حديقة “مردوخ” متنفس بقلب الدار البيضاء يتحول إلى ملاذ للصوص والمتشردين وفضاء لترويج المخدرات

تعتبر حديقة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “الإيسيسكو” أو كما يحلو لأغلب مرتاديها تسميتها بـجردة “مردوخ”، واحدة من أهم الحدائق المتواجدة بتراب مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية، وثالث أكبر متنفس أخضر بعد حديقة الجامعة العربية “نيفادا”، المتواجدة بالقرب من ملعب “كازابلانكيز”، وحديقة لارميطاج المحاذية لشارع موديبو كايتا.
وأمام الزحف العمراني والإسمنتي، باتت تعاني “مردوخ” التي تصل مساحتها إلى حوالي 40.000 ألف متر مربع من أبشع مظاهر التخريب والانحلال الخلقي، إذ تحولت من مكان يقصده الآلاف من المواطنين البيضاويين للقيام بالتمارين الرياضية والخرجات الترفيهية رفقة العائلة، إلى مكان لرمي النفايات المنزلية ومرتع لتعاطي وبيع المخدرات بجميع أنواعها (حشيش، وخمر، وبوفا، وسيلسيون، وشيشا…)، ومكانا مناسبا للسرقة والاستيلاء على ممتلكات الغير ، خاصة خلال الساعات الأولى للصباح.
أمام هذه الوضعية المأساوية التي أصبحت عليها الحديقة، بدأ سكان المناطق المجاورة يطرحون مجموعة التساؤلات الملحة:
-أي دور للسلطات الأمنية، المفروض تحملها مسؤولية الحفاظ على الأمن بالحديقة ؟
– دور مجلس المدينة والمقاطعة التابعة لها فيما يخص النظافة، وإزالة الرواسب التي أفقدت ثالث أكبر المتنفسات الخضراء بالعاصمة الاقتصادية بريقها؟
– مسؤولية مجلس مدينة الدار البيضاء كذلك من حيث ضرورة إعداد خطة عمل لتأهيل وإصلاح مرافق الحديقة الذي باتت تعاني الإهمال واللامبالاة؟

حركة صباحية غير مسبوقة..

تشير الساعة إلى السابعة صباحا من يوم الأحد، حركة غير عادية تملأ الفضاء.. رجال ونساء، شبان وشابات من مختلف الأعمار، يرتدون بذل رياضية وينتظمون في مجموعات، تقوم بتمارين رياضية من جري سريع، إلى مشي خفيف على طول مساحة حديقة “مردوخ” التي تعيش كل نهاية أسبوع على وقع توافد الآلاف من الزوار، الراغبين في الخروج من روتين العمل اليومي، وضغط الازدحام وحركة السير والعمل اليومي.
فقد باتت الحديقة التي تمتد على مساحة تقارب 4 هكتارات، الملاذ الوحيد للمواطن البيضاوي الذي ذاق ذرعا من تأثير الزحف العمراني في كل مفاصل العاصمة الاقتصادية، تعرف نموا ديموغرافيا متزايدا كل سنة، على حساب المناطق الخضراء، المهددة بالزوال.

تخريب وتهميش..

وخلال الجولة التفقدية التي أجراها موفد الجريدة إلى حديقة “مردوخ”، تأكد لنا بالملموس حجم الاهمال الذي يعرفه هذا المتنفس البيئي المتواجدة بالقرب من ثانوية محمد الخامس بشارع 2 مارس، من قلة التجهيزات الرياضية المستغلة في عملية الإحماء أو القيام بالحركات التسخينية، كتلك المتواجدة بشارع لاكورنيش بمنقطة عين الذئاب، إضافة إلى عدم تواجد أمكنة مخصصة لجلوس الزوار، نتيجة اقتلاع القطع الخشبية.
وتبين أيضا من خلال الجولة، تضرر كل مرافق الحديقة التي يعود تاريخ تأسيسها لسنة 1907 في فترة الاستعمار الفرنسي، نتيجة عدم تحمل المجلس والمقاطعات التابعة، نتيجة عدم إيلاء المناطق الخضراء الاهتمام المطلوب، مع العلم أن هناك نقصا حادا فيما يخص المناطق الخضراء، في ظل النمو الديموغرافي المتزايد، والسعي فقط وراء المشاريع الكبرى المدرة للربح السريع، دون الاخذ بعين الاعتبار الحفاظ على البيئة…
وقد عاينا خلال جولتها التفقدية تعرض العشب والأشجار للتلف نتيجة عدم سقيها في الأوقات المناسبة، وتأثير غياب الاهتمام المطلوب، كما هو معمول به في بباقي المتنفسات المتواجدة بباقي تراب مدينة الدار البيضاء.
ويمكن القول، إن الحديقة التي كانت فضاء مخصصا اساسا لممارسة الرياضة واستنشاق الهواء النقي وتمضية الوقت بين أفراد العائلة والأصدقاء، تحول بفعل ما ذكرناه، إلى ملاذ لمروجي وبائعي المخدرات وممتهني السرقة والمشردين والمنحرفين، الشيء الذي أفقدها بريقها، و ساهم في تقلص مرتاديها إلى النصف، في غياب تام لأبسط شروط الأمن والأمان وشروط النظافة…
الساكنة تنتظر تدخل مجلس المدينة..

وحسب ما عاينت جريدة “بيان اليوم”، فأغلب المواطنين البيضاويين اللذين يجاورون هاته الحديقة (2 مارس، ومرس السلطان، وحي الأحباس…) يواظبون على الحضور بشكل منتظم من أجل القيام بحصص تدريبية، خاصة خلال نهاية الأسبوع، يومي السبت والأحد والعطل، يطالبون بضرورة التعاقد مع شركة خاصة للقيام بدور الحراسة، بالنهار والليل، مع وضع كاميرات مراقبة؟ وتخصيص وقت محدد لولوج الحديقة، قصد الحفاظ على سلامة المحيط العام، وعدم السماح بدخول الأشخاص الغير الأسوياء، مع قيام السلطات الأمنية بجولات على طول اليوم، لطرد المتشردين ومتعاطي المخدرات ومحترفي السرقة المتربصين بالزوار.
وحمل أغلب مرتادي حديقة “مردوخ” المسؤولية الكاملة لمجلس مدينة الدار البيضاء، نتيجة عدم وضع برنامج شامل لإعادة إصلاح مختلف المرافق الموجودة بهذا الفضاء البيئي، الذي يعود تاريخ إنشاءها للقرن العشرين، وبالتحديد سنة 1907، خلال عهد الحماية الفرنسية، قبل أن يتم تخصيص غلاف مالي من أجل إصلاح بعض مرافقها في سنة 2006.
كما تطالب الساكنة بضرورة تجهيز الفضاء بمعدات رياضية كتلك المتواجدة بكورنيش عين الذياب، وتخصيص كراسي الجلوس بعدما تم إتلاف القطع الخشبية، علاوة على اهمية زرع الأشجار، في وقت دعا نفس المتدخلون إلى ضرورة إيلاء الاهتمام بالمساحات الخضراء، كونها تعتبر المتنفس الوحيد للأسر البيضاوية، وسط مدينة تعرف نموا ديموغرافيا متزايدا، إذ يتجاوز عدد سكان العاصمة الاقتصادية حسب آخر الإحصائيات حوالي 3.5 مليون نسمة.

تأثير تقلص المساحات الخضراء..

فباعتبار التمتع بالمساحات الخضراء والعيش وسط بيئة نظيفة حق من حقوق المواطن، إلا أن الأمر الذي لا يصدق هو أن نصيب كل بيضاوي لا يتعدى 35 سنتمترا مربعا، بمعنى أنها نسبة تقل 41 مرة عن المعايير المعمول بها عالميا، والمتمثل في ضرورة تخصيص 15 مترا لكل فرد…
هذا المعطى العلمي المتعارف عليه في كل بقاع العالم، والذي نفتقده للأسف بأكبر مدينة بالمغرب، يدعو إلى عدة تساؤلات حول المعدل المحصل في الدار البيضاء، بحكم أن المعدل يعرف تفاوتا كبيرا بين مناطق العاصمة الاقتصادية، فهناك مناطق تعرف معدلا ضعيفا، كاحياء مرس السلطان، الحي المحمدي التي يبلغ المعدل فيها 0.35 متر مربع لكل فرد.
فحديقة “مردوخ” التي أنشئت سنة 1907، سميت باسم تاجر بريطاني مرضاك “Murdoch”، ومثلت ركنا مهما في أول تخطيط مدني فرنسي لامتداد منطقة الدار البيضاء الحضرية، حيث عمل على تصميمها المهندس ألبيغ تاغديف.
جدير بالذكر أنه تمت إعادة تسمية هذه الحديقة يوم الجمعة 9 أكتوبر 1987، من قبل جلالة الملك محمد السادس والذي اختار لها اسم حديقة “الايسيسكو”، وذلك بمناسبة تأسيس نوادي الإيسيسكو الألسكو بولاية الدار البيضاء الكبرى.

< إنجاز : عادل غرباوي

تصوير: أحمد عقيل مكاو

Related posts

Top