بركان أيسلندا وقمة النضج الاحترافي

عاشت أوروبا ومعها العالم أياما عصيبة، من جراء ثورة بركان أيسلندا وما خلفته حممه من تأثير على حركة الطيران عبر العالم، حيث بقيت الطائرات جاثمة في جل المطارات، وظل الآلاف من المسافرين عالقين، سواء ببلدانهم أو خراجها، وما تكبدته شركات الطيران ووكالات الأسفار والفنادق والحركة السياحية والاقتصادية، من خسائر باهظة، من المتوقع أن تطول تبعاتها السلبية لعدة سنوات. رؤساء دول وحكومات غابوا عن مواعيد رسمية مهمة، ألغيت الكثير من الأنشطة الرسمية وغير الرسمية بالعديد من الدول عبر القارات الخمس. وحدها الحركة الرياضية بأوروبا لم تتوقف، ولم تؤجل المباريات، كما أن المواعيد لم تلغ نهائيا، واستمرت الجدولة المحددة والمعلن عنها من قبل، كما هي دون تغيير يذكر. إنها قوة الرياضة وتأثيرها الكبير والنافد على جميع المستويات… ففريق برشلونة مثلا، بنجوم  كبار تزن ذهبا، وثقل خاص على الصعيد الدولي، قطع بواسطة الحافلة مئات الكلومترات، ليلعب ذهاب نصف نهاية عصبة الأبطال الأوروبية لكرة القدم بملعب سانسيرو بميلانو ضد الأنتر الايطالي، ورغم الخسارة الكبيرة التي لحقت به، من جراء العياء الذي ظهر على أغلب لاعبيه، فإن إدارته لم تقم الدنيا، لم تحتج بشدة على الاتحاد الأوروبي، ولم تطلب امتيازا من الجامعة الاسبانية. نادي فولهام الانجليزي، قطع أكثر من 1500 كلم برا، لخوض مقابلته ضد هامبورغ الألماني في ذهاب نصف نهاية “أوروبا ليغ”، كما يفرضه ذلك البرنامج المحدد، ورغم كل هذه الإكراهات والحالات الطارئة، لم نسمع كون هذه الفرق طلبت تأجيل مبارياتها ضمن الدوري المحلي، حيث أحترم البرنامج العام كما هو، باليوم والساعة والمكان. ونحن نتحدث بكثير من الإعجاب عن هذا الاحترام الكبير إلى حدود القداسة، للبرنامج المحدد بالقارة الأوروبية، نستحضر اللغط الذي يواكب سنويا مشاركة الأندية المغربية بالكؤوس الإفريقية، وما تخلفه أسبوعيا من تأثيرات على البرمجة، حتى خلال الأيام العادية، أما عند حدوث حالات طارئة، فإن الأمر يبلغ درجة الفضاعة. فقد تعودنا على مطالبة الأندية المغربية بمنحها امتيازا خاصا، فيما يخص البرمجة. وإذا كان هذا المطلب مسألة معقولة ومنطقية، إلا أن هذه الأندية لا تتردد في ممارسات الضغط إلى أقصى الحدود، ضغط يتجاوز البرمجة المتفق عليها، ليطرح إشكالا كبيرا أمام السير العام للبطولة ككل. والغريب أن مبررات هذه الأندية تكون في بعض الأحيان غير مسؤولة، كمن قبيل تأخر الطائرة، عدم وجود حجز بالفندق، تأخر الإقلاع، وغيرها من الحالات التي أصبحت مألوفة، ومن الضروري توفر الأندية على الطرق الإدارية والمالية، قصد معالجتها في حينها. صحيح أن اختلاف هنا كبير بين واقع الأندية بأوروبا وواقع حال فرقنا الوطنية، والقياس هنا غير منطقي تماما نظرا لوجد الفارق، ليس فقط في الإمكانيات والهيكلة والتنظيم، لكن كذلك في العقليات وروح المسؤولية واحترام التخصص، وانعدام مرض خطير اسمه.. التطفل، كما أن الاختلاف يكمن كذلك في طرق التنقل بين أوروبا وإفريقيا، فأغلب الرحلات بالقارة السمراء تمر عبر القارة العجوز، مما يفرض اتخاذ تدابير إضافية، غير  مطروحة بالعالم المتقدم.   إلا أن الأندية المغربية “الكبيرة”، والتي تعودت على المشاركة بمختلف الاستحقاقات القارية، وتتمتع بتجربة لا يستهان بها، كما تحظى بدعم مالي مستحق من طرف الجامعة، -دعم من المفروض تعزيزه وتقويته-، لم تتمكن من اكتساب مناعة ضد المفاجآت التي تفرزها عادة قارة المتناقضات، تقوي جلدها وتحميها من التأثيرات الجانبية، لتجدها تعاني في كل مرة أمام حالات أصبحت عادية، لينعكس ذلك على الجو العام للبطولة ككل.  المؤكد أن المشكل الذي تعاني منه الأندية الوطنية، يكمن في عدم القدرة على التحول إلى مؤسسات قائمة الذات، إداريا، ماليا وتقنيا،  صحيح أن الإمكانيات تلعب دورا أساسيا في هذا الإطار، إلا أن البناء يبدأ بخطوة، والأمل معقود على التغييرات والقوانين الجديدة لحدوث هذه النقلة النوعية، التي انتظرتها طيلة عقود كرة القدم والرياضة الوطنية بصفة عامة…

Top