أعرب مفاوضو الحكومة الأفغانية الأحد عن تفاؤل حذر بشأن إمكانية إحراز أي تقدم في القضايا الشائكة بما في ذلك وقف إطلاق النار خلال محادثات السلام الجارية مع ممثلي حركة طالبان في الدوحة.
وتبدو تحديات “الحوار الأفغاني” كثيرة، بدءا من إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار ووصولا إلى تحديد طبيعة النظام والقدرة على تشارك الحكم.
وبعد انطلاق المحادثات السبت في العاصمة القطرية الدوحة، دعت الحكومة الأفغانية وحلفاؤها بما في ذلك الولايات المتحدة إلى وقف إطلاق النار.
لكن حركة طالبان التي خاضت حرب عصابات ضد الطرفين منذ إجبارها على التنحي عن السلطة في العام 2001، لم تذكر الهدنة عندما جلس مفاوضوها إلى طاولة الحوار.
وقال المسؤول الحكومي المكلف الإشراف على عملية السلام عبد الله عبد الله في مقابلة مع وكالة فرانس برس إنه “من الممكن” أن توافق طالبان على وقف إطلاق النار مقابل عملية إطلاق سراح جديدة لسجناء من عناصر الحركة. وأشار إلى أن “الأمر متروك لفريق المفاوضين للعثور على العناصر التي يمكن أن تساعدنا في اغتنام الفرصة”.
وقال عبد الله للصحافيين الأحد “يجب في البداية أن يكون هناك خفض كبير للعنف ثم وقف إطلاق نار لأسباب إنسانية يليه وقف دائم لإطلاق النار على مستوى البلاد”.
وبحسب عبد الله فإن المحادثات يجب أن تستمر “بروح التحرك نحو السلام”.
وقالت الحكومة الأفغانية على تويتر إن “الاجتماع الأول بين مجموعتي الاتصال لفريقي التفاوض عقد (الأحد)”.
وأضافت في تغريدتها أنه تمت مناقشة جداول المحادثات ومدونة لقواعد السلوك، بدون إعطاء تفاصيل عن الخطوات التالية.
بدوره، أكد الناطق باسم حركة طالبان محمد نعيم بدء المحادثات التقنية.
وكان المفاوضون أقروا في الجلسة الافتتاحية في الفندق الفخم بالعاصمة القطرية بأن المحادثات ستكون طويلة ومعقدة.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في كلمته “سنواجه بلا شك العديد من التحديات في المحادثات خلال الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة. تذكروا أنكم تعملون ليس فقط من أجل هذا الجيل من الأفغان بل ومن أجل الأجيال القادمة أيضا”.
ودعا بومبيو طرفي النزاع “لاستغلال هذه الفرصة” لتحقيق السلام.
وبعد نحو عقدين على الغزو الأميركي لأفغانستان الذي أطاح بطالبان، ما تزال الحرب تقتل عشرات الأشخاص يوميا بينما دمر اقتصاد البلاد في وقت بات الملايين يعانون من الفقر.
وبينما تستعد لجان فنية من الجانبين للاجتماع من أجل وضع جدول أعمال للمحادثات، تستمر أعمال العنف على الأرض.
وقال مسؤولون إن ستة عناصر شرطة قتلوا في هجوم لطالبان في ولاية قندوز ليل السبت الأحد، بينما قتل خمسة عناصر في هجوم آخر في ولاية كابيسا.
وأدى انفجار لغم في العاصمة كابول إلى إصابة اثنين من المدنيين بينما لم يسجل سقوط ضحايا بانفجار آخر في منطقة كابول.
وأكد عبد الله الذي يترأس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في أفغانستان أن “التسبب بإراقة المزيد من الدماء (خلال المحادثات) هو سوء تقدير. من المستحيل أن يكسب طرف واحد الحرب”.
في الأثناء، أعرب نادر نادري وهو مفاوض من طرف الحكومة الأفغانية عن أمله في عقد اجتماع وشيك مع مجموعة الاتصال التابعة لطالبان.
وقال لفرانس برس “سيكون هذا ثاني اجتماع عمل بيننا. نحن متحمسون ومستعدون لإنهاء هذه الحرب”.
وشدد المسؤول في الحركة الملا عبد الغني برادر وأحد مؤسسيها أمام المجتمعين على أن أفغانستان يجب أن تكون بلدا مستقلا بنظام إسلامي، في ما قد يكون نقطة الخلاف الرئيسية خلال المحادثات.
والأحد التقى برادر وعبد الله بشكل منفصل مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لبحث عملية السلام، بحسب مكتب الأمير.
يرى مراقبون أن حركة طالبان التي رفضت الاعتراف بحكومة الرئيس أشرف غني ستسعى إلى إعادة بناء أفغانستان لتصبح “إمارة” إسلامية، بينما ستعمل حكومة غني على الحفاظ على الوضع الراهن المدعوم من الغرب لجمهورية دستورية كرست العديد من الحقوق بما في ذلك مزيد من الحريات للمرأة.
وفي بيان دعا غني إلى “سلام دائم” يحفظ “انجازات الأعوام الـ 19 الماضية”.
وأكدت الباحثة في معهد التنمية ما وراء البحار آشلي جاكسون أن “طالبان قدمت فريقا متنوعا من المفاوضين الذين يمثلون كل من المتشددين والمعتدلين بالإضافة إلى أفراد مع مؤهلات إسلامية قوية”.
وبحسب جاكسون “قد لا يتفقون جميعا وأتوقع خلافات داخلية ولكنهم صناع القرار — وهذا أمر لا يمكن قوله عن جانب الحكومة الأفغانية”.
ويضم وفد كابول إلى المفاوضات أربع نساء من أصل 21 عضوا بينما ليست هناك أي سيدة في وفد طالبان الذي يضم العدد ذاته من الأعضاء.
وقالت حبيبة سرابي إحدى المفاوضات لوكالة فرانس برس إن بداية المحادثات كانت “ايجابية جدا”.
وأشار عبد الله إلى أن العملية “يمكن أن تكون بداية التاريخ الذي يصنع في المستقبل القريب ونأمل في أن يكون ذلك عاجلا وليس آجلا”.
ولفت خبراء إلى أن الجانبين قد يناقشان احتمال تشكيل حكومة انتقالية أو ائتلافية تضم جميع الأطراف الأفغان.
لكن سلطان بركات مدير مركز دراسات الصراع والإنسانية في معهد الدوحة قال “من السابق لأوانه مناقشة تشكيل حكومة انتقالية”.
وقال لقناة “الجزيرة” التي تتخذ في الدوحة مقرا “هناك عدد من القضايا… تحتاج إلى معالجة قبل الخوض في تفاصيل أي نوع من الحكومة”.
وانطلقت المفاوضات بين الطرفين الخصمين بعد ستة أشهر من الموعد المقرر، بسبب خلافات بشأن صفقة تبادل أسرى مثيرة للجدل تم الاتفاق عليها في فبراير الماضي.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب المرشح لولاية ثانية في الانتخابات المقررة في نونبر، ضغط باتجاه إنهاء أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة بدأت قبل ما يقرب من 20 عاما عندما غزت واشنطن أفغانستان.
وقد يستغرق التوصل إلى اتفاق سلام شامل سنوات، وسيعتمد ذلك على استعداد كلا الجانبين لإيجاد مقاربة مشتركة لطريقة الحكم في بلدهما.
وبموجب شروط اتفاق انسحاب الأميركيين المبرم بين الولايات المتحدة وطالبان، تم إطلاق سراح خمسة آلاف سجين من حركة طالبان مقابل ألف جندي حكومي.
تفاؤل حذر في ثاني أيام مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان
الوسوم