حرب النجوم..الأسطورة تتحول إلى صناعة هائلة

أخذ بعض الأطفال يتبارزون بسيوف بلاستيكية أمام إحدى دور عرض السينما في لندن على طريقة أبطال سلسلة حرب النجوم، وذلك بعد أن شاهدوا آخر فيلم تم إنتاجه في هذه السلسلة. ويتضمّن هذا الجزء مشاهد مبارزة بسيوف خاصة بين رموز الخير والشر تناسب أجواء الفضاء.
وعلى بعد خطوات قليلة من موقع قاعة السينما، قام متجر آخر أكثر اتساعا بتوفير كافة ما يتطلع إليه عشّاق حرب النجوم، بما في ذلك ملابس الجنود الفضائيين والشخصيات الخرافية التي تظهر في السلسلة.
إذا واصلت السير في نفس المنطقة، الواقعة جنوب شرق لندن، إلى أحد فروع الشركة المنتجة للفيلم، وهي شركة ديزني، فستجد بالإضافة إلى شخصيات حرب النجوم وأسلحتها، ملابس وشخصيات أخرى ظهرت في الأفلام التي أنتجتها الشركة، مثل شخصية الرجل الحديدي أو الأسد الملك أو ميكي ماوس وغيرها من الرموز والقصص والأساطير التي شكّلت وعي الملايين من الأطفال في مختلف بلاد العالم. ومن المنتظر أن تحقق مبيعات المنتجات المرتبطة بسلسلة حرب النجوم وحدها نحو خمسة مليارات دولار في عام 2016، بحسب تقديرات الشركة.
حقّق سابع أجزاء سلسلة حرب النجوم، والذي حمل عنوان صحوة القوة، نجاحا هائلا داخل الولايات المتحدة وخارجها، ومن المنتظر أن تتجاوز إيرادات عرض الفيلم على شاشات السينما وحدها نحو ملياري دولار. وكل هذا ينعكس بالطبع على شركة ديزني التي زادت أرباحها في السنوات الأخيرة لتصل إلى نحو 8 مليارات دولار في عام 2015، بحسب ما ورد في تقرير لمجلة “إيكونوميست” البريطانية. وارتفعت قيمة أسهمها إلى خمسة أمثال ما كانت عليه قبل عشر سنوات. وتمتد قائمة منتجات الشركة لتشمل مجموعة من الحدائق الترفيهية في مختلف بلاد الأرض، مثل باريس وطوكيو وهونغ كونغ، علاوة على سلسلة منتجعات وفنادق داخل هذه الحدائق أو بالقرب منها، وهي تدر أرباحا تجاوزت 3 مليارات دولار في عام 2015.
وكان من الطبيعي أمام هذه الأرباح الهائلة أن تتسع شهية مديري شركة ديزني للمزيد من أفلام حرب النجوم، إذ تخطط الشركة لإنتاج خمسة أفلام جديدة من هذه السلسلة مع حلول العام 2020، من بينها فيلمان آخران لمتابعة أحداث صحوة القوة، علاوة على ثلاثة أفلام بعناوين مختلفة. وفي ذات الوقت يتم إنشاء أقسام خاصة بألعاب وشخصيات حرب النجوم في منتجعي ديزني في كاليفورنيا وفلوريدا لتلبي احتياجات الطلب المتصاعد، كما هو منتظر، على هذه النوعية من الألعاب.
لم يأت هذا النجاح الهائل من مجرد إنتاج سلسلة متميزة من الأفلام وتسويقها ببراعة، وإنما جاء بناء على رؤية استراتيجية واضحة تسير عليها شركة ديزني منذ عام 1957. وتقوم هذه الاستراتيجية على إنتاج الأفلام التي تخلق شخصيات جذّابة وأبطالا محبوبين، ثم تسويق هذه الشخصيات وهؤلاء الأبطال من خلال ألعاب الأطفال والأزياء الخاصة في المحال التجارية أو عبر المجلات والكتب أو من خلال برامج تلفزيونية أو من خلال الحدائق الترفيهية التي توفر لزوارها فرصة الاستمتاع بعالم خيالي يمكن أن يلتقوا فيه بأبطالهم، أو أن يعيشوا في الواقع مشاهد مشابهة لما يشاهدونه على شاشات السينما. وكل فرع من أفرع هذه الصناعة مرتبط بالآخر، بحيث يتم تعظيم أرباحها جميعا. وعلى سبيل المثال، يمكنك عند زيارة الحدائق الترفيهية لديزني أن تشتري ألعابا وهدايا للشخصيات التي تراها في الأفلام، ويمكنك أن تشتري كتبا أو مجلات عنها، ويمكنك أن تشاهد عروضا سينمائية.
وبلا شك إن النجاح في التسلل إلى قلوب الجماهير، خاصة الأطفال، واحتواء مشاعرهم وتقديم شخصيات يتعلقون بها ويتوحدون معها، هي من المهام بالغة الصعوبة، وتتطلب الكثير من الابتكار والإبداع والتطوير. ولهذا حرصت شركة ديزني على شراء مجموعة من الشركات الأصغر التي ابتكرت شخصيات ناجحة، ومن أبرزها شركة “لوكاس فيلم” التي بدأت سلسلة حرب النجوم. وتمت الصفقة في عام 2012 بنحو 4 مليارات دولار. وقبلها قامت ديزني بشراء شركة مارفل التي قدّمت شخصية الرجل العنكبوت بمبلغ يصل أيضا إلى 4 مليارات دولارا في العام 2009. أما الصفقة التي أثارت الكثير من الجدل فكانت صفقة شراء شركة “بيكسار” تقريبا بنحو 7 مليارات دولا ر في عام 2006 على الرغم من أن إنتاجها كان قاصرا على فيلم واحد سنويا، لكن مؤسسها، ستيف جوبز، مؤسس شركة آبل العملاقة في صناعة المعلومات، أثبت قدرة شركته على الإبداع في مجال الرسوم المتحركة، مما أقنع مديري ديزني بضرورة شرائها.
كل هذه الشركات لم تقدم منتجا تقليديا، بل قدّمت خيالا أو أسطورة داعبت مشاعر الناس، خاصة في العصر الحالي الذي تشتد فيه الصراعات الدينية والمذهبية والعرقية في مناطق كثيرة من العالم. ومن ثمة تقدم الأفلام القائمة على الشخصيات الخيالية شيئا يمكن أن يتفق عليه كثيرون في مناطق مختلفة من العالم رغم اختلاف ثقافاتهم. بمعنى آخر تقدم منتجا عابرا للثقافات والخلافات، بل عابرا للواقع إلى عالم خيالي مختلف، عادة ما ينتصر فيه الخير على الشر.
المنافسة الآن حامية على صناعة الأسطورة وتقديمها في شكل أفلام ومسلسلات وإعادة تسويقها في شكل ألعاب وأزياء ومجلات وكتب. وعلى سبيل المثال، نجحت شركة “يونيفرسال” في إنتاج وتسويق سلسلة من أفلام حديقة الديناصورات، وتخطط للمزيد منها. وشركة “وارنر براذرز” تخطط هي الأخرى لإنتاج ثلاثة أفلام جديدة من سلسلة هاري بوتر.
ربما نجحت ديزني على نطاق أوسع في صناعة الأسطورة بسبب احتكارها لشخصيات خيالية تقوم عليها هذه الصناعة وبسبب تقدمها التكنولوجي وامتلاكها لشبكة واسعة من منافذ البيع وشبكة من الحدائق الترفيهية وقيامها بشراء شركات رائدة في هذا المجال وسعيها إلى شراء المزيد من الشركات والرؤية الواضحة التي تتم بها إدارة منتجات الشركة. ولكن ربما العنصر الأهم في كل هذا أنها نجحت في صنع أسطورة تخلب قلوب الجماهير، وتقنعها بالعيش معها ولو لساعات. نجحت في تحويل الخيال إلى واقع إلى درجة أن الآلاف من الشباب في الغرب يقولون إنهم يؤمنون بديانة “جادي”، كما هو حال أبطال حرب النجوم الذين يؤمنون بالسلام والخير لشعوبهم.
ونجحت أسطورة حرب النجوم إلى درجة بلغت معها إيرادات منتجاتها المتعددة نحو 32 مليار دولار منذ أن ظهرت للوجود في العام 1977، هذا بخلاف الإيرادات المنتظرة من الفيلم الأخير والأفلام القادمة.
جدير بالإشارة أن سلسلة حرب النجوم أثبتت أن الأسطورة يمكن أن تتحول إلى صناعة هائلة، وأن الإبداع والخيال يمكنهما أن يسعدا الناس أكثر من واقعهم، ويمكن أن يحققا أرباحا لا تحققها صناعات أخرى تخاطب واقع الناس لا خيالهم.

Related posts

Top