تشارلز الثالث يعلن ملكا وحداد على الملكة الراحلة إليزابيث الثانية

كرم العالم ذكرى الملكة إليزابيث الثانية التي رافقت البريطانيين مدة 70 عاما، الجمعة مع قرع أجراس الكنائس وطلقات مدفعية من أستراليا إلى المملكة المتحدة حيث تبدأ مرحلة حداد وطني من عشرة أيام، فيما أصبح نجلها البكر تشارلز ملكا.

ووعد تشارلز الثالث الجمعة، في أول كلمة له بصفته ملكا، بخدمة البريطانيين طوال حياته، مستعيدا الالتزام الذي قطعته والدته على نفسها في عيد ميلادها الحادي والعشرين.
وقال تشارلز “أجدد أمامكم هذا الالتزام بالخدمة طوال حياتي”، مشيدا بـ”حياة الخدمة” التي عاشتها والدته، وبـ”محبتها للتقاليد” و”تمسكها بالتقدم”.
وفي كلمة متلفزة من قصر باكينغهام الذي وصل إليه بعد الظهر، وصف الملكة الراحلة التي حكمت طوال سبعين عاما بأنها “مصدر إلهام ومثال” بالنسبة إليه وإلى عائلته.
وأضاف “كما فعلت الملكة بتفان راسخ، التزم بدوري الآن، طوال الوقت المتبقي الذي يمنحني إياه الله، بالدفاع عن المبادئ الدستورية التي هي في صلب أمتنا”.
وأعلن تشارلز أن نجله الأكبر وليام سيصبح أمير ويلز، مضيفا “أود أيضا أن أعرب عن محبتي لهاري و(زوجته) ميغن في وقت يواصلان بناء حياتهما في الخارج”، علما بأن العلاقات مع نجله الأصغر تدهورت في شكل ملحوظ.
ووصل هاري بمفرده الخميس، في رحلة تجارية، إلى بالمورال بعد إعلان وفاة الملكة، في حين نقل سلاح الجو الملكي أفرادا آخرين في العائلة الملكية وبينهم شقيقه وليام إلى اسكتلندا.
وعن زوجته كاميلا قال تشارلز “أعلم أنها ستفي بمتطلبات دورها الجديد بتفان راسخ أعول عليه كثيرا”.
وقال الملك الجديد أيضا “ولأمي الحبيبة، في وقت تبدأين رحلتك الكبرى الأخيرة للانضمام إلى والدي الراحل الغالي، أريد أن أقول هذا فقط: شكرا”.
وحيا الآلاف وصول تشارلز إلى قصر باكينغهام في العاصمة البريطانية.
واختلط الملك الجديد بالجموع أمام القصر بعدما ترجل من السيارة التي كانت تقله. وصافح الحشود فيما تعالت صيحات “فليحفظ الله الملك”.
وقالت رئيسة الوزراء الجديدة ليز تراس إن الملكة التي توفيت الخميس عن 96 عاما “كانت الصخرة التي قامت عليها بريطانيا العظمى الحديثة”.
ووقفت الحكومة، “المتحدة في دعمها جلالة الملك” الجديد، دقيقة صمت على روح الملكة التي اعتلت العرش مدة تزيد عن 70 عاما على ما أكدت رئاسة الحكومة البريطانية بعد اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء.
وأقيمت مراسم دينية مساء الجمعة في كاتدرائية القديس بولس في لندن بحضور تراس التي تلتقي الملك الجديد بعيد وصوله إلى لندن.
وعند ظهر الجمعة بالتوقيت المحلي (11,00 ت غ) قرعت أجراس الكنائس في كل أرجاء البلاد ولا سيما في كاتدرائية القديس بولس وكاتدرائية ويستمنستر وقصر ويندسور حيث كانت تقيم الملكة معظم الوقت. وقرع جرس مقر بلدية سيدني في أستراليا التي كانت إليزابيث الثانية تملك عليها أيضا، 96 مرة عن كل سنة من عمر الملكة الراحلة.
وأطلقت بعد ذلك 96 طلقة مدفع من أماكن عدة في العاصمة البريطانية مثل برج لندن ومتنزه هايد بارك فضلا عن قصور كارديف وادنبره ويورك وبورتسموث وجبل طارق.
توفيت الملكة الخميس “بهدوء” في قصر بالمورال في استكلندا بحضور ابنها تشارلز وابنتها آن. أما نجلاها الآخران اندرو وادوارد والأمير وليام الذي بات وريث العرش فقد وصلوا بعد وفاتها. وكانت صحتها المتراجعة منذ سنة تدهورت بشكل كبير الخميس ما دفع القصر الملكي إلى الإعراب ظهرا عن “قلق” الأطباء عليها في بيان نادرا ما يصدر عن العائلة الملكية.
وأعلن الملك الجديد أن الحداد الملكي الذي يشمل أفراد العائلة الملكية والعاملين فيها والحرس المشارك في المراسم، سيتواصل سبعة أيام بعد جنازة الملكة التي لم يؤكد موعدها بعد إلا أنه يتوقع أن تكون في 19 شتنبر. وستبقى الدارات الملكية مغلقة حتى مراسم الدفن والأعلام منكسة.
أما الحداد الوطني فيستمر إلى يوم الجنازة.
وتقاطر آلاف البريطانيين منذ الخميس إلى أمام قصر باكينغهام فضلا عن بالمورال حيث توفيت، وويندسور. وتصدرت صور الملكة الراحلة الصفحات الأولى للصحف البريطانية الجمعة مع إصدارات خاصة تكريما للراحلة التي كرست حياتها في خدمة التاج البريطاني وتجاوزت حقبات وأزمات بهدوء وابتسامة.
وقال غاري ميلار لوكالة فرانس وهو يضع باقة من الزهر في قصر هوليرودهاوس في أدنبره إن الملكة “حافظت على وحدة البلاد. كانت الشخصية الأساسية في وحدة بريطانيا العظمى”.
وقال اننتوني إيوانز (37 عاما) الذي أتى مع ابنه البالغ أربع سنوات ليضع باقة من الزهر في ويندسور “من الصعب تصور الحياة من دون الملكة”.
والملكة الراحلة المعروفة بحس الواجب والفكاهة، حاضرة جدا في حياة البريطانيين، ويظهر وجهها على الأوراق النقدية كما على الطوابع التي يتعين تغييرها الآن.
وحلت صورها مكان الإعلانات في محطات الحافلات في لندن فيما فتحت سجلات تعاز في بعض الكنائس وعبر الانترنت على موقع العائلة الملكية الرسمي.
ومع بدء الحداد الوطني، ألغيت فعاليات رياضية وثقافية بينما قررت متاجر كبرى إبقاء أبوابها مغلقة وعلق عمال السكك الحديد والبريد إضراباتهم المخطط لها في مواجهة أزمة غلاء المعيشة.
وأعلن بنك إنكلترا المركزي إرجاء اجتماعه للسياسة النقدية المرتقب جدا مدة أسبوع.
وأصبح تشارلز أكبر ملوك بريطانيا سنا عند توليه الحكم. وسيكون أمام الملك الجديد الأقل شعبية من والدته بكثير، الحفاظ على تمسك البريطانيين بالنظام الملكي إذ يعتبر البعض أنه بال، إلا أن إليزابيث الثانية تمكنت من المحافظة على رونقه.
ويتولى تشارلز العرش في مرحلة صعبة إذ تواجه المملكة المتحدة أسوأ أزمة اقتصادية في السنوات الأربعين الأخيرة. وتشهد البلاد توترات داخلية ناجمة من تبعات بريكست والطموحات الاستقلالية والتوتر في اسكتلندا وايرلندا الشمالية. وفي المستعمرات البريطانية السابقة التي لا تزال تابعة للمملكة المتحدة، تكثر الانتقادات للماضي الاستعماري فيما يتعزز المنحى الجمهوري فيها.
وبات تشارلز أكثر حضورا في الأشهر الأخيرة ومثل والدته التي عانت مشاكل صحية، إلا أنه يواجه تحديا آخر بعدما أصبح ملكا ورئيس 15 دولة من نيوزيلندا إلى بهاماس.
خلال عهدها التاريخي عاصرت إليزابيث الثانية 15 رئيس وزراء بريطانيا كانت تستقبلهم في جلسات أسبوعية وتصغي إليهم وتسدي النصح لهم من دون أن يرشح أي شيء عنها.
والتقت ليز تراس في غضون أربعة أيام عاهلين اثنين وهو أمر غير مسبوق في تاريخ بريطانيا.
وبعد الجنازة ستوارى الملكة الثرى في كنيسة قصر ويندسور في إطار مراسم عائلية.

*******

تتويج ملك بريطانيا مراسم فريدة وفخمة
 

تويج ملك بريطانيا حفل فخم وفريد من نوعه في أوروبا تعود بعض قواعده إلى عدة قرون. وتطلب تتويج إليزابيث الثانية في 1953 أكثر من عام من التحضير.
لا يتم تتويج الملك فور وفاة سلفه احتراما لفترة الحداد وإتاحة الوقت لتنظيم الحفل.
فإليزابيث الثانية التي أصبحت ملكة في السادس من فبراير 1952 يوم وفاة والدها، توجت بعد 15 شهرا في الثاني من يونيو 1953 بحضور أكثر من ثمانية آلاف شخص في كنيسة ويستمنستر.
ويرجح خبير النظام الملكي البريطاني بوب موريس أن يفضل الملك الجديد البالغ من العمر 73 عاما حفل “تتويج أسرع وأصغر حجما”.
يقام الحفل في كنيسة ويستمنستر ويرأسها كبير أساقفة كانتربري الشخصية الدينية الأولى في الكنيسة الأنغليكانية والثاني في رئاستها بعد العاهل البريطاني.
ويقدم رئيس أساقفة كانتربري أولا الملك الجديد للجمهور الذي يهتف له.
بعد ذلك، يؤدي الملك يمين التتويج (قانون قسم التتويج) الذي تمت صياغته في 1688. وبموجب هذا القسم يتعهد رسميا بأن يحكم شعبه وفقا للقوانين التي يقرها البرلمان وبأن يفرض القانون والعدالة “برأفة” و”يفعل كل ما هو ممكن” من أجل الحفاظ على الكنيسة الأنغليكانية والبروتستانتية.
ثم يمسح أساقفة كانتربري بالزيت المقدس ويبارك الملك الجالس على كرسي الملك إدوارد، العرش الذي صنع في 1300 ويستخدم في كل تتويج منذ 1626.
ويتسلم الملك أخيرا الإشارات الملكية وخصوصا صولجان ثم التاج، الذي يضعه كبير أساقفة كانتربري على رأسه.
ويقوم أعضاء العائلة الملكية بتكريمه ثم يحتفل بمراسم المناولة.
وما لم يتخذ قرار مختلف، إذا كان الملك الجديد رجلا تعلن زوجته ملكة ويتم تتويجها وفق مراسم مماثلة لكن مبسطة.
وفي تتويج تشارلز الثالث، قد لا تصبح زوجته كاميلا ملكة ولكن فقط “قرينة الملك” لأنها ليست الزوجة الأولى للملك.
وإذا اعتلت ملكة للعرش لا يصبح زوجها ملكا ولا يتلقى المسحة المقدسة.
المملكة المتحدة هي النظام الملكي الوحيد في أوروبا الذي ما زال يستخدم الإشارات (الأزياء والسمات الملكية مثل الصولجان أو بعض السيوف) خلال احتفالات التتويج.
وتاج سانت إدوارد الذي صنع في 1661 لتتويج تشارلز الثاني، هو التاج المستخدم تقليديا خلال الحفل. وهذا التاج مصنوع من الذهب والفضة والياقوت والزفير خصوصا ويزن أكثر من كيلوغرامين.
أما التاج الإمبراطوري فيستخدم في نهاية الحفل وخلال الموكب الملكي. وهو مرصع بـ 2868 ألماسة وصنع في 1937 لتتويج الملك جورج السادس. كما يضعه الملك خلال الجلسة الافتتاحية السنوية للبرلمان.

في 1953 حضر 8251 ضيفا يمثلون 181 دولة ومنطقة تتويج إليزابيث الثانية.
وبين هؤلاء، عدد كبير من ممثلي ممالك أجنبية قدموا من بلدانهم لحضور الحفل لكن ليس بينهم أي ملك أوروبي احتراما لتقاليد ملكية.
بعد حفل التتويج، يعبر موكب كبير شوارع لندن. ومع أن المسافة بين كنيسة ويستمنستر وقصر باكينغهام أقل من كيلومتر ونصف، امتد الموكب على مسافة 7,2 كيلومترات في 1953 ليتاح لأكبر عدد من البريطانيين حضوره.

أ.ف.ب

Related posts

Top