باحثون: ترسيخ الحوار بين الأديان جعل من المغرب نموذجا في تكريس قيم العيش المشترك

أبرز مشاركون في لقاء دولي، يوم الثلاثاء الماضي بالرباط، أن ترسيخ التعددية والحوار بين الأديان جعل من المغرب نموذجا في تكريس قيم التسامح العيش المشترك.
وأكد المتدخلون، خلال افتتاح أشغال النسخة الخامسة للقاءات الدولية لتومليلين، التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء من 31 ماي إلى 2 يونيو، تحت عنوان “الحفاظ على الذاكرة ونقلها لترسيخ مفهوم الآخر”، أن دير تومليلين الذي أنشأه الأخوان بينيديكتان سنة 1952 بمنطقة آزرو في الأطلس المتوسط شكل نموذجا جليا للتنوع العقدي والثقافي واللغوي بالمملكة.
كما شددوا، في هذا اللقاء المنظم بتعاون مع مؤسسة ذاكرة من أجل المستقبل، وبشراكة مع المعهد الكاثوليكي في تولوز ومؤسسة مستقبل 21، على ضرورة الحفاظ على الذاكرة لتغذية روح العيش المشترك وبناء الهوية وكذا تعزيز الانفتاح على الآخر.
وفي هذا الصدد، سلطت عائشة حدو، رئيسة مركز تعارف للبحث والتكوين في العلاقات بين الأديان، الضوء على الإرث والإشعاع الحضاري والثقافي الغني الذي تتمتع به المملكة انطلاقا من الهوية المغربية متعددة الثقافات، مشيرة إلى أن هذا اللقاء يستهدف التعريف بقيم التسامح والحوار والانفتاح والحفاظ على الذاكرة.
وأشارت إلى “أن المغرب بلد غني ويحمل تراثا حضاريا ناتجا عن تاريخ تعددي يجمع بين الثقافات والتربة واللغات والأديان، تراث له جذوره في أفريقيا جنوب الصحراء كما في الأندلس في أوروبا”.

وذكرت حدو، في السياق ذاته، بمقتطف من نص الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في المؤتمر حول “حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية.. الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة” بمراكش في 25 يناير 2016، “لقد كان المغرب سباقا إلى الحوار بين الأديان، فغداة استقلاله سنة 1956 كان ينظم كل صيف بدير تيومليلين، وهو في جبل بجهة مدينة فاس كان به رهبان بنديكتيون تجمع للمثقفين والمفكرين، ولاسيما من المسلمين والمسيحيين، وكانت تحضره شخصيات وازنة من أمثال المفكر المسيحي الشهير لوي ماسينيون”.
من جهته، أكد ممثل عن مؤسسة ذاكرة من أجل المستقبل، على أهمية الذاكرة الجمعية لتعزيز قيم المواطنة الديمقراطية، مشددا على ضرورة الحفاظ على ذاكرة دير تومليلين باعتبارها نموذجا ملهما للأجيال المقبلة.
وأشار إلى أن هذا اللقاء يشكل “لحظة تاريخية” للنهوض بالحوار حول مفهوم الآخر لربط الذاكرة والتاريخ بالحاضر بغية إتاحة الفرصة أمام الأجيال الصاعدة لاستحضار هذا الجزء من التراث المشترك.
من جانبه، قال كريستيان دولاغبغ، عن المعهد الكاثوليكي في تولوز، إن هذا اللقاء الدولي يشكل مبادرة هامة لتعزيز الانفتاح على الآخر والحوار بين الأديان، مشددا على أهمية التعايش السلمي والدفاع عن القيم الكونية لتكريس روح التعددية والانفتاح.
بدورها، أكدت بارون مارتين جونيت دو باسمومبيير، رئيسة مؤسسة مستقبل 21، على أهمية الحوار مع الآخر للنهوض بالبناء المشترك لمستقبل الإنسانية والمساهمة في تعزيز السلم والتعايش، مبرزة أن هذا اللقاء يشكل مناسبة لاستحضار جماعي لفضاء التسامح الذي مثله دير تومليلين.
أما سفير الفاتيكان بالمغرب، فيتو رالو، فقد أشاد بهذه المبادرة الهامة التي تعزز روح التوافق والتعايش والحوار بين الأديان من أجل العمل جنبا إلى جنب لبناء مسار مشترك، مؤكدا على الأهمية التي تكتسيها مساهمة الثقافة والفلسفة والأديان بشكل فعال في بناء القيم الإنسانية المبنية على الأخوة والتسامح.
واستحضر، في هذا السياق، تاريخ المغرب في النهوض بالعيش المشترك والانفتاح على الآخر، والدور الذي يضطلع به أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس، في تعزيز الحوار بين الأديان وحماية اليهود المغاربة، والمسيحيين القادمين من الدول الأخرى، الذين يعيشون في المغرب.
من جهته، أشاد الكاردينال كريستوبال لوبيز روميرو، أسقف الرباط، بتشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل، مشيرا إلى أن روح تومليلين حاضرة بقوة وتساهم اليوم في تعزيز قيم التعايش المشترك.
كما نوه بأهمية الحفاظ على ذاكرة تومليلين من أجل إثراء هوية المملكة القائمة على أسس القيم الإنسانية المشتركة والانفتاح على الآخر والحوار بين الأديان والشعوب.
يشار إلى أن هذا اللقاء الدولي، الذي يشهد مشاركة العديد من الشخصيات الدولية من مشارب مختلفة، أكاديمية ودبلوماسية وسياسية وعلمية، يركز على أهمية الحفاظ على الذاكرة بشكل عام ونقلها إلى الأجيال اللاحقة، وذلك على غرار “اللقاءات الدولية” التي كانت تعقد في الدير البندكتي لتومليلين، خلال العقد الممتد من 1956 إلى 1966، باعتبارها محفلا للنقاشات المسكونية و للحوار بين الأديان، والتي شكلت الفضاءات الأولى للنقاش والحوار والتكوين على المواطنة في قارة إفريقيا.
ورغبة في تعزيز وترسيخ عدد من قضايا الحفاظ على الذاكرة في علاقتها بمفهوم الآخر، حرصت الرابطة المحمدية للعلماء عبر مركز التعارف التابع لها، ومؤسسة ذاكرة من أجل المستقبل على أن يعقد هذا الاجتماع جزئيا في موقع الدير القديم، وذلك بهدف إعطاء الذاكرة مكانتها كحافز لعملية الانفتاح على الآخر، والتأكيد على أهمية الحفاظ عليها.
ويأتي لقاء هذه السنة استمرارا للقاء العلمي الافتراضي الذي نظمته الرابطة المحمدية للعلماء سنة 2021، من خلال مركز التعارف التابع لها (مركز البحث والتكوين في العلاقات بين الأديان وبناء السلم) في موضوع “الحفاظ على الذاكرة ونقلها لترسيخ مفهوم الآخر”، بشراكة مع سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالمغرب ومؤسسة ذاكرة أجل المستقبل وأرشيف المغرب.

Related posts

Top