أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أول أمس السبت لقادة دول الخليج وثلاث دول عربية أخرى خلال لقائه بهم في جدة أن واشنطن “لن تتخلى” عن الشرق الأوسط حيث تؤدي منذ عقود دورا سياسيا وعسكريا محوريا، وأنها ستعتمد رؤية جديدة للمنطقة الاستراتيجية ولن تسمح بوجود فراغ تملؤه قوى أخرى.
وغادر بايدن السعودية في ختام جولة شرق أوسطية شملت أيضا إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وأثار لقاؤه خلالها مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، انتقادات واسعة، لا سيما داخل الولايات المتحدة.
وفي كلمة أمام الرؤساء والملوك والمسؤولين الممثلين لست دول خليجية والأردن ومصر والعراق، شدد بايدن على أنه أول رئيس أميركي منذ هجمات 11 شتنبر 2001 يزور الشرق الأوسط دون أن يكون الجيش الأميركي منخرطا في حرب في المنطقة. وقال “لن نتخلى (عن الشرق الأوسط) ولن نترك فراغا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران”.
وأضاف “اسمحوا لي أن أختتم بتلخيص كل هذا في جملة واحدة: الولايات المتحدة ملتزمة بناء مستقبل إيجابي في المنطقة، بالشراكة معكم جميعا، ولن تغادر”.
وصفق الحاضرون للرئيس البالغ 79 عاما. وكان بايدن عقد أول أمسالسبت لقاءات منفصلة مع كل من الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ودعاه لزيارة واشنطن، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والرئيس المصري عبد الفت اح السيسي.
وبعدما تعر ض لانتقادات عدة في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بسبب لقائه الأمير محمد بن سلمان الذي تت همه الاستخبارات الأميركي ة بالوقوف خلف جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي في 2018، قال بايدن للحاضرين “المستقبل للبلدان التي تطلق العنان للإمكانات الكاملة لسك انها (…) بحيث يمكن للمواطنين استجواب القادة وانتقادهم بلا خوف من الانتقام”.
وبعد ساعات، صدر بيان مشترك تعهد فيه القادة “الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين” وتعميق تعاونهم الدفاعي والاستخباري.
كما شدد البيان على الجهود الدبلوماسية لمنع إيران من تطوير سلاح نووي، داعيا خصوصا إلى تعزيز قدرات الردع المشتركة “ضد التهديد المتزايد” الذي تشكله الطائرات بدون طيار، في إشارة إلى طهران التي كشفت الجمعة عن سفن قادرة على حمل طائرات بلا طيار.
وفي بيانهم المشترك، أقر القادة “بالجهود المستمرة (التي يبذلها) أوبك+ لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية”، مرحبين بإعلان منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الأخير “زيادة المعروض على مدار شهري يوليوز وغشت”.
تقول إدارة بايدن إن ها تريد الترويج لـ”رؤية” جديدة للشرق الأوسط تقوم على الحوار والتعاون الاقتصادي والعسكري، مدعومة بمحاولات لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربي ة.
لكن ذلك لم يمنع بايدن من التشديد خلال زيارته على أن الولايات المتحدة “لن تتسامح مع محاولة دولة واحدة الهيمنة على دولة أخرى في المنطقة من خلال التعزيزات العسكري ة أو التوغل أو التهديدات”، في إشارة خصوصا إلى إيران التي يتهمها جيرانها بمحاولة زعزعة استقرار المنطقة.
وأعلن بايدن خلال اللقاء، مساعدة أميركي ة بقيمة مليار دولار للأمن الغذائي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسط تصاعد أزمة الغذاء على وقع الحرب في أوكرانيا.
وقر رت الولايات المتحدة تقديم مساعدات سنوي ة للأردن بقيمة 1,45 مليار دولار من سنة 2023 حت ى 2029.
غير أن الحدث الأبرز في الرحلة يتم ل في الصورة التي جمعته مع محمد بن سلمان الذي كان يستقبله عند مدخل قصر السلام في جدة، ويسلم عليه بقبضة اليد. وقد التقى بايدن في القصر، الملك سلمان بن عبد العزيز وعقد جلسة عمل مع ولي العهد.
وقال بايدن مساء الجمعة إنه أثار مع بن سلمان مسألة جريمة قتل الصحافي وأبلغه بأنه “إذا حدث أمر مماثل مجددا، سيكون هناك رد وأكثر”.
في المقابل، شك ك وزير الدولة للشؤون الخارجي ة عادل الجبير في الخلاصة التي توص لت إليها الاستخبارات الأميركية، قائلا في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركي ة، “نحن نتذكر خلاصة مجموعة الاستخبارات في ما يتعلق بامتلاك صد ام حسين أسلحة دمار شامل”، في إشارة إلى أن هذه الخلاصة التي لعبت دورا أساسيا في الاجتياح الأميركي للعراق لم ت ثبت على الأرض.
وقال أيض ا إن المملكة تعتقد أن ه تم التعامل مع القضي ة بشكل كاف، على الرغم من عدم العثور على رفات خاشقجي.
وتابع الجبير “حق قت السعودية في هذه الجريمة، وحاسبت المسؤولين عنها، وهم يدفعون ثمن الجريمة التي ارتكبوها”، مضيفا “حق قنا وعاقبنا وات خذنا إجراءات لضمان عدم تكرار ذلك. هذا ما تفعله الدول في مثل هذه المواقف”.
ونشرت صحف أميركي ة كبرى عد ة على صفحاتها الأولى صورة التحي ة التي باتت رائجة منذ انتشار فيروس كورونا. وات هم ناشطون الرئيس الأميركي بالتنازل من أجل قليل من النفط، إذ حاول بايدن إقناع المملكة بضخ مزيد من النفط لمواجهة الأسعار المرتفعة على خلفي ة الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال بايدن أمام الصحافة مساء الجمعة “أفعل كل ما في وسعي لزيادة الإمدادات للولايات المتحدة”، مشيرا الى أن نتيجة سعيه لن تظهر “قبل أسبوعين آخرين”.
وفي بيان مشترك نشره الإعلام الرسمي السعودي، جد دت الولايات المتحدة والسعودية “التزامهما باستقرار أسواق الطاقة العالمية”. واتفق الطرفان على “التشاور بانتظام بشأن أسواق الطاقة العالمية على المديين القصير والطويل”.
وقد وقع الجانبان خلال الزيارة 18 ات فاقي ة ومذكرات للتعاون المشترك في مجالات الطاقة والاستثمار والاتصالات والفضاء والصحة، بينها تعزيز تطبيق الجيل الخامس من الإنترنت، وفقا للإعلام الرسمي السعودي.
كما وقع وزير الطاقة السعودي ووزير النفط العراقي المحضر التنفيذي الخاص بمبادئ اتفاق الربط الكهربائي بين المملكة والعراق.
وأثارت زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط تكه نات حول تقارب محتمل بين الدولة العبري ة والسعودية، بعد تطبيع أربع دول عربي ة خلال السنتين الماضيتين علاقاتها مع إسرائيل، وبعد مؤشرات إلى محاولات لإحداث تغيير إيجابي في الرأي العام السعودي إزاء هذه المسألة.
وقبل وصوله إلى المملكة آتي ا من إسرائيل على متن أو ل رحلة مباشرة من الدولة العبري ة إلى السعودية لرئيس أميركي، أعلنت الرياض فتح أجوائها “لجميع الناقلات الجو ية”، بما فيها الطائرات الإسرائيلي ة. وسارع بايدن إلى الإشادة بهذا القرار، واصفا إياه بأنه “تاريخي”.
لكن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أعلن السبت أن قرار السعودية رفع القيود المفروضة على جميع شركات الطيران لاستخدام مجالها الجو ي ليس إشارة إلى أي دفع بات جاه إقامة علاقة مستقبلي ة مع إسرائيل.
وقال بن فرحان في مؤتمر صحافي “هذا لا علاقة له بالعلاقات الدبلوماسي ة مع إسرائيل”، مضيفا أنه “ليس في أي حال من الأحوال تمهيد ا لخطوات لاحقة”.