الفنان كائن يضع نفسه في تساءل مستمر بينه و بين المجتمع الدي يعيش فيه ,تساءل بدون هوادة ما دام لا ينعم بالاستقرار الفكري الا و هو في وضعية الترحال ,ترحال ينبع من حب التجديد رافعا بدالك تحدي الجمالية المتحركة في اتجاه السمو الفكري و الجمالي.
هذه الوضعية لا تقتصر على الفنان كشخص منفرد ,بل تتجاوزه الى مستوى المجموعة التي ينتمي اليها بحيث يتقاسم الطرفين عبئ البوح بما يخالج دواخلهم, ويبدئ التجاوز المنتظر من العمل الابداعي الى القراءة المفتوحة , و من تم يتضح التداخل الموجود بين الفنان و المجتمع الذي يعيش فيه و الذي من المفروض ان يعبر من اجله.
هذه حقيقة كل فرد مهوس بالتجديد و يتحمل مسؤولية امتهان التشكيل ,حقيقة لا تجد ضالتها الا في كسر القواعد السابقة و اقتراح ما يجددها و يسمو بها الى ما هو في اعتقاده المنفذ الطبيعي لكينونة الانسان الحضاري.
و نحن ندخل عوالم الفنانة التشكيلية رقية السميلي نفاجئ بتلك التقلبات التي نتحدث عنها, تقلبات عمودية متوازنة من حيث الاستمرار لأنها لم تغادر قط الايقاع الاساسي الذي يميزها بصفتها تدافع عن هويتها التراثية.
تضعنا الفنانة رقية السميلي من خلال تعاملها مع ميدان التشكيل في ايقاعاتها المفترضة و التي هي عبارة عن نظرات متتالية تستقيها من واقع معاش و ملاحظ في الطبيعة الام, مستعينة في دالك بتقنيات مختلفة و اساليب في بعض الاحيان متباعدة و هذا ناتج عن كونها فنانة عصامية تستمد تكوينها من الزمن و المكان المؤسسين لا سلوبها في التعبير انطلاقا من ذاتها كأساس و محرك للعملية الابداعية.
تكونت شخصية رقية السميلي الصبية في رحاب التراث الامازيغي و بالأحرى و هي تعيش معطيات ما تزخر به المنازل المغربية الامازيغية من الوان و اشكال لم تمر مر الكرام في مخيلة الفنان العالمي بول كلي هذا ما كانت تختزنه مند الصغر و تؤكد به وجودها كفرد مستقل بداته و له ادوات خاصة في التعبير ولم يكن لها من احسن سند الا البحر الذي كان يمدها بإمكانية التخيل محتضنا ما كانت لا تجرؤ على قوله علانية كما كان لها بالمزود الحقيقي لعنصر الحرية كفضاء فكري مفتوح على الابداع و بكل ما له من معنى . مما فتح لها المجال حتى ترتقي بروحها باحثتا عن ما يصلها بداتها في شتى تجلياتها.
تعتبر هذه التجربة بالنسبة للفنانة رقية السميلي بمثابة المقاربة القاعدية التي ستفتح لها شهوة التعبير على مستوى اكثر احترافية بعيدة كل البعد عن الممارسة العشوائية في ميدان التشكيل, بحيث ستجد نفسها تتعاطى مع التشكيل من زاوية البحث و التنقيب على ما يمكنه
اغناء مقاربتها التشكيلية بالمقارنة مع ما يعرض في الساحة الفنية المغربية .من تم بدئت الفنانة رقية السميلي تتمكن من ادوات العمل التشكيلي و محتوياته من تركيب و لون و حركة الى ان وجدت نفسها تتجاوز هده العلاقة المادية الى مستوى اعمق بحيث انها بدئت تكون لنفسها المحيط الخاص بها و هي تضع اللبنة الاولى لكائن رمزي يضاف للرموز الامازيغية . هذا الحوار المفتوح بين الامس و اليوم بين الموجود و المتمني بين الواضح و الغامض هذه المعادلة ستكون هي المقياس الحقيقي لما يشغل الميول الابداعي عند الفنانة السميلي،
يبقى ما يميز الاشتغال على الرموز بالنسبة للفنانة هو كونها تطلق العنان لعفويتها الى ان تصبح سلطة الرمز اقوى من الايحاء مما يضعنا امام عمل مفتوح على جميع التأويلات الممكنة في اطار المقاربة المعاصرة في ميدان التشكيل.
عمل وليد اللحظة يفتح لنا ابواب الانبعاث و دالك ناتج على حب الفنانة للمستقبل.
رموز و كتابات أمازيغية تؤثث لوحات الفنانة , هده الرموز تستمد دلالتها من فضاء اللوحة نفسها ,مستعينة في دالك بالألوان و التركيب و الحركة , سنفونية مكتملة في حد وجودها.
هكذا تلتقي الفنانة رقية السميلي مع نفسها و بنفسها لمواجهة الواقع الجماعي بما يحمل من معانات يومية،
لوحاتها تفترش المسكوت عنه لتجعله في قالب الصيحة المنتظرة و التي لم تصل بعد علما ان وجودها في غير اكتمالها مما يفتح لنا امل الانتظار بما يحيط به من جمال , كما يتيح للفنانة فرصة الاستمرار في البحث . هوس في هوس لكي تحيى الحرية و ينمو التعبير في جميع اشكاله و بالأحرى في حرية الوجود الفردي من اجل المصلحة الجماعية.
تذكرنا لوحات رقية السميلي بعرس يتكرر من لوحة لأخرى في حلة تتجدد بتجدد اللوحات،
عناصرها الاساسية تبقى هي تلك الاشكال التي تداولها الناس باللامس من اجل تبليغ المراد الحيوي لتصبح اليوم بين يدي الفنانة ,أداة جمالية لتهذيب الذوق و خلق جسر بين الامس و اليوم.
يمكننا ان نقول اليوم ان الابداع في مجال التشكيل اصبح بالنسبة للفنانة رقية السميلي بمثابة الميثاق الحيوي الدي يفتح لها باب الاحساس بالوجود كما يساعدها على تحويل الزمن الى كيان مادي مكون من ما وضع كأرضية تراثية من قبل من سبقونا.
ان كان الفنان انسانا يعتمد الفردية في التعبير , فالرسامة رقية السميلي و من الزاوية الانسانية تعبر بصيغة الجمع واعية منها انها مسؤولة على من يتقاسم معها نفس الانتظارات.
يمكننا القول ان الفنانة التشكيلية و الحروفية رقية السميلي اطفت هندسة جديدة للحرف الامازيغي من خلال تركيبه و تطويعه بطريقة حداثية تتماشى و ذوق المشاهد المعاصر حتى اننا في بعض الاحيان نكون فقط امام لوحة تشكيلية لا مكان لها و لا زمان سوى اننا نعيشها في لحظتها بأحاسيس اللحظة.
> م.س