تم، بعد صلاة عصر الخميس الماضي بالرباط، تشييع جثمان الراحل خالد الناصري، وزير الاتصال الأسبق والقيادي السابق بحزب التقدم والاشتراكية، وذلك بحضور صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد.
وبعد صلاتي العصر والجنازة بمسجد الشهداء بالرباط، نقل جثمان الفقيد إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء حيث ووري الثرى.
وجرت هذه المراسم، على الخصوص، بحضور أفراد أسرة الفقيد وأقاربه وذويه، ووالي جهة الرباط سلا القنيطرة، عامل عمالة الرباط، محمد يعقوبي، وقياديين وأعضاء بحزب التقدم والاشتراكية، وزعماء وممثلي بعض الأحزاب السياسية، إلى جانب عدد من الشخصيات الأخرى.
وكان جلالة الملك محمد السادس قد بعث برقية تعزية ومواساة إلى أفراد أسرة المرحوم الأستاذ خالد الناصري، أعرب فيها جلالته لأفراد أسرة المرحوم، ومن خلالهم لكافة أهله وذويه، ولعائلته السياسية الوطنية الكبيرة، لاسيما في حزب التقدم والاشتراكية، عن تعازي جلالته الحارة ومواساته الصادقة.

كما استحضر جلالة الملك، « بكل تقدير، مناقب الراحل الكبير الذي فقد فيه المغرب واحدا من رجالاته الأكفاء، المجبولين على حب الوطن والنضال والبذل في سبيل رفعته، والغيرة الصادقة على مقدساته وثوابته ؛ هاته الخصال المثلى التي أهلته وبكل جدارة لتقلد العديد من مناصب المسؤولية والمهام السامية سواء على المستوى الأكاديمي أو الحكومي أو الدبلوماسي، والتي أبان فيها عن كفاءة وحنكة ورزانة واقتدار «.
وتقلد الراحل، الذي توفي مساء الأربعاء المنصرم، عدة مسؤوليات، أبرزها وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة ما بين 2007 و2012، كما كان يشغل منصب سفير المغرب بالأردن منذ 2018.
كما شغل الراحل، الذي ازداد سنة 1946 بالدار البيضاء، منصب مدير المعهد العالي للإدارة بالرباط بين 1996 و 2000. كما در س الراحل مادتي القانون والعلوم السياسية بعدد من الجامعات الوطنية والمدرسة الوطنية للإدارة.

في كلمة محمد نبيل بنعبد الله لحظة تشييع جنازة الفقيد خالد الناصري

شكرا لك من أعماق القلب أيها الشامخ

لك عظيم الاعتراف والامتنان والتقدير على ما أسديته من أعمال جليلة للوطن وللشعب

اعتبر محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، لحظة تشييع جنازة الفقيد خالد الناصري صعبة ومؤلمة وقاسية، مشددا على أن الراحل كان شهما، ورجلا طيبا، ومناضلا ومعطاء، ورجل دولة كبير، ومثقف متميز، وإنسان خلوق، وحقوقي أصيل.
ووقف نبيل بنعبد الله طويلا، في كلمته خلال تشييع جنازة الراحل، عصر يوم الخميس الماضي، عند الخصال الحميدة لخالد الناصري، الذي كان قائدا سياسيا، وحقوقيا فذّا، وقامة وطنية بارزة.
فيما يلي النص الكامل للرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم. «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ أُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» صدق الله العظيم؛

أفراد أسرة وعائلة رفيقنا الراحل، وأهله وأصدقاءه ومعارفه؛ رفيقاتي، رفاقي؛
ما أصعبها من لحظةٍ مؤلمة، وما أقساهُ من شعور مُفجع، ونحن نقف هنا، نُوَدِّعُ رفيقَ دربنا الشهم، والرجل طيِّبَ الذكر، والمناضل المعطاء، ورجل الدولة الكبير، والمثقف المتميز، والإنسان الخلوق، والحقوقي الأصيل: فقيدنَا سي خالد الناصري؛
لكن، لا راد لقضاء الله في مُصابِنا الجَلَل هذا، وإنا لله وإنا إليه راجعون؛
ولترقُد روحُكَ بسلامٍ، أيها الوطنيُّ الغيور والتقدميُّ الحكيم؛

تغمدك الله بواسع رحمته، رفيقي وأخي وصديقي، سي خالد؛ وأسكنكَ فسيح جناته؛ وألهمنا، جميعاً، جميل الصبر وحُسن العزاء؛
ماذا أقول في حقك؟ وأنا أودعك الوداع الأخير، يا رفيقاً عزَّ نظيرُك، ويا صديقاً صَدُوقاً؛ وأنتَ الذي كنتَ سَنداً للجميع، ومصدرَ القوَّة ورباطَةَ الجأشِ في الشدائد؛
كيف لنا أن نتجاوزَ هذا الحزنَ والأسى الذي خَلَّفتَهُ في أفئدة رفيقاتك ورفاقك، وفي قلوب كلِّ الذين عرفوك وخَبِروا معدنك الأصيل؟
نَم قرير العين، يا خالد، فَرُوحُكَ الطاهرة ستظل تحومُ حولنا في كل مكان، وذكراك ستبقى خالدةً في العقل والوجدان، أيها الشهمُ الطيبُ الشجاع؛
فليس ممكناً أبداً أن تنسى ذاكرةُ حزبنا ما تميَّزتَ به، طوال حياتك، من أخلاقٍ عالية، وما بذَلتَهُ من عطاءٍ غزير، وما مَنَحتَهُ من مَوَدَّةٍ صادِقة، وما طَبَعَ سلوكَكَ من جدية واتزان وحكمة؛
نعم، يا خالد، إنَّ رفاقك مُـــتأثرون بعمق، ويجتاحنا ألَمُ فقدانك الفظيع. ولا نعرف كم من الوقت يجب أن يمر حتى نعتاد على غيابك الذي لا يُطاق. وأنت الذي كنتَ من العيار النادر، بِمَا حَبَاكَ اللهُ به من درجاتٍ عالية، بل واستثنائية، في المسؤولية والثبات والصمود والالتزام والوفاء، وحب الخير للناس؛
نقف هنا، يا فقيدنا سي خالد، لنقول لك بصوتٍ واحد: شكراً لك من أعماق القلب أيها الشامخ؛

ولكَ من حزبك، بجميع أجياله، عظيمُ الاعتراف والامتنان والتقدير على ما أسديتَهُ من أعمال جليلة للوطن وللشعب، ولحزبك ولرفاقك المكلومين برحيلك اليوم؛
لكن هذا الرزء لا يشمل حزبَ التقدم والاشتراكية فقط. ففي رحيلك خسارةٌ للمغرب والمغاربة، وللحركة الديموقراطية والتقدمية الوطنية؛

الإخوة الأعزاء؛
لقد كان فقيدُنا، الذي نودعه اليوم، مناضلاً وقائداً سياسيا، وحقوقيا فذًّا، وقامةً وطنية بارزة، ومحاميا وخبيراً قانونيا ألمعياًّ، وفقيهاً دستورياًّ مرجعاً، ووزيراً وسفيراً متفانيا، وكاتباً وإعلاميا ملتزماً، ومثقفاً عضويا، وقائداً من القادة الأساسيين والتاريخيين لحزب التقدم والاشتراكية؛
ولا يسعنا، في هذا اليوم المبارك، منتصف شهر رمضان الكريم، سوى أن نستحضر، بإجلالٍ وإكبار، الأخلاقَ الرفيعة التي تميز بها الرفيقُ المخلص خالد الناصري، ووطنيته العالية، ونضاله المستميت من أجل الديموقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية، وإسهامه الوازن في بلورة التوجهات الأساسية للحزب، وحنكته السياسية المشهود له بها، سواء أثناء تقلده لمسؤولياتٍ رسمية عليا، أو إبان تحمله للمسؤوليات الحزبية المختلفة منذ أن التحق بخلية كلية الحقوق في سنة 1966. وأساساً عضويته في اللجنة والمركزية والمكتب السياسي لانتداباتٍ عديدة، حيث كان دائم الحضور، غزيز العطاء، سديد الرأي، واضح الخطاب، شجاعَ التحليل؛ متشبثا حتى النخاع بدولة الحق والقانون والمؤسسات؛
فوداعا، يا رفيقنا سي خالد الناصري. سيذكُرُ لك التاريخ دوماً أنك كنتَ رجل التوازنات والمهام الصعبة، وممن ساهموا في ترسيخ قيم اليسار والعدل والحرية والديموقراطية في المجتمع المغربي؛ وممن أعطوا للسياسة معناها الحقيقي بكل نزاهة واستقلالية؛
لقد غادرتنا، يا فقيدنا العزيز خالد الناصري، بعد معاناة مع المرض الذي واجهتَهُ بكثيرٍ من الصبر والشجاعة؛
وأنت السفير الحالي لبلادنا في الأردن الشقيق، وزير الاتصال الناطق الرسمي الأسبق باسم الحكومة، المدير الأسبق للمعهد العالي للإدارة، وأحد مؤسسي وقادة المنظمة المغربية لحقوق الانسان، وأيضاً أحد مؤسسي منظمة الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية وقادتها الأوائل؛
سنتذكر، دوماً، ما تميز به الفقيد خالد الناصري، طوال مساره النضالي والسياسي الحافل الممتد لعقود، من التزامٍ قَلَّ نظيرُهُ، وحِسٍّ توافقي خلاق، وشجاعة متفردة في التفكير والتعبير، مُبدعاً لمقولاتٍ وتصوراتٍ أساسية بالنسبة للحزب؛
فقد كان، رحمه الله، من أقوى المدافعين وأصدقهم عن جدلية الوفاء والتجديد، وعن التغيير في كنف الاستقرار، وعن الحل الوسط التاريخي، وعن التناوب التوافقي؛
ولقد كرَّسَ الراحل خالد الناصري حياته من أجل الدفاع عن المصالح العليا للوطن والشعب، مؤمنا حتى النخاع بالمؤسسات وبالنضال الديموقراطي والجماهيري، حاملاً لقيم الحرية والكرامة والانفتاح والحوار والتعايش. وجسَّدَ كل ذلك في المئات، بل الآلاف، من كتاباته وتدخلاته وأقواله، كما في أعماله وسلوكه وممارساته؛

رفيقي وصديق وأخي خالد؛
كيف لي أن أنساك؟ وأنت الذي حين أودعك فكأنما أودع جزءً مني؛
سنواتٌ وعقود مرت، ونحن رفيقان معاً، اقتسمنا الحلو والمر، اقتسمنا الشدائد والمحن معاً؛
إنه عمرٌ بأكمله، قضيناه معاً، وتشاركنا فيه النقاش والسفر والنضال والمسؤولية والحلم والأهداف والمبادئ والقيم؛ تشاركنا الحياة التي أعطيتَ لها المعنى والأفق؛
فَكَّرنَا معاً، كتبنا معاً، أنتجنا معاً، واجهنا وقاومنا معاً، في أحلك اللحظات كما في أشرَقِ الأوقات؛
وها هو الموتُ يُفجعني فيك، يا رفيقي، بعد أن كنتُ أُمَنِّي النفس بأن نواصل درب الكفاح معاً، لكنك غادرتَنا، وحزبُنا في أمَسِّ الحاجة إليك. (وأنت الذي اختارك رفاقك عضوا في مجلس رئاسة الحزب قبل أشهر من الآن)؛
لكني على يقينٍ من أننا سنستمر في الاجتهاد لكي تكون، وكل الذين غادرونا، راضين على الحزب الذي أفنيتَم أجمل سنواتِ عمركم في النضال بصفوفه، من أجل كل القيم الجميلة والنبيلة؛
طوال عشرتنا الطويلة العريضة، لم ألمس فيك، يا رفيقي الأعز، سوى الصدق، والوفاء، والحب، والإخلاص، والكَرم، والنزاهة، وصفاء الذهن، وحُسن السريرة، والتجرد من الذاتية؛
لم ألمس فيك سوى نموذجَ المناضل المكافح، والمسؤول الملتزم، والإنسان الخلوق، والرفيق الذي لا يُبَدِّلُ تبديلاً؛
لم ألمس فيك، طوال عشرتنا، سوى الوطنية والعقلانية. ورجاحَة العقل والتفكير، وشجاعة التعبير، ونظافة اليد، واستقلالية الرأي، ولقد كنتَ، بحق، من طينة الرجالات الذين تكمن قوتُـــهم في عمق تفكيرهم وإنصاتهم وتأملهم، بهدوءٍ، وصرامةٍ مفعمة بالحس الإنساني الرفيع؛
إن الألم يعتصر قلوبَنَا، جميعاً. ونحن مكلومون بفقدانك يا أحد قامات حزبنا الأفذاذ؛
ونعاهدك، وعد الوفاء، بأننا سنظل للمُثل والمبادئ التي جمعتنا، أوفياء، وللأمانة حافظون. وسنواصل حمل المشعل خدمةً لوطننا وشعبنا؛
فَحجمُ المسؤولية كبير، وسنواصل طريق النضال، بنكرانٍ للذات، متشبثين بهذا المشروع الفكري والسياسي الذي آمنتَ به حتى النخاع. وأنتَ الذي كتبتَ، إلى جانب الرفيقات والرفاق، تاريخاً مشرقاً سيظل الجميعُ يذكُــــرُهُ، بكل فخرٍ واعتزاز؛
سنواصلُ، كما أردتَ دوماً، بروحٍ وطنيةٍ عالية، وبقيمٍ إنسانيةٍ نبيلة، وتوجهاتٍ ديموقراطيةٍ ويساريةٍ راسخة. ونعاهدك بأننا سنهتدي بأخلاقك، ونصون المبادئ التي جمعتنا، وأن نُرَبِّيَّ الأجيال على القيم النبيلة التي تمَسَّكتَ بها طوال حياتكَ الحافلة بالبذل والكفاح؛
سنفتقدك يا فقيد وطنك وحزبك ورفاقك وأسرتك الكريمة. لأنك كنتَ شُعلةً من النشاط والعطاء؛
تغمدك الله، رفيقي العزيز، خالد الناصري، بواسع الرحمة والمغفرة، وأسكنك فسيح الجنان، وأجزل لك الأجر والثواب على ما قدمته، طوال حياتك، من خدمات جليلة على شتى المستويات والواجهات. وألهم أسرتك الصغيرة والكبيرة، وألهمنا، وذويك ورفيقاتك ورفاقك ومحبيك وأصدقائك، جميل الصبر والسلوان وحُسن العزاء.
إنا لله وإنا إليه راجعون.

< تصوير: رضوان موسى