لم يعد المواطن بجماعة حد بوموسى بإقليم الفقيه بن صالح، يفكر في “الملفات العالقة”، بقدر ما يفكر في التسيير المتعثر للمجلس الجماعي، الذي خيّب ظن العديد من المتتبعين للشأن العام، حيث أضحى شبه مؤكد على أن عجلة التنمية لن تبارح مكانها، وأن الأمر في ظل التدبير الحالي سيزداد سوءا، وستجد تطلعات المواطنين طريقها إلى سلة المهملات إذا لم تتدخل الجهات المعنية على الخط لصقل الاعوجاج برؤية متبصرة وعقلانية.
واقع، يقول مواطنون، أفرزته سياسة التدبير الحالي التي كانت ولازالت إلى حد الساعة وراء الاحتجاجات الأخيرة، وزاد من استعصائه على الفهم اختفاء بريق الأمل الذي راود الكثيرين إبان الاستحقاقات السابقة، حيث كانت الوعود أكبر من الالتزامات وكانت الأفواه تجود بما لا يمكن تحقيقه في غياب إرادة حقيقية للتغيير، مما حوّل انتظارات الساكنة إلى كابوس حقيقي لا يُشخْصنُ الإشكالات التنموية فقط، إنما يكشف على أن عمق الأزمة ليس في الموارد المالية أو في ثروات المنطقة أو في كيانات المجتمع المدني، إنما في طبيعة التفكير والتحليل وفي طرائق التشخيص المحدودة للأزمات الحقيقية التي ميزت المجالس المنتخبة السابقة ولازالت تُؤطّر عقليات بعض الفاعلين السياسيين، وتكشف بالمباشر عن استمرار وجود بؤس فكري عقيم في تدبير الاكراهات التنموية بالجماعة.
والآن، وبعدما اتضح أن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن حبل الوعود قصير، فإن عددا من المواطنين بجماعة حد بوموسى لم يجدوا بديلا سوى نهج أسلوب الاحتجاج، تعبيرا منهم على رفضهم القاطع لسياسة التضليل والتسيير الأحادي ومحاولة تبرير الفشل عبر نقذ الآخر، وقد بلغ مستوى الاحتقان درجة الجهر بعدم الانتماء لأي لون سياسي، والتأكيد على أن “عُمر لا يختلف عن زيد بالمجلس الجماعي”، وأن الحاجة الملحة للساكنة تقضي من كل الأطياف السياسية المسؤولة وضع عباءتها مؤقتا ومجابهة الاكراهات الحقيقية التي تتخبط فيها الجماعة الترابية .
ويطالب المحتجون من السلطات الإقليمية التدخل على الفور من أجل تسريع وتيرة الاستجابة لمطالب الساكنة والتحقيق في المشاريع المبرمجة، وتتبع ما هو في طور الانجاز والاطلاع على محاضر الدورات والنظر في مدى التزام المجلس الجماعي ببرمجتها، والكشف بالمقابل عن الجهات التي تعرقل سياسة المجلس، والعمل على تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومنع بعض الأيادي الخفية من التحكّم عن بُعد في تدبير الشأن العام، والكف عن خدمة أجندة سياسية بعيدة عن هموم الساكنة.
وتؤكد بعض الأصوات المتضررة على أن واقع الجماعة الترابية بحد بوموسى، بات لا يطاق في ظل استمرار البناء العشوائي وتعثر المشاريع المبرمجة والغياب التام للمرافق السوسيو اجتماعية ذات الصلة بالمواطن وتدني مردودية قطاع الصحة والرياضة والترفيه والتعليم في غياب مناخ ملائم للاشتغال، واستمرار نفس الحال بالمركز وباقي الدواوير التي عانت ولازالت من الربط بشبكة الماء الشروب والصرف الصحي والطرق والمسالك، وملاعب القرب ودور الطالبة والفتاة ..الخ.
ويندد المحتجون بما جدّ على الساحة مؤخرا، ويُحملون السلطات المحلية والمجلس الجماعي تبعات هذا الواقع المتشظي واختلالاته، ويقولون أن الجماعة تحولت بين عشية وضحاها، إلى وكر لترويج مسكر الماحيا ، حيث تكشف حصيلة آخر حملات عناصر الدرك الملكي عن حجز أزيد من 20 طن من مسكر الماحيا المخمرة، ومئات الكيلوات القابلة للتسويق وعشرات الكيلوات من باقي أنواع المخدرات في ظرف لا يتجاوز 30 يوما، وهي أرقام مخيفة جدا وبقدر ما تكشف عن مجهودات عناصر الدرك الملكي بالجماعة الترابية، بقدر ما تكشف عن حجم هذه الكميات المستهلكة من طرف الشباب وتُسائل في الوقت ذاته الجهات المتسترة عن الظاهرة، بحيث يصعب القول على أن عيون المخزن وأعوانه لم تكن تعلم بكل هذه “المعامل السرية” الخاصة بتقطير هذه السموم، كما لا يمكن القول إنها لا تعلم بباقي الظواهر الأخرى غير القانونية التي باتت تميز المنطقة من بناء عشوائي، واستغلال فاحش للإنارة العمومية وترامي مكشوف على الملك العمومي ..
و في سياق محاولاتها الرامية إلى تفادي أي احتقان جماهيري، تطالب كل الأصوات المحتجة من الأقلية والأغلبية بالمجلس الجماعي عقد لقاءات تواصلية مباشرة من اجل وضع حد لمسلسل حرب الاتهامات المجانية التي لا تخدم الساكنة في شيء، و الوقوف على مقترحات وبرنامج كل طرف على حدة، ومعرفة من له اليد الكبرى في تعثر مسلسل التنمية بالجماعة، وتبقى الآمال المعقودة على السلطات الإقليمية في حالة ما إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
حميد رزقي