بعد تسقيف سن التوظيف وعجزها عن إصلاح أنظمة التقاعد .. الحكومة تسعى لتشغيل المسنين

بدأت الحكومة الحالية تتنصل من تحمل مسؤوليتها في ملف إصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب، وهو ما بدأت إرهاصاته الأولى، مع القرار المثير للجدل، لوزارة التربية الوطنية والشباب والرياضة، التي حددت سن الترشح لمباريات التعليم في أقل من 30 سنة، كإجراء يضمن المساهمة في الصناديق لأطول مدة ممكنة، بحسب الهيئات النقابية.
وإذا كانت الحكومات السابقة، قد اهتدت إلى إصلاح كارثة صناديق التقاعد، من باب الرفع في معدل العمر من 60 إلى 63 سنة للحصول على التقاعد، فإن الحكومة الحالية ترى بأن كبار السن يجب أن يستمروا في العمل إلى آخر رمق في حياتهم، بحجة أنهم يشكلون مصدرا للثروة والإنتاج، ومن ثم تدعو إلى استمرار إدماجهم في سوق الشغل، والحقيقة هو أن فئة المسنين تستمر بالفعل في العمل مكرهة، لأن تقاعدها الزهيد لا يمكنها من تسديد مصاريف الحياة اليومية في ظل الارتفاع الصاروخي للأسعار.
ومناسبة هذا الحديث، هو تنظيم الصندوق المغربي للتقاعد، النسخة الرابعة للقاءات العلمية، التي تم تنظيمها يوم السبت الماضي بالرباط، تحت شعار “إدماج كبار السن.. فرصة لتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية”، حيث اتجهت مختلف الآراء نحو ضرورة حفاظ كبار السن على نشاطهم في العمل، بدل الحديث عن المشاكل التي تتعلق بإصلاح التقاعد، لإنقاذ مستقبل الملايين من المنخرطين، أو التطرق إلى التقاعد الهزيل الذي يستفيد منه المنخرط أو ذويه بعد الوفاة.
وإذا كان الكاتب العام لوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، نور الدين بنخليل، قد تحدث، خلال مداخلته، عن ضرورة حفاظ كبار السن على نشاطهم وإدماجهم في سوق الشغل لأنهم يشكلون فرصة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فلا بد من تنبيه هذا المسؤول في ديوان الوزير بالحكومة، إلى أن معدل البطالة يسجل اليوم في صفوف الشباب 12.7 في المائة، وهنا يطرح السؤال حول كيف لهؤلاء المسنين أن يستمروا في نشاطهم، في حين أن فئة كبيرة من الشباب لم تشتغل بعد، علما أن في صفوفها عدد كبير من حاملي الشهادات العليا.
وذكر نور الدين بنخليل الذي مثل وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، في اللقاء، بوجود بعض المقتضيات المساعدة على الحفاظ على نشاط كبار السن في المغرب، لاسيما الإبقاء على الشغل المؤدى عنه، والتشريع الخاص بالعمال غير الأجراء، وكذا التطوع عن طريق التعاقد، مشيرا أيضا إلى أهمية وضع نظام للتكوين مدى الحياة، ووضع إجراءات تحفيزية لنشاط كبار السن، وتكييف مناصب الشغل، بما يتيح الإبقاء على كبار السن في حالة نشاط.
وبحديثه عن كل هذه النقط، يبدو أن ممثل وزير الإدماج الاقتصادي قد تناسى أن معظم المسنين اليوم ساخطون على ظروف العمل التي كانوا يشتغلون فيها، وعلى الأجور المتدنية التي كانوا يتقاضونها، ناهيك عن المجالات التي بدلوا فيها مجهودا بدنيا مضنيا والتي تجعلهم يركزون على التقاعد طمعا في الراحة البدنية والنفسية.
وبالفعل أصبح سوق الشغل المغربي يستقبل الأشخاص المسنين، لكن ليس بفعل الاختيار الذاتي، بل لأنهم مدفوعون نحو ذلك نتيجة التقاعد الهزيل، حيث نجد أغلب المسنين حراسا للسيارات، والعمارات، والمدارس، أو يبيعون الخضر والفواكه بين الأزقة والدروب….
وإذا كانت الحكومة قد فتحت نقاش عمل المسنين بعد التقاعد من الآن، على أساس العمل بهذا النظام في القادم من العقود، فإن ذلك لن يتأتى إلا بتخفيض معدل البطالة أولا، لأن سوق الشغل المغربي يظل عاجزا تماما عن امتصاص المعدلات المرتفعة للبطالة.
وإذا كان الجيل الجديد من الشباب يلج إلى العمل، فإن الكثير منهم يعاني من البطالة المقنعة، بفعل العقود المحدودة المدة، التي بدأت تزحف نحو الوظيفة العمومية أيضا.
وفي هذا الصدد، شدد مدير الصندوق المغربي للتقاعد، لطفي بوجندار، خلال اللقاء ذاته، على ضرورة عادة النظر في دور كبار السن في المجتمع، سواء بوصفهم يدا عاملة مؤهلة، أومقاولين يساهمون في خلق مناصب الشغل، أو بكونهم فاعلين نشيطين في المجتمع المدني.
ولم يتوقف لطفي بوجندار عند هذا الحد من في حديثه عن خصوصية تشغيل المسنين، بل اعتبر هؤلاء ضحية للصور النمطية “التي تؤثر على تقديرهم لذواتهم، وعلى رفاهيتهم، وعلى قدرتهم للاستمرار في الإنتاج”، مقرا بشكل غير مباشر بالتقاعد الهزيل الذي يتقاضونه مباشرة بعد التوقف عن العمل، لهذا يضطر الكثير من المتقاعدين إلى مزاولة نشاط آخر، يكون في الغالب بعيدا كل البعد عن مهنتهم الأصل.
ونبه المتحدث عينه إلى أن المغرب في طريقه لإتمام تحوله الديموغرافي بسبب التأثير المزدوج لتحسن أمد الحياة وانخفاض معدل الخصوبة، حاثا على ضرورة هيكلة سوق الشغل والقوانين المعمول بها باعتبارها تشكل أحيانا عائقا أمام إدماج كبار السن، أو على الأقل عدم تشجعيهم.

 يوسف الخيدر

Related posts

Top