بلا مزايدات

أبرزنا في عدد أمس رفضنا للعنف الذي مارسته قوات الأمن في الدار البيضاء ضد المحتجين وضد الصحفيين، وبنفس القوة وبذات المبدئية نلفت اليوم إلى أن في الساحة السياسية «أو على الأصح الاحتجاجية» هذه الأيام كثير غرابة تحيط بنا.
من المؤكد أن الخطاب الملكي لتاسع مارس أسس للحظة تحول تاريخية، ووضع المغرب في دينامية التقدم، التي من شأنها الانتقال بالبلاد إلى مرحلة ديمقراطية جديدة، وعندما يتواصل الرفض لهذه الدينامية، حتى قبل انطلاق مقدمات بلورتها، فإن سؤالا مشروعا يفرض نفسه: ماذا يريد الرافضون اليوم؟
النقاش يذهب هنا إلى عمق المواقف السياسية، وليس إلى الحق المبدئي في التعبير عن الرأي، حتى لا ترتفع المزايدات من جديد، والاتهام بمصادرة الحقوق، فهذه الأيام بتنا نسمع دقات المزايدات، وهي أسرع من دقات القلب.
عندما تلتقي مواقف وخرجات أقصى الثوريين بمثيلتها عند أقصى الأصوليين، وتخرج العقلية موحدة للشارع، وترفع الشارات معا وأيضا الأصوات، هنا سؤال جوهري آخر يطرح، ويتعلق بالغاية، ويجعلنا نحتمي بالتاريخ، ونتذكر الرفض المبدئي للتطرف بكل الأشكال والملل والنحل.
قرأنا وسمعنا مطالب الكل لسنوات، واليوم عندما حمل تاسع مارس أجوبة  للكثير منها، وصارت المرحلة تتطلب تعبئة لإنجاح دينامية الإصلاح، والانتقال ببلادنا إلى مستوى آخر، يعمد بعضنا إلى استدعاء لغة الإسقاط من ديناميات مجتمعية أخرى، وتقليدها في الشعار وفي الحركة. الأسلوب هنا لا يختلف عن عقلية استدعاء النماذج من الماضي ومن القرون الغابرة، وبالتالي ليس غريبا أن يتحول بعض ثورويينا إلى ماضويين جدد، وإلى الانخراط في عقلية الإسقاط الملفوفة بكل أشكال المزايدة والهروب إلى الأمام.
كم نحتاج فعلا اليوم إلى العقل..
لن نكتفي بالقول إن المتحلقين اليوم حول دائرة الرفضوية الغريبة ليسوا سوى أقلية قليلة، ومن ثم فمن باب احترام الديمقراطية القبول بالنزول إلى «الإرادة الشعبية» واختبار التمثيلية، ولن نكتفي أيضا  بإبداء التخوف من وجود أطراف وعقليات تستغل «قصعة» العدمية المتاحة من لدن هؤلاء في الشارع للنفخ في الرماد قصد إشعال حرائق متخيلة، بل إننا نعتقد أن المرحلة في بلادنا لا تحتاج إلى التأزيم.
اليوم يطرح على بعض هواة المزايدة سؤال العمل السياسي الديمقراطي، وقواعده السلوكية وطبيعته النضالية، وبالتالي الانتباه إلى أن الارتباك أحيانا في التعامل مع ما يستجد من متغيرات أو ما يتحقق من مكاسب ديمقراطية، والافتقار إلى وضوح الرؤية، قد يصيب بالعجز عن ابتداع المواقف وأيضا أشكال الترافع والنضال والتحالفات، وهنا تغيب الرصانة لتحل مكانها لغة العواطف والتجييش.
إن البلاد تحتاج اليوم إلى تصورات ومقترحات تصنع المداخل لمسلسل الإصلاح، أما المزايدات فلم تصنع أجوبة عبر التاريخ.
[email protected]

Top