بنك المغرب يعيد صكوكا بقيمة 15 مليار درهم لتعزيز السيولة وتحفيز الاستثمار

استبق المغرب احتمال احتداد زيادة كلفة اقتراضه من السوق المحلية، باللجوء إلى آلية لم يسبق أن استخدمها، في مسعى منه لتهدئة سوق أدوات الدين وإتاحة سيولة وفيرة بها بعد أن رفع الفائدة مرتين العام الماضي لمواجهة التضخم.

وتمثلت الآلية الجديدة التي تم تفعيلها خلال الأسبوع الماضي، في شراء البنك المركزي لسندات خزينة في السوق الثانوية من البنوك بقيمة 15 مليار درهم (1.4 مليار دولار)، وذلك للمرة الأولى في تاريخه.

وتشير المعطيات الرسمية إلى أن متوسط أجل استحقاق السندات التي اشتراها وصل إلى ستة أشهر ونصف الشهر، ومعدل عائد يصل إلى 3.34 في المئة.

وما يؤكد هذا الاتجاه أن المركزي قام بعملية مماثلة الاثنين الماضي واشترى سندات بقيمة 1.3 مليار درهم (130 مليون دولار) من البنوك بأجل استحقاق يناهز ثلاثة أشهر ومعدل عائد يصل إلى 3.16 في المئة.

وفي ضوء ذلك يكون البنك قد أعاد شراء سندات سيادية من السوق الثانوية بقيمة تتجاوز 1.5 مليار دولار في غضون أسبوع.

ويقول خبراء إنه رغم أن لوائح البنك تسمح بذلك لم يلجأ إلى هذه السياسة النقدية في السابق، وهو ما يؤشر على قرار استباقي لتفادي التأثير الكبير لقرارات رفع سعر الفائدة على السوق المحلية.

وللمرة الأولى منذ العام 2008 رفع المركزي العام الماضي الفائدة بنقطة مئوية لتصل إلى 2.5 في المئة، كما لم يغيرها منذ يونيو 2020 عندما خفّضها بمقدار 50 نقطة إلى 1.5 في المئة لدعم الاقتصاد المغربي الذي تضرّر من أزمة كورونا.

ولم يتم الإعلان عن معدل التضخم لكامل العام الماضي، لكن المركزي يتوقع أن يبلغ 6.6 في المئة ارتفاعا من 1.4 في المئة بمقارنة سنوية، مدفوعا بتسارع وتيرة ارتفاع أسعار الوقود والغذاء التي ساهمت في وصوله خلال نوفمبر الماضي إلى مستوى قياسي عند 8.3 في المئة.

ونسبت وكالة بلومبيرغ الشرق إلى عمر باكو، الخبير الاقتصادي المتخصص في سياسة الصرف، قوله إن “العملية التي قام بها المركزي سينتج عنها ضخ سيولة جديدة في السوق النقدية”.

وأرجع الخطوة إلى “ملاحظة المركزي لجوء البنوك إلى رفع عائد أدوات تمويل الخزينة بسبب التخوف من زيادة جديدة للفائدة مستقبلا”.

وبحسب نشرات نتائج إصدار سندات الخزينة لوزارة الاقتصاد والمالية، ارتفع العائد على سندات الخزينة في الأسبوع الأول من العام الجاري مقارنة بنهاية 2022، حيث تراوحت الزيادة ما بين 21 نقطة و161 نقطة أساس حسب أجل الاستحقاق.

وتراجع سعر السندات التي اشتراها المركزي في السوق الثانوية لأجل 6 أشهر، وارتفع عائدها من 3.07 في المئة في نهاية ديسمبر الماضي إلى 3.35 في المئة في السادس من يناير الجاري، أي بزيادة 28 نقطة أساس، فيما قام بشرائها عند عائد 3.34 في المئة.

وقال الخبير المصرفي المغربي زكريا كارتي إن “الحكومة لجأت إلى الاقتراض من السوق المالية في العام الماضي بفائدة منخفضة على نحو لا يعكس حقيقة وضع السوق، الأمر الذي لم يرغب المستثمرون في استمراره ليقرروا مع بداية 2023 تطبيق فائدة مرتفعة”.

وظاهريا، يُفهم أن عملية المركزي تدخل في إطار سياسة نقدية تيسيرية تناقض سياسته التشديدية القائمة على رفع الفائدة، لكن باكو أوضح أنها “عملية دقيقة يهدف من خلالها البنك المركزي إلى تفادي التأثير السلبي على تمويل الخزينة في السوق النقدية”.

واعتبر أن “الهدف الحقيقي للمركزي هو مواكبة قرار رفع الفائدة بعدما لاحظ أن ظروف تمويل الخزينة تأثرت سلبا، ليقرر طمأنة البنوك لكي تستمر في التمويل بشروط مناسبة دون رفع كبير للفائدة، مقابل قيامه بشراء السندات كلما دعت الضرورة إلى ذلك”.

ويتفق كارتي مع هذا المنحى. وأشار إلى أن المركزي تدخّل لتصحيح خطأ من أجل تشجيع استمرار شراء المستثمرين لسندات الخزينة.

ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك، ويرى أن سبب استخدام المركزي لتلك الآلية يعود إلى حماية الودائع من تداعيات رفع سعر الفائدة.

وقال الخبير المصرفي زكريا فيرانو خلال حديثه مع بلومبيرغ الشرق إن “شح السيولة في السوق أثر على المؤسسات الاستثمارية والمنظومة البنكية وبالتالي تمويل خزينة البلاد”.

وأوضح أن البنك المركزي يسعى لخفض التضخم وقام برفع الفائدة في العام الماضي، لكنّ ذلك لم ينعكس على سعر أدوات الدين الحكومية التي يجب أن توفر عائداً أعلى من مستوى التضخم.

وأكد فيرانو أن هذه الخطوة تؤثر سلبا على مؤسسات التأمين والتقاعد التي تدير أكثر من 800 مليار درهم (78.9 مليار دولار)، ولذلك يقوم المركزي الآن بإجراء التوازن بين الأمرين من خلال خطوة شراء السندات.

واعتبر أن رفع الفائدة الرئيسي خلال العام الماضي مرتين أدى إلى انكماش السيولة في السوق الثانوية، وذلك نتيجة تراجع سعر السندات حتى أصبح المستثمرون في السوق غير قادرين على شرائها أو بيعها.

وتترقب السوق ما سيقرره بنك المغرب في أول اجتماع لمجلسه خلال هذا العام في مارس المقبل، وما إذا كان سيستمر في رفع سعر الفائدة أم سيثبته، لكن ذلك يبقى رهين ما سيسجله معدل التضخم خلال ديسمبر الماضي.

Related posts

Top