أطلقت الجمعية الوطنية مغرب أصدقاء البيئة وحركة الشبيبة من أجل المناخ، منذ أيام، عريضة للمطالبة بإعلان حالة الطواريء المناخية، وذلك بسبب الوضعية البيئية المتأزمة التي تعيشها بلادنا على عدة مستويات.
العريضة وجهها مناضلو الجمعيتين وعلى رأسهم منسق المبادرة الخبير محمد بن عبو، رئيس جمعية مغرب أصدقاء البيئة، إلى رئيس وأعضاء مجلس النواب. وتم إطلاقها على موقع “صوت غرينبيس” للعرائض الالكترونية، حيث وصل عدد التوقيعات على العريضة، إلى حدود صباح أمس الأحد 1187 موقعا وموقعة، من أصل 2000، كسقف لعدد التوقيعات المطلوبة.
وطالبت العريضة بالإقرار الرسمي بوجود التغيرات المناخية بالمغرب على غرار الإعلان عن حالة الطوارئ المائية حيث الندرة المائية أصبحت هي السيناريو السائد، واجتاح الجفاف وحرائق الغابات الآلاف من الهكتارات.
كما دعت إلى إعداد خارطة طريق بصفة مستعجلة للإسراع بإنجاز المشاريع التي جاء بها البرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي2020-2027، والتي تروم تنمية العرض المائي ودعم وتنويع مصادر التزويد بالماء، والاقتصاد في الماء وفي شبكات التوزيع، وإعادة استعمال المياه العادمة عبر تنويع العرض المائي ومنع سقي المساحات الخضراء وملاعب الكولف، انطلاقا من المياه التقليدية الماء الصالح للشرب والمياه السطحية أو الجوفية، ومنع غسل الشوارع والفضاءات العمومية بالمياه المعالجة، ومنع جلب المياه غير القانوني من الأثقاب والآبار والعيون، ومياه قنوات الري ثم منع استعمال الماء لغسل المركبات والآليات.
وشددت على أهمية إشراك فعاليات المجتمع المدني في كامل مراحل إرساء حالة الطوارئ المناخية من التخطيط إلى التنفيذ وذلك حتى نضمن سرعة ونجاعة تحقيقها.
كما دعت إلى تكوين لجنة تحرص على مراقبة تقدم تنفيذ برنامج العمل و تتكون من ممثلين عن الحكومة وخبراء عن كل مجال ذو صلة بالتغيرات المناخية: المياه والغابات، الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، الفلاحة والصيد البحري، الصحة والحماية الاجتماعية… وممثلين عن المجتمع المدني.
وضعية مقلقة وغير مسبوقة
وسجل الموقعون أن العالم عامة، والمغرب على وجه الخصوص، شهد في الآونة الأخيرة موجة حر غير مسبوقة، رافقها عدد كبير من الكوارث الطبيعية. في الوقت الذي ازدادت فيه حدة الكوارث المناخية مثل الفيضانات وموجات الحر الناتجة عن تغير المناخ بنسبة خمس مرات على مدى خمسين عاما الماضية.. كوارث راح ضحيتها الآلاف من الأرواح في أوروبا وأمريكا الشمالية ودول حوض البحر الأبيض المتوسط وخسائر كبيرة في الغابات والحقول الزراعية والمراعي الحيوانية .
و يشهد المغرب اليوم، تضيف العريضة، العديد من الكوارث المناخية في مقدمتها الجفاف والإجهاد المائي والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة التي دامت أكثر من أسبوعين وناهزت 48 درجة مائوية في بعض المناطق، بالإضافة إلى الحرائق التي دمرت ما يقارب 10500 هكتار من الغطاء النباتي خلال الفترة الممتدة بين 13و18 يوليوز 2022 همت عدة جهات من المغرب من بينها وزان، شفشاون العرائش، تازة، تارودانت آسفي2022 هذا في الوقت الذي فقد فيه المغرب العام الماضي حوالي 2782 هكتار غابوي عبر اندلاع 285 حريقا
ووفقا لتقرير المرصد العالمي للغابات فقد احتل المغرب المرتبة الخامسة عالميا حسب المساحات المفقودة من الغابات حيث تعرضت الغابات في الأسابيع الأربعة من شهر يوليوز 2022 لحرائق عنيفة فقدت فيها الدول التالية: أمريكا ألف هكتار، إسبانيا 23 ألف هكتار، فرنسا 21 ألف هكتار، البرتغال 16 ألف هكتار، المغرب 9 آلاف هكتار، إيطاليا 2774 هكتارا، كندا 840 هكتارا، تركيا 756 هكتارا، بينما هناك 16 دولة في العالم شهدت أيضا حرائق بدرجة شديدة، لم تعتدها أصلا هذه الدول، وهي، غوايانا الفرنسية ومملكة سوازيلاند وأفغانستان والنيجر وتركمانستان وهونغ كونغ، وجنوب أفريقيا وموريتانيا والنيبال وبوركينا فاسو وطنزانيا ونيجيريا والهند وزيمبابوي والتشيك والكاميرون، ويذكر أن العقدين الأخيرين كانا الأشد فتكا بالغابات في العالم لمجموعة من الأسباب، وأهمها العوامل البشرية في توسيع الأنشطة الصناعية والنفطية وقدر الخبراء تلك الخسائر في 117 مليون هكتار من الغابات، فيما تسببت الحرائق سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في ضياع 91 مليون هكتار.
واعتبر الناشطون البيئيون الموقعون على العريضة أن كل هذه الكوارث الطبيعية ليست إلا بداية حقبة “لا يبشر مستقبل العيش فيها بخير” وفق سيناريوهات هيئة علماء المناخ الأكثر تشاؤما، مذكرين بتقرير المناخ الذي أخرجته الهيئة إلى حيز الوجود في شهر غشت 2021 والذي يوضح الكيفية التي ستؤثر بها الاختيارات الآن في المستقبل. وفي كل سيناريو من السيناريوهات سيستمر ارتفاع درجات الحرارة بضع عقود على الأقل وسيستمر الارتفاع في مستوى مياه البحار لمئات أو آلاف السنين وستختفي الثلوج البحرية فعليا في الدائرة القطبية الشمالية في واحد على الأقل من فصول الصيف خلال الثلاثين عاما المقبلة لكن مدى سرعة ارتفاع مستوى البحار ومدى خطورة الظواهر الجوية سيتوقف على المسار الذي يختار العالم السير فيه.
وأكدت العريضة أن كل هذه الأسباب تجعل من الإعلان عن حالة الطوارئ المناخية مطلبا أساسيا، بعد أن بين آلاف العلماء أن البشرية تواجه “حالة طوارئ مناخية” ومن بينهم جيمس هانسن، الباحث في وكالة “ناسا” الذي وضع المشكلة على الأجندة العالمية في عام 1988. وكذلك ديفيد كينج، المستشار العلمي السابق للحكومة البريطانية، وهانز شيلنهوبر، المستشار العلمي السابق للحكومة الألمانية.
وقال الموقعون مخاطبين رئيس وأعضاء مجلس النواب، “إننا إذا كنا نريد الحفاظ على كوكب الأرض صالحا للحياة، فسوف يتعين على البشرية اتخاذ إجراءات عاجلة، لأن الفشل في خفض كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سيجعل ظواهر مثل الارتفاع غير المعتاد في درجات الحرارة والعواصف وحرائق الغابات وذوبان الجليد في القطب الشمالي وقمم جبال الهمالايا وسلسلة جبال الألب أحداثا روتينية متكررة، وقد يجعل جزءا كبيرا من الأرض غير قابل للعيش”.
درس كوفيد 19
وأضاف الموقعون أن العلماء صنفوا جائحة “كوفيد-19” بأنها حالة طوارئ، وقاموا برصد آثارها المدمرة، وكشفوا المعلومات المغلوطة وأخبروا متابعيهم بكيفية حماية أنفسهم.
واعتبر الناشطون أننا بحاجة اليوم إلى القدر نفسه من الالتزام بقضية المناخ، داعين الجميع من كل مكان للانضمام إلى هذا النداء، الذي ينسجم، كما تقول العريضة، مع مجموع القوانين الوطنية التي تنص صراحة على ضمان السلامة المناخية لجميع المواطنين خاصة،
وعلى رأسها الفصل 31 من الدستور الذي ينص على ضرورة عمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في … الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة والتنمية المستدامة”.
كما ينص الفصل 40 من الدستور على تحمل الجميع، “بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد”.
أما الفصل الفصـل 139 من الدستور فيؤكد على ضرورة وضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، لآليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها، ويمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله.
ونوهت العريضة كذلك بمضامين المخطط الوطني للمناخ 2030، الذي يهدف إلى إرساء أسس تنمية منخفضة الكربون ومقاومة لتغير المناخ ويوفر استجابة ملموسة للالتزامات الوطنية والدولية للمغرب توازيا مع طموح المملكة للتخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والنجاح في جهوده للتكيف مع التغيرات المناخية عبر تحقيق 52٪ من الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 مع التقليل من استهلاك الطاقة بنسبة 15٪ عبر زيادة حجم تعبئة الموارد المائية ودعم تهيئة الغابات وإعادة التشجير وكذا تحسين تقنيات الري.
إعلان حالة الطوارئ المائية
سجلت حقينة السدود خلال شهر يوليوز 2022 أدنى قيمة لها منذ أزيد من أربعين سنة حوالي 28٪، في حين وصلت نسبة ملء سد المسيرة 4,92%، فيما لم تتجاوز نسبة ملء سد بين الويدان 12,21%، وبلغت نسبة ملء سد أحمد الحنصالي 6,87%، إذن الحالة الراهنة أصبحت تلزم التعبئة الشاملة والانخراط المسؤول لجميع الفاعلين، من أجل تنسيق وتضافر الجهود لاتخاذ وتفعيل الإجراءات اللازمة لتدبير عقلاني للموارد المائية، وترشيد استعمالها، وضمان التزود بالماء الصالح للشرب لكافة المواطنين .
وبالرغم من اعتماد المغرب نهجا طوعيا ومتكاملا وتشاركيا ومسؤولا في جهود التكيف والتخفيف، والتي تشكل إحدى الركائز الرئيسية لاستراتيجيتها الوطنية للتنمية المستدامة إدراكا منه لتداعيات تغير المناخ على النظم البيئية والقطاعات الاجتماعية والاقتصادية في السنوات الأخيرة، حيث انضمت المملكة المغربية إلى الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ من خلال التوقيع في عام 1992 والتصديق في عام 1995 على الإتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، كما صادق المغرب على بروتوكول كيوتو عام 2002 وعلى اتفاق باريس عام 2016، وبالرغم من احتضان المغرب لقمة المناخ COP7 بمراكش عام 2001، وقمة المناخ COP22 بمراكش عام 2016، بالإضافة إلى أن المغرب احتل المرتبة الرابعة من حيث الأداء المناخي بعد كل من السويد والمملكة المتحدة والدانمارك، وفقا لتقرير مؤشر الأداء المناخي لعام 2021، لكن التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغير المناخ زاد المخاوف بهذا الشأن.
- بيان اليوم