تقرير أممي يفضح جسامة القمع وانتهاك الحريات المدنية والعامة في الجزائر

رسم تقرير قدمته المنظمة الجزائرية غير الحكومية “ريبوست إنترناشيونال”، مؤخرا، إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان صورة قاتمة عن جسامة القمع والانتهاكات المدنية والحريات العامة في الجزائر مع إفلات كامل من العقاب، معربا عن إدانته لنظام عسكري يهرب إلى الأمام ويضرب عرض الحائط الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان.
وجاء في التقرير، الذي يقع في عدة صفحات، والذي كشفت عنه المنظمة وتناقلته وسائل الإعلام، أن “الوضع خطير، والطغمة العسكرية تحتقر الشعب وتتحدى كل الهيئات الدولية بتجاهل قراراتها ودعواتها للتعقل، وتنتهك حقوق الإنسان وحقوق الطفل والمرأة والمعاقين وتمس بالكرامة الإنسانية”.
وأكدت المنظمة غير الحكومية، التي تتخذ من باريس مقرا لها، أن “هذه السلطة الاستبدادية تدفع، بقمعها ووحشيتها وانتهاكاتها، الشعب المسالم للرد بالعنف من أجل التصدي للقمع الدموي للجزائريين”، داعية المجتمع الدولي إلى العمل بشكل عاجل و”اتخاذ تدابير رادعة لإجبار السلطات على احترام إرادة الشعب”.
وفي تقريرها، تنشر المنظمة لائحة بأسماء سجناء الرأي في الجزائر والمواقع الإخبارية الإلكترونية التي أغلقها النظام، مع تسليط ضوء كاشف على الاعتقالات التعسفية والانتهاكات وسوء المعاملة، بما في ذلك الاغتصاب في مراكز الاعتقال وممارسات السلطة القمعية والاستبدادية، إلى جانب حملات التضليل والكذب والترهيب ضد الأطفال والنساء وكبار السن والمعاقين وجميع المتظاهرين الذين يحملون “المطالب السلمية والمشروعة لملايين الجزائريين”.
ولاحظت الوثيقة، التي أوردت حقائق وأرقام صادمة بسبب درجة القمع التي تشتد عشية الانتخابات التشريعية المفروضة”، أن “السلطة اختارت قمع كل من يجرؤ على التنديد بالتعسف”، مستنكرة “أزمة حقوق الإنسان في الجزائر، وانتهاكها الذي أصبح ممنهجا ودون عقاب”.
وأشارت إلى أن “المطالب السلمية والمشروعة والعاجلة لملايين الجزائريين بإقامة دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، والتي يرفعها الحراك منذ 16 فبراير 2019، يرد عليها النظام بالرفض والقمع”.واحتجت المنظمة غير الحكومية على “لامبالاة” النظام في مواجهة دعوات الأمم المتحدة في 5 مارس و11 ماي 2021، وتحذيرات البرلمان الأوروبي ومنظمة العفو الدولية ومختلف المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان للكف عن الاعتقالات التعسفية والقمع، مؤكدة أن “السلطات تحبس نفسها في موقف الهروب للأمام من خلال الاستخفاف بالاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان التي صادقت عليها الدولة الجزائرية”.
واستنكرت “ريبوست إنترناشيونال” كون “القمع لا يستثني أحدا، والاعتقالات والأحكام التعسفية طالت الصحفيين والمثقفين وكذلك النشطاء السلميين والمدونين بمن فيهم القاصرون والمعاقون”، مسجلة أن قائمة انتهاكات الحقوق الأساسية طويلة ومن المستحيل حصرها لجميع هذه الانتهاكات.
وتوقفت الوثيقة عند الحالات الخطيرة لانتهاكات حقوق الإنسان التي سجلت منذ يناير 2021، مستحضرة الاعتداء الجنسي “المروع والمشين” الذي ارتكبته قوات الأمن ضد القاصر الشاب شطوان سعيد في الجزائر العاصمة.
وشدد معدو التقرير على أن “هذا الاعتداء على السلامة الجسدية لطفل يمثل منعطفا أكثر قمعا لترويع المواطنين بهدف خنق الحراك”، مؤكدين أنه في حالة “انتهاك حرمة الطفولة، فكرامة المرأة، والمعاق وكبار السن لن تصان”.
وبعد وفاة المتحدث باسم “مزاب” الدكتور كامل الدين فخار والصحفي محمد تامالت خلال اعتقالهما التعسفي، عبرت المنظمة عن قلقها البالغ إزاء ظروف الاحتجاز اللاإنسانية للمعتقلين على خلفية جرائم الرأي والظروف المعيشية المزرية للمعتقلين في الوسط السجني”، مجددة التأكيد على طلبها بإجراء تحقيق من قبل المفوضية السامية لحقوق الإنسان مع المنظمات غير الحكومية الأخرى.
وسجل التقرير أن “ثورة سلمية استمرت أكثر من عامين، عبأت ملايين الجزائريين الذين يتظاهرون مرتين في الأسبوع في غالبية المدن الجزائرية دون الاستسلام لأدنى استفزاز من قبل النظام، تحظى بإعجاب الناس في جميع أنحاء العالم.وأشار المصدر نفسه إلى أنه “في مواجهة حالة التمرد الهائل ولكن السلمي للشعب الجزائري، يسعى النظام العسكري، من خلال جميع الإجراءات القمعية التي لجأ إليها حتى الآن، إلى تجديد نفسه تحت واجهة مدنية جديدة”.
ولفت إلى أنه “في الأسابيع الأخيرة، تم استخدام سلاح ضد مواطنين من بلدة أكبو بولاية بجاية، يطلق قذائف على شكل حقن صغيرة مجهولة المحتوى بإبرة على شكل صنارة، وعند محاولة الضحية إزالتها، يحتمل أن يكون الضرر أكثر خطورة، حيث يمكن أن تقطع الأوردة والشرايين”، معربة عن” قلقها الشديد من احتمال استخدام أسلحة غير تقليدية “.وأضافت “ريبوست إنترناشيونال” أنه تم إيقاف النقاش العمومي وإغلاق الأماكن العامة ووسائل الإعلام والمنتديات السياسية.
وخلصت إلى أن هذا النظام، الذي يعتبر نفسه قويا بأجهزته القمعية وفي منأى عن أي ضغوط خارجية تضمن إفلاته من العقاب، يمعن في ممارساته القمعية ضد المواطنين المسالمين”.

***

عدم شرعية السلطة القائمة منذ 1962 لم تتوقف عن التدهور

أكد الباحث الجزائري، مجيد بن شيخ، أن عدم شرعية السلطة السياسية بالجزائر، التي نصبتها القيادة العسكرية منذ 1962، لم تتوقف عن التدهور.
وندد بن شيخ، وهو عميد سابق لكلية الحقوق بالجزائر العاصمة، بـ»تدبير موارد البلاد من قبل مؤسسات تعوزها التمثيلية، مما شجع على الافتراس والفساد لفائدة مجموعات صغيرة تشكلت حول القادة، في حين أن شرائح اجتماعية عريضة تواجه صعوبات، ويزداد تهميشها أكثر فأكثر».
ولاحظ الباحث، في عمود نشرته صحيفة (لوماتان دالجيري)، تحت عنوان «لا انتخابات حرة دون انتقال ديمقراطي»، أنه وأمام هذا الوضع، لم يكن أمام الشباب من خيارات أخرى، سوى اللجوء إلى أعمال الشغب، أو الفرار إلى الخارج.
وكشف أن الانتخابات بالجزائر، تمثل مطية لضبط امتيازات الزبناء وموازين القوة داخل النظام، أكثر من بناء مؤسسات قادرة على الاستجابة لتطلعات المواطنين.
وأكد أن هذه «الانتخابات لم تشكل قط آلية للمساهمة، وبدرجة أقل، في حل مشاكل الساكنة»، مبرزا أن القادة الجزائريين، وكلما أرادوا إضفاء صبغة ديمقراطية على «النظام السياسي الاستبدادي»، الذي يسعون إلى تعزيزه والحفاظ عليه، يدعون إلى انتخابات، والتي يطنبون في خطاباتهم أثناء تقديم وعود بأنها ستكون «حرة ونزيهة».
وأوضح أن انتفاضة الشعب الجزائري، ابتداء من فبراير 2019، فضحت هذه المنظومة، عبر البرهنة بأنه وراء الخطابات والمؤسسات التي تبدو في الظاهر أنها ديمقراطية، تقف مؤسسات مراقبة من قبل السلطة.
وتابع بن شيخ أنه من أجل ذلك يعبر الشعب الجزائري، في مختلف أرجاء البلاد، منذ فبراير 2019، عن رفضه لهذه «المنظومة السياسية العسكرية»، ويريد «دولة الحق والقانون، دولة ديمقراطية واجتماعية».
وسجل أنه في الوقت الذي يتمسك فيه قادة المنظومة بالتنكر للحقيقة، ويلجؤون إلى القمع والاعتقالات التعسفية كذريعة للدفاع عن الحريات واستقرار البلاد، ما فتئ الشعب يظهر أنه يدرك كيف ينبغي أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة.
ولاحظ أنه داخل هذه المنظومة، التي تم تنصيبها سنة 1962 وتوطيدها منذئذ، تمسك بزمام السلطة وتراقبها قيادة عسكرية، والتي اختارت «منذ سنة 1963 جميع رؤساء الدولة دون استثناء، وفرضت انتخابهم من الدور الأول للانتخابات الرئاسية».
وتابع أن هذه المنظومة ترتكز على تعددية حزبية مراقبة، بل ويمكن أن تخلق الوهم عبر السماح بوجود بعض الأحزاب والجمعيات التي تمنحها استقلالية نسبية، والتي يمكن، وسط العديد من الصعوبات، أن توجه انتقادات للحكام، لكن ضمن نطاقات محدودة، ومحددة سلفا.
وأوضح أنه «في الواقع، فإن الغالبية العظمى من الأحزاب والعديد من الجمعيات والنقابات، تم خلقها، وهي تشتغل تحت المراقبة اللصيقة لجهاز سياسي – عسكري، تابع للقيادة العسكرية»، مشيرا إلى أن هذا الجهاز، الذي كان يحمل اسم «الأمن العسكري»، يضطلع أيضا بدور مؤسسة لمراقبة الحياة السياسية، والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.
وشدد بن شيخ على أنه في ظل هذه الشروط لا يمكن لأي انتخابات أن تعبر عن تطلعات الساكنة، مبرزا أنه وحدها مرحلة انتقالية، يمكن أن تؤدي إلى الخروج من المأزق الحالي الذي أغرقت السلطة البلاد فيه.

Related posts

Top