جامعيون وخبراء قانونيون وفاعلون جمعويون يقترحون حلولا شرعية وقانونية واجتماعية للحد من تنامي الظاهرة

نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بشراكة مع مؤسسة “رزان للدراسات الاستراتيجية حول الأسرة والمجتمع” و”الجمعية الجهوية للاتحاد الوطني لنساء المغرب بسلا” يومي 25 و 26 فبراير الماضي، ندوة وطنية حول موضوع: “زواج الفاتحة بين الفقه والقانون والمجتمع”، احتضنتها رحاب مدرج الشريف الادريسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
استهلت أشغال الندوة بكلمات افتتاحية ركزت على أهمية اختيار الموضوع، وفي هذا الصدد، أكد جمال الدين الهاني، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، أن هذا النوع من الزواج يخلف مشاكل كثيرة بالنسبة للمرأة والرجل، كما يطرح على الخصوص مشكلا كبيرا لدى الأطفال، الذين يولدون من صلب هذه العلاقة الملتبسة ويواجهون مشاكل في التمتع بالحقوق المدنية، وأضاف أن هذه الظاهرة تمثل خللا كبيرا في المجتمع المغربي، يعود أصله إلى المجتمع التقليدي، ويجب تجاوزه في القرن 21، مشددا على أنه “حان الوقت لكي نجتمع كمحللين ومثقفين وجامعيين ونقوم باقتراحات لتجاوز هذه الإشكالية الاجتماعية والقانونية والفقهية في بلادنا”.
وأكدت رئيسة الجمعية الجهوية للاتحاد الوطني لنساء المغرب بسلا، لالة شمس الضحى العلوي الاسماعيلي، أن ظاهرة زواج “الفاتحة” ملف شائك بالنسبة للأسرة المغربية، ويحتاج للبحث والمناقشة من لدن الجميع. وأشارت إلى أن هذه الظاهرة، التي لا تخضع للرقابة القضائية القبلية، مرتبطة بمعضلات مدمرة منها زواج القاصر والهدر المدرسي والعنف بشتى أنواعه، مبرزة أن الأصل في شيوع هذه الصيغة من الزواج هو وجود نية التحايل وهو ما يفرز مشاكل خطيرة تهدد البناء الأسري وتمس بمصالح الزوجة والأبناء.
وأكدت بثينة الغلبزوري، رئيسة مؤسسة “رزان” على أن زواج “الفاتحة” يمثل إشكالا قانونيا في المغرب يجب تجاوزه، مبرزة أن المشرع المغربي، في الفقرة الثانية من المادة 16 من مدونة الأسرة، يؤكد على أنه لا يمكن إثباث الزواج إلا عن طريق العقد الموثق عند العدول وفي المحاكم المختصة. وأردفت قائلة “نحن أمام إشكاليات قانونية ومجتمعية ونفسية وشرعية كثيرة مثل مصير وحكم هذا النوع من الزواج، وكذا طبيعته وتكييفه، وهو ما يحتم علينا الاجتهاد والتجديد في القضايا الأسرية لحماية الأسرة من التفكك وضمان مصالح الزوجة والأبناء”.
وأكدت أمينة أفروخي، رئيسة قطب النيابة العامة، أن زواج ” الفاتحة” موضوع ذو راهنية في المجتمع المغربي ومحط اهتمام جميع القوى الحية في المجتمع، نظرا لعلاقته المباشرة بمواضيع مثل حقوق الأطفال والفتيات في المغرب، مضيفة أن هذه الإشكالية لها ارتباط أيضا بالموروث الثقافي التقليدي وهو ما كشفت عنه نتائج دراسة لرئاسة النيابة العامة حول زواج القاصرات قدمت في دجنبر من سنة 2021.
أشغال الندوة تواصلت من خلال 7 جلسات همت بالأساس، المحور المفاهيمي والسياق التاريخي، والمحور الاجتماعي النفسي، والمحور الفقهي المقاصيدي، ومحور توثيق الزواج عند مغاربة العالم، ثم المحور التشريعي القضائي.
وفي هذا السياق اعتبرت القاضية والمحامية زهور الحر رئيسة اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف وعضوة المجلس الوطني لحقوق الانسان، أن تطبيق مدونة الأسرة كشف في كثير من الأحيان تحول مقتضيات المادة 16 منها الى أداة للتحايل على القانون وشرعنة زواج القاصرات أو زواج التعدد، مؤكدة على أن عددا من مقتضيات المدونة لم يتم تطبيقها بشكل سليم كما هو الحال بالنسبة لإعمال الخبرة الجينية لإثبات نسب الطفل المزداد خارج اطار مؤسسة الزواج، حيث صدرت أحكام عن محكمة النقض تعتبره ابن زنا، علما بأن اتفاقية حقوق الطفل تنص على مبدأ المصلحة الفضلى للطفل، كما أن مدونة الأسرة نفسها تؤكد على أهمية حماية حق الطفل في النسب.
من جهته، توقف الدكتور أنس سعدون الخبير في قانون الأسرة المغربي والمقارن، في مداخلته حول المادة 16 في ضوء العمل القضائي عند عدد من الأسباب المعتمد عليها لتقديم طلبات ثبوت الزوجية، منها ما يرتبط بعدم تواجد العدول في عدد من المناطق النائية، وافتقار عدد من الأفراد للوثائق الإدارية اللازمة بسبب عدم تعميم الحالة المدنية، والامكانيات المادية، وأسباب أخرى تعود لكون الزوج متزوج، أو الزوجة ما تزال قاصرا، مؤكدا على ضرورة عدم استعمال المادة 16 من مدونة الأسرة لشرعنة التحايل على القانون أو الإفلات من العقاب في جرائم العنف القائم على أساس النوع أو جرائم الاتجار في البشر، كما أشار المتدخل الى كون عدد من الصكوك الدولية تؤكد على أهمية تسجيل الزواج بشكل رسمي كوسيلة للحد من زواج الطفلات ومنع الزواج القسري أو الزواج المبكر نظرا للانعكاسات الصحية والنفسية والاجتماعية التي يخلفها، داعيا في ختام مداخلته إلى ضرورة تبسيط إجراءات تسجيل الزواج، ومراعاة مبدأ عدم رجعية القوانين عند تطبيق المادة 16 من مدونة الأسرة حماية للمراكز القانونية التي نشأت بشكل صحيح قبل دخول المدونة الى حيز التنفيذ.
في نفس السياق، اعتبرت فتيحة شتاتو المحامية بهيئة الرباط في مداخلتها حول الوضعية القانونية للزواج بالفاتحة الإشكاليات والحلول، أن المادة 16 من مدونة الأسرة هي أداة للتهرب من احترام القانون، حيث يتم استغلالها بشكل سيء من طرف من يرغب في ابرام زواج التعدد او تزويج القاصرات، مشيرة الى أن عددا من الأزواج سيئي النية يلجؤون لزواج الفاتحة للتهرب من مستحقات الزوجة والأبناء، ولتجنب تقديم دعاوى في مواجهتهم تتعلق بالنفقة أو السكن المستقل أو حتى مستحقات الطلاق والتطليق، معتبرة أن المرأة في كثير من الأحيان تكون هي الضحية حيث يمكن متابعتها بالمشاركة في الخيانة الزوجية، لأن تنازل الزوجة الأولى لفائدة زوجها لا تستفيد منه الزوجة الثانية، لكونها مشاركة، وهو ما يدعو لضرورة مراجعة كل النصوص التمييزية الواردة في مدونة الأسرة والقانون الجنائي والقيام بملاءمة النصوص الوطنية مع المعايير الدولية، والاهتمام بتكوين القضاة والمحامين والعدول وكل متدخلي منظومة العدالة في مجال الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان.
من جهتها، توقفت فاطمة الزهراء بوقيسي المحامية بهيئة الرباط وعضو جمعية عدالة عند اشكالية “الوضعية القانونية لزواج الفاتحة وآثاره الاجتماعية” حيث اعتبرت أن هذا الزواج تنعدم فيه أي حقوق للمرأة خاصة بعد انتهاء الأجل القانوني المحدد لسماع دعوى الزوجية، حيث تبقى المرأة المتزوجة بالفاتحة في حالة انجابها رهينة بمدى موافقة الزوج على الإقرار بنسب الطفل اليه، وفي حالة انكاره يصعب على الزوجة الحصول على نسب الطفل وحماية مستحقاتهما المالية، في ظل مجتمع يتفادى التدخل لفائدة أحد الطرفين في النزاعات المعروضة أمام القضاء.
وتجدر الإشارة الى أن برنامج الندوة عرف تقديم مداخلات أخرى حول أثر زواج الفاتحة لدى مغاربة المهجر، وفي هذا السياق أشارت الإعلامية والباحثة في قضايا المرأة والهجرة بألمانيا، نادية يقين، إلى أن زواج الفاتحة أو الزواج العرفي كما يطلق عليه في بعض الدول الأوروبية، يباركه بعض الأئمة في عدد من المساجد المشرقية، لافتة، في المقابل، إلى انخراط المساجد المغربية بألمانيا في منع توثيق مثل هذا النوع من الزواج الذي له تداعيات وتبعات تكون المرأة ضحيتها. وأضافت الإعلامية في مداخلة عبر تقنية التناظر المرئي، أن زواج الفاتحة ليس بظاهرة جديدة على مغاربة العالم، مستطردة أنه ”في الوقت الذي يبذل فيه المغرب جهودا كبيرة لاحتواء هذه الظاهرة والحد منها، نرى انتشار هذا النوع من الزواج بشكل كبير بين مغاربة العالم”، مستعرضة في هذا الصدد عددا من حالات الزواج بالفاتحة الذي لا يكتسي صبغة قانونية وإن كان أمام الشهود وموافقة الطرفين.
كما توقفت الباحثة يقين عند أسباب اللجوء إلى زواج الفاتحة أو العرفي والمتمثلة على الخصوص في تعدد الزوجات الذي يعد تحايلا على القانون، والرغبة في تسوية الوضعية غير القانونية، مشيرة إلى أن هذا النوع من الزواج بدأ يعرف انتشارا كبيرا بين مغاربة المهجر منذ سنة 2015 بسبب موجة اللجوء الذي استقبلت ألمانيا بموجبها عددا كبيرا من اللاجئين والمهاجرين من عدة بلدان .
وبخصوص تداعيات هذا النوع من الزواج، تطرقت يقين إلى المعاناة النفسية والاجتماعية التي تعيشها النساء المغربيات اللائي يلجأن للزواج العرفي في بلاد المهجر بسبب الخوف من القانون وضغط الأهل والاحساس بالدونية وقساوة الظروف.
من جانبه، توقف محمد عسيلة، وهو أستاذ باحث في علم الاجتماع بألمانيا، في مداخلة مماثلة، عند أسباب زواج الفاتحة وأشكاله وأضراره في سياق الهجرة (ألمانيا نموذجا)، لافتا إلى أن الواقع يفرض تناول هذا الموضوع من زوايا متعددة من خلال الوقوف عند إشكاليات الحياة في السياقات المتعددة ثقافيا وإثنيا ودينيا، والبعد عن الأسرة والعائلة الممتدة الحاضنة، والسعي لإيجاد بدائل لهذا البعد، إضافة إلى الاندماج والاستيلاب والخوف وتجارب الإقصاء والعنصرية والشعور بالاغتراب ونمو الإسلاموفوبيا. وأكد الحاجة إلى معالجة هذه الإشكالية باتباع منهج متدرج ومتداخل المقاربات يجمع البعد المفاهيمي والفقهي والتشريعي – القانوني، وكذا البعد الديني والتديني والتاريخي و الإبستمولوجي والنفسي، وذلك في إطار علاقة جدلية تقترن ضمنها التحديات المفاهيمية والحياتية وتأخذ السياق الأوروبي بعين الاعتبار (قانون الهجرة، قانون الأجانب، قانون اللجوء، قوانين التجمعات العائلية، قانون الطرد والتهجير، وقانون تسويات الوضعية القانونية والحصول على المساندة والدعم والمواكبة القانونية..).
وشدد في هذا الصدد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الضغط النفسي والمعنوي للفتيات المغربيات في دیار المهجر اللائي يلجأن إلى زواج الفاتحة، داعيا إلى نشر الوعي وتفعيل دور المجتمع المدني داخل المساجد والجمعيات لمواكبة هذه الفئة من النساء قانونيا ودعمهن نفسيا.
أما محمد المختار العزاوي الباحث بكلية الشريعة بجامعة ابن زهر بأكادير، فقد تناول زواج الفاتحة لدى المغاربة بفرنسا، مستعرضا في هذا الإطار عددا من حالات الزواج العرفي وتداعياته الاجتماعية، وأسباب اللجوء إليه والتي لا تختلف، بحسبه، عن تلك الموجودة في البلدان الأوروبية الأخرى.
يذكر أن هذه الندوة العلمية الوطنية، عرفت مشاركة مسؤولين حكوميين وأساتذة جامعيين وخبراء قانونيين وفاعلين جمعويين، توخت بحث الآثار الاجتماعية والنفسية المترتبة عن زواج الفاتحة، وتبيان الأصول الإجتهادية في مسألة توثيق عقد الزواج، والاجتهاد في الأحكام الفقهية والقانونية والاجتماعية، وكذا اقتراح الحلول الشرعية والقانونية والاجتماعية للحد من تنامي الظاهرة.

بيان اليوم

Related posts

Top