي أول يوم كامل له في جنوب السودان، خاطب البابا الأساقفة والقساوسة والراهبات الكاثوليك في كاتدرائية سانت تيريزا في العاصمة جوبا فيما كان رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي ومنسق الجمعية العامة لكنيسة أسكتلندا إيان جرينشيلدز يؤديان صلوات في أماكن أخرى.
واستقل جنوب السودان عن السودان في عام 2011 بعد صراع استمر لعقود لكن حربا أهلية اندلعت في عام 2013. وعلى الرغم من اتفاق السلام المبرم عام 2018 بين طرفي الصراع الرئيسيين استمرت نوبات القتال العرقي في قتل وتشريد أعداد كبيرة من المدنيين.
وعشية زيارة البابا قتل مربو ماشية مسلحون 21 مدنيا في هجوم انتقامي على مزرعة ماشية لخصوم، في مقاطعة كاجو – كيجي بولاية وسط الاستوائية، في خطوة بدت وكأنها تحد للزيارة ولجهود السلام التي يسعى إليها البابا.
وقال فرنسيس “أيها الإخوة والأخوات، نحن مدعوون أيضا لكي نرفع أصواتنا ضد الظلم وسوء استخدام السلطة اللذين يسحقان الناس ويستخدمان العنف لإدارة الأعمال في ظل الصراعات”، مضيفا أن الزعماء الدينيين لا يمكنهم أن يقفوا “محايدين إزاء الألم الذي يسببه الظلم والعنف”.
ووفقا للأمم المتحدة، هناك 2.2 مليون نازح داخليا في جنوب السودان من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 11.6 مليون. وفرّ 2.3 مليون من البلاد كلاجئين.
وينتشر الفقر المدقع والجوع في جنوب السودان حيث يحتاج ثلثا السكان إلى المساعدات الإنسانية نتيجة للصراع وفيضانات كارثية استمرت لثلاث سنوات.
واستمع البابا في الكاتدرائية إلى راهبة تروي كيف قُتلت اثنتان من أخواتها في كمين بالقرب من جوبا في عام 2021.
وقال فرنسيس “لنسأل أنفسنا ماذا يعني أن نكون خدام الله في تاريخ مطبوع بالحرب والكراهية والعنف والفقر”. وأدى صلاة من أجلهم في وقت لاحق.
وتساءل “كيف نمارس خدمتنا في هذه الأرض، على طول ضفاف نهر مغمور بدماء الأبرياء؟”، مشيرا إلى النيل الأبيض الذي يجري في البلاد.
والتقى البابا فرنسيس ورئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي، ومنسق الجمعية العامة لكنيسة أسكتلندا إيان جرينشيلدز بالنازحين بسبب الحرب في جنوب السودان واستمع إلى رواياتهم بشأن الحرب الأهلية.
وتعد هذه الزيارة المشتركة هي الأولى من نوعها في التاريخ المسيحي.
وغالبية سكان جنوب السودان من المسيحيين. واصطف عشرات الآلاف في شوارع العاصمة جوبا للترحيب بالبابا بالغناء وقرع الطبول والزغاريد عندما وصل إلى البلاد قادما من جمهورية الكونجو الديمقراطية.
وفي خطاب شديد اللهجة لقادة جنوب السودان، ومن بينهم الرئيس سلفا كير ونائبه ريك مشار اللذان كانا متحاربين في السابق، ناشدهم فرنسيس لنبذ العنف والكراهية العرقية والفساد.
وفي نفس اللقاء، عبر ويلبي عن حزنه لاستمرار العنف بعد التوصل إلى اتفاق السلام في عام 2018 وبعد تجمع عام 2019 في الفاتيكان ركع البابا خلاله لتقبيل أقدام القادة المتحاربين متوسلا إليهم لإحلال السلام في جنوب السودان.
وأضاف ويلبي للقادة المجتمعين “أنا حزين لأننا ما زلنا نسمع عن مثل هذه المأساة. كنا نأمل ونصلي من أجل المزيد. توقعنا المزيد. لقد وعدتم بالمزيد”.
وقال كير في خطابه إن حكومته ملتزمة بشدة بتعزيز السلام في جنوب السودان.
وتعدّ “رحلة السلام” هذه أول زيارة بابوية على الإطلاق إلى جنوب السودان منذ حصول الدولة ذات الغالبية المسيحية على استقلالها عن السودان في العام 2011.
وفقا للأمم المتحدة، هناك 2.2 مليون نازح داخليا في جنوب السودان من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 11.6 مليون. وفرّ 2.3 مليون من البلاد كلاجئين
وتلعب الكنيسة دوراً بديلاً في المناطق التي لا تتوافر فيها خدمات حكومية، إذ غالباً ما يتعرّض العاملون في المجال الإنساني للهجوم أو حتى للقتل.
وحضت منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية الجمعة القادة الدينيين على الضغط على مسؤولي جنوب السودان “لوضع حد لأزمة حقوق الإنسان المستمرة في البلاد وللإفلات من العقاب على نطاق واسع”.
في هذه الأثناء، أعلن كير في مرسوم بعد لقائه مع البابا، أنه سيعفو عن 71 سجيناً، بينهم 36 محكوما عليهم بالإعدام، لكن من دون إعطاء المزيد من التفاصيل.
وقالت غلاديس مانانيو (62 عاماً)، بعد مرور سيارة البابا “عندما داس أرض جوبا، شعرنا جميعاً بالبركة. سيحقّق لنا وجوده سلاماً دائماً”.
وفي العام 2019 تعهّد البابا بزيارة جنوب السودان لدى استقباله كير ومشار في الفاتيكان، حين بادر إلى تقبيل أقدام الزعيمين لحضّهما على الالتزام بوقف إطلاق النار.
ووصل البابا إلى جنوب السودان وافداً من كينشاسا عاصمة جمهورية الكونغو الديموقراطية، علماً بأنه أول حبر أعظم يزور البلاد منذ يوحنا بولس الثاني في العام 1985.
وفي كينشاسا عاصمة أكبر دولة كاثوليكية في القارة الأفريقية، ندد الحبر الأعظم مراراً بأعمال العنف الدامية في شرق البلاد، داعياً المسؤولين إلى وضع حد للفساد، والشباب إلى أن يكونوا “أطرافاً فاعلين” في مستقبل البلاد.
وكانت هذه الزيارة مقرّرة مبدئياً في صيف العام 2022 ثم تمّ تأجيلها، وهي الزيارة الأربعون للبابا الأرجنتيني إلى الخارج منذ انتخابه في العام 2013، والثالثة إلى أفريقيا جنوب الصحراء.