تخليد الذكرى 64 لاسترجاع مدينة طرفاية.. محطة تاريخية وضاءة في مسار الكفاح الوطني

مباشرة بعد استقلال المغرب، وقبل تسجيل قضية الصحراء بالأمم المتحدة سنة 1963، وفي الوقت الذي لم تكن فيه أي مطالب بخصوص تحرير الصحراء، باستثناء المطالب المشروعة للمغرب، بل وقبل أن تحصل الجزائر على استقلالها، أكد المغفور له جلالة الملك محمد الخامس في خطابه بمحاميد الغزلان في 25 فبراير 1958 بحضور وفود وممثلي القبائل الصحراوية، الحقوق التاريخية والشرعية للمغرب في صحرائه، حين قال أمام ممثلي وشيوخ القبائل الصحراوية، الذين وفدوا بكثافة لتقديم البيعة التي تربط الصحراء بملوك الدولة العلوية: “نعلن رسميا وعلانية، بأننا سنواصل العمل من أجل استرجاع صحرائنا، في إطار احترام حقوقنا التاريخية، وطبقا لإرادة سكانها”.

في أجواء الحماس الوطني والتعبئة المستمرة واليقظة الموصولة، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومة وجيش التحريـــر يومه الجمعة 15 أبريل 2022، الذكرى 64 لحدث استرجاع مدينة طرفاية إلى الوطن في نفس اليوم من شهر أبريل من سنة 1958.
لقد قدم المغرب جسيم التضحيات في مواجهة الوجود الأجنبي والتسلط الاستعماري الذي جثم بثقله على التراب الوطني قرابة نصف قرن، وقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب وجنوبه، والحماية الإسبانية بشماله وجنوبه، فيما خضعت منطقة طنجة لنظام حكم دولي، وهذا ما جعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة بذل العرش والشعب في سبيلها تضحيات جسام في غمرة كفاح وطني متواصل الحلقات طويل النفس ومتعدد الأشكال والصيغ لتحقيق الحرية والاستقلال والوحدة والخلاص من ربقة الاحتلال والتحالف الاستعماري ضد وحدة الكيان المغربي إلى أن تحقق النصر، وعودة جلالة المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية الشريفة من المنفى إلى أرض الوطن، في 16 نونبر 1955 حاملا لواء الحرية والاستقلال.
ولم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر لبناء المغرب الجديد الذي كان من أولى قضاياه تحرير ما تبقى من تراب المملكة من نير الاحتلال. وفي هذا المضمار، كان انطلاق جيش التحرير بالجنوب سنة 1956 لاستكمال الاستقــلال الوطني، ومواصلة مسيرة التحرير بقيادة جلالـة المغفور له محمد الخامس، بعزم قوي وإرادة صلبة وصمود وإصرار.
لقد كان خطاب جلالة المغفور له محمد الخامس بمحاميد الغزلان في 25 فبراير 1958 بحضور وفود وممثلي القبائل الصحراوية إيذانا وإعلانا عن إصرار المغرب على استعادة حقوقه الثابتة في صحرائه السليبة وحرصه على استعادة أراضيه المغتصبة.
وهذا ما أكده بشكل صريح وواضح جلالة الملك محمد السادس في خطابه التاريخي يوم 6 نونبر 2017 بمناسبة تخليد الذكرى 42 للمسيرة الخضراء المظفرة حيث يقول: “فخطاب محاميد الغزلان التاريخي يحمل أكثر من دلالة. فقد شكل محطة بارزة في مسار استكمال الوحدة الترابية، وأكد حقيقة واحدة، لا يمكن لأي أحد إنكارها، هي مغربية الصحراء، وتشبث الشعب المغربي بأرضه.
فمباشرة بعد استقلال المغرب، وقبل تسجيل قضية الصحراء بالأمم المتحدة سنة 1963، وفي الوقت الذي لم تكن فيه أي مطالب بخصوص تحرير الصحراء، باستثناء المطالب المشروعة للمغرب، بل وقبل أن تحصل الجزائر على استقلالها، قبل كل هذا، أكد جدنا، آنذاك، الحقوق التاريخية والشرعية للمغرب في صحرائه، حين قال أمام ممثلي وشيوخ القبائل الصحراوية، الذين وفدوا بكثافة لتقديم البيعة التي تربط الصحراء بملوك الدولة العلوية:
” نعلن رسميا وعلانية، بأننا سنواصل العمل من أجل استرجاع صحرائنا، في إطار احترام حقوقنا التاريخية، وطبقا لإرادة سكانها…”.
وهكذا، تحقق بفضل حنكة وحكمة جلالته وبالتحام وثيق مع شعبه الوفي، استرجاع إقليم طرفاية سنة 1958، والذي جسد محطة بارزة على درب النضال الوطني من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية.
وواصلت بلادنا في عهد جلالـة المغفور له الحسن الثاني مسيرتها النضالية حيث تم استرجاع مدينة سيدي افني سنة 1969، وتنظيم المسيرة الخضراء، مسيرة فتح الغراء في 6 نونبر 1975 التي جسدت عبقرية الملك الموحد الذي استطاع بأسلوب حضاري وسلمي يصدر عن قوة الإيمان بالحق، وما ضاع حق وراءه طالب، استرجاع الأقاليم الجنوبية إلى حوزة الوطن، وكان النصر حليف المغاربة، وارتفعت راية الوطن لترفرف خفاقة في سماء العيون في 28 فبراير 1976، مؤذنة بنهاية الوجود الاستعماري في الصحراء المغربية. وفي يوم 14 غشت 1979، استرجعت بلادنا إقليم وادي الذهب، وباسترجاعه تحققت الوحدة الترابية للبلاد.
وتواصلت ملحمة صيانة الوحدة الترابية، بكل عزم وحزم وإصرار، لإحباط مناورات الخصوم. والمغرب اليوم بقيادة جلالة الملك محمد السادس يقف صامدا في الدفاع عن حقوقه الراسخة، مبرزا بإجماعه الشعبي صموده واستماتته في صيانة وتثبيت وحدته الترابية، ومؤكدا للعالم أجمع من خلال مواقفه الحكيمة والمتبصرة، إرادته القوية وتجنده التام دفاعا عن مغربية صحرائه وعمله الجاد لإنهاء كل أسباب النزاعات المفتعلة، وسعيه الحثيث إلى تقوية أواصر الإخاء والتعاون بالمنطقة المغاربية خدمة لشعوبها وتعزيزا لاتحادها واستشرافا لآفاق مستقبلها المنشود.
وإن أسرة المقاومة وجيش التحرير وهي تخلد الذكرى 64 لاسترجاع مدينة طرفاية، لتجدد موقفها الثابت من قضية وحدتنا الترابية وتعلن استعداد أفرادها لاسترخاص الغالي والنفيس في سبيل تثبيت السيادة الوطنية بأقاليمنا الجنوبية المسترجعة ومواصلة الجهود والمساعي الحثيثة لتحقيق الأهداف المنشودة والمقاصد المرجوة في بناء وطن واحد موحد الأركان، قوي البنيان ينعم فيه أبناؤه بالحرية والعزة والكرامة.
كما تثمن عاليا المبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الصحراوية في ظل السيادة الوطنية لاسيما وأن هذا المشروع يحظى بدعم المنتظم الأممي ويعتبره المراقبون آلية ديمقراطية لإنهاء النزاع المفتعل بالمنطقة المغاربية والذي يسعى خصوم وحدتنا الترابية لتأبيده ضدا على الحقائق التاريخية التي تشهد على أن الصحراء كانت مغربية وستظل مغربية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولن يفرط المغرب قيد أنملة في حقوقه المشروعة بتثبيت سيادته على الأقاليم الجنوبية المسترجعة وسيظل مواصلا للتعاون مع المنتظم الأممي لإنهاء النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية المسترجعة وتمكين المنطقة المغاربية من السير على طريق التقارب والتعاون والعمل المشترك.
وهي نفس المرجعية التي أكد عليها جلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي بمناسبة الذكرى 46 للمسيرة الخضراء المظفرة في 6 نونبر 2022 حيث يقول:” “نحتفل اليوم، بكامل الاعتزاز، بالذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء. ويأتي تخليد هذه المناسبة المجيدة، في سياق مطبوع بالعديد من المكاسب والتحديات. فالدينامية الإيجابية، التي تعرفها قضيتنا الوطنية، لا يمكن توقيفها.
إن مغربية الصحراء حقيقة ثابتة، لا نقاش فيها، بحكم التاريخ والشرعية، وبإرادة قوية لأبنائها، واعتراف دولي واسع …
وبنفس الروح الإيجابية، نعبر عن تقديرنا، لتزايد الدعم الملموس لعدالة قضيتنا. وإننا نعتز بالقرار السيادي، للولايات المتحدة الأميريكية، التي اعترفت بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه…
فهذا التوجه يعزز بشكل لا رجعة فيه، العملية السياسية، نحو حل نهائي، مبني على مبادرة الحكم الذاتي، في إطار السيادة المغربية.
كما أن افتتاح أكثر من 24 دولة، قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، يؤكد الدعم الواسع، الذي يحظى به الموقف المغربي، لاسيما في محيطنا العربي والإفريقي.
وهو أحسن جواب، قانوني ودبلوماسي، على الذين يدعون بأن الاعتراف بمغربية الصحراء، ليس صريحا أو ملموسا”.
واستشعـارا لمسؤوليتها التاريخيـة وواجبها الوطني في تحصيـن الوحدة الوطنية والترابيــة، كثابت راسخ ضمن الثوابت العليا للوطن، فإن أسرة المقاومة وجيش التحرير تجدد وتؤكد وكسائر فئات الشعب المغربي ومختلف الهيآت السياسية والمؤسســات التمثيلية والقوى الحية في المجتمع، على تأييدها ودعمها للمواقف الرائدة وللتوجيهات الحكيمة التي يرعاها جلالـة الملك محمد السادس بالتصدي لكل المناورات التي تستهدف المس بسيادة بلادنا على ترابها المقدس وتحصين كل شبر من أراضيها في وحدتها التامة من طنجة إلى لكويرة، وتقوية الجبهة الداخلية للدفاع عن الوحدة الترابية التي كانت وستظل محط إجماع شعبي ومناط تعبئة شاملة ودائمة ومستمرة.
كما تنوه بالانتصارات الديبلوماسية المغربية بفضل التوجيهات السديدة والمتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، والتي تكللت بالاعتراف الأميريكي بالسيادة المغربية على أقاليمه الصحراوية، وتستبشر خيرا بتزايد وتنامي الدعم والتأييد الذي حظيت به المبادرات المغربية والقرار الأميريكي الأخير في أوساط المنتظم الدولي، إن على الصعيد الإقليمي أو القاري أو الدولي، وما أعقبها من فتح قنصليات عامة للعديد من الدول بكل من مدن العيون والداخلة التي بلغ عددها إلى حد الآن 24 ما بين قنصلية وتمثيلية اقتصادية.
وتعزز هذا الانتصار الدبلوماسي والمسار النضالي الوحدوي بالموقف الاسباني الإيجابي والداعم والمؤيد للمقترح المغربي بمنح حكم ذاتي واعتباره الأساس الواقعي والجاد وذي مصداقية لإنهاء النزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية المقدسة.ليؤسس هذا الموقف الاسباني لمرحلة جديدة في العلاقات المغربية الاسبانية مبنية على وضوح الرؤية والعمل المشترك، جسدتها الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الاسباني إلى بلادنا يوم الخميس 7 أبريل من الشهر الجاري بدعوة من جلالة الملك محمد السادس، هذه الزيارة التي حرص فيها رئيس الحكومة الاسبانية بيدرو سانشيس على تجديد التأكيد على موقف إسبانيا بخصوص ملف الصحراء، معتبرا المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف، كما جدد الطرفان تأكيد الإرادة في فتح مرحلة جديدة قائمة على الاحترام المتبادل، والثقة المتبادلة، والتشاور الدائم والتعاون الصريح واعتماد مبادئ الشفافية والحوار الدائم واحترام وتنفيذ الالتزامات والاتفاقات الموقعة بين الطرفين، ووضع خارطة طريق دائمة وطموحة بالنظر إلى حجم وأهمية الروابط الإستراتيجية التي تجمعهما، والتطلعات المشروعة لشعبيهما للسلام والأمن والرخاء.
وإن أسرة المقاومة وجيش التحرير بهذه المناسبة الوطنية لتستحضر المبادئ والمثل العليا وقيم النضال والذود عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية لإذكاء وإشاعة أقباسها وأنوارها في نفوس الناشئة والشباب والأجيال الحاضرة والقادمة، وإذكاء مواقفها الوطنية وانخراطها الايجابي الفاعل والملتزم بروح المواطنة المسؤولة لمواصلة مسيرات الحاضر والمستقبل، وإنجاز المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي والتنموي والنهضوي والتضامني، والارتقاء ببلادنا إلى المكانة المرموقة بين أمم وشعوب المعمور، ونشر قيم العدالة الاجتماعية والتضامن والتكافل الاجتماعي بين كل مكونات المجتمع المغربي، وتأهيل المواطن المغربي لمواجهة تحديات العصر، وكسب رهانات التنمية الشاملة والمستدامة والمندمجة.

< إعداد: سعيد ايت اومزيد

Related posts

Top