حزب التقدم والاشتراكية يخلد ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال بعرض “معجزة قسم”

اختار حزب التقدم والاشتراكية تخليد ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال بأسلوب آخر، وذلك بعرض الفيلم الوثائقي “معجزة قسم” للمخرجة لبنى اليونسي، وإنتاج محمد حسن الشاوي، والذي يحكي عذابات ربع قرن من الزمن في جحيم معتقلات تندوف فوق التراب الجزائري.
هذه الأمسية الفنية التي احتضنها مدرج علي يعته بالمقر المركزي للحزب، أول أمس الخميس بالرباط، عرفت حضور قيادة حزب التقدم الاشتراكية، في مقدمتهم إسماعيل العلوي رئيس مجلس الرئاسة، وبعض أعضاء الديوان السياسي، وثلة من أعضاء المقاومة وجيش التحرير، والطاقم الفني والتقني لـ”معجزة قسم”، ومعتقلين سابقين في سجون البوليساريو.
وخلال تقديمه لهذا العمل الفني، وقف كريم التاج عضو الديوان السياسي للحزب، عند مختلف الدلالات التي يحملها هذا الفيلم الذي يخلد لذكرى هؤلاء الأسرى الذين ضحوا بحياتهم لاسترجاع الصحراء المغربية، ولنصرة قضايا الوطن في سبيل بناء مجتمع ديمقراطي حداثي تسوده العدالة الاجتماعية، مبرزا شجاعة أولئك الجنود الذين لم يستطع العدو أن يزحزحهم عن حب وطنهم وعن إيمانهم بقضاياه العادلة.
من جانبه، وصف المعتقل السابق القبطان علي نجاب وواحد من أبطال الفيلم، مبادرة عرض هذا الشريط بمدرج علي يعته بمقر حزب التقدم والاشتراكية، ب “الإيجابية،” مشيرا إلى أن هذا العمل الفني الذي يسلط الضوء على بشاعة العمل الإجرامي الذي اقترفته قيادة البوليساريو والجزائرين في حق الأسرى المغاربة، يندرج في إطار حفظ الذاكرة وإعادة الاعتبار لهؤلاء الأسرى الأحياء منهم والأموات.
وأضاف علي نجاب الذي اعتقل سنة 1978 وترك وراءه زوجته وابنته ذات الثلاث سنوات، أن هذا الفيلم تمكن إلى حد كبير من إيصال معاناة أزيد من 2000 معتقل تعرضوا لمختلف أشكال التعذيب في مخيمات تندوف، لأزيد من 25 سنة من الاعتقال وعانت معهم أسرهم وزوجاتهم، ولا سيما نساء المحتجزين اللواتي عانين الأمرين من أجل تربية الأبناء.
هذا الفيلم الذي يحكي في قالب فني مأساة هؤلاء الأسر وبلسانهم، بدون رتوش ولا تمثيل، نجح في الواقع في أدق تفاصيله، رغم أن زمن المأساة التي توازي 9000 يوم لا يمكن اختزاله في 100 دقيقة التي هي عمر الشريط، لكنها كانت كافية لتبليغ الرسالة ولتقريب حقيقة ما جرى للمشاهد والمتلقي.
“معجزة قسم” صور بشخوص واقعية، وهم الأسرى الحقيقيون الذين تكبدوا المعاناة في معتقلات تندوف، كالكابتان علي نجاب، والقبطان محمد بلقاضي، ومحمد بطيش، والممرض الفريزي عبد الرزاق، والمخفي عبد الله، والعرجي عبد الرحيم، وغيرهم من المعتقلين السابقين، الذين شخصوا المأساة كما هي، وكما عاشوها من خلال مشاهد أقرب إلى الحقيقة، تشعرك كمشاهد، بحجم التفاعل الذي حصل بين المخرجة وهؤلاء الأسرى/ الأبطال.
الفيلم الذي صور في منطقة تامصلوحت ضواحي مدينة مراكش رصد الانتهاكات الجسيمة التي اقترفتها الجزائر والبوليسايو والتي وصلت حد الإجهاز على الحق في الحياة، ويوثق بالصوت والصورة حجم الجرائم التي تطال الأسرى المغاربة في مخيمات تندوف، في خرق سافر لكل المواثيق الدولية وفي مقدمتها معاهدة جنيف لأسرى الحرب.
ورغم أن الفيلم في مجمله هو عبارة عن شهادات حية بلسان أصحابها، إلا أن المخرجة لبنى اليونسي تمكنت، وفق رؤية إخراجية تعتمد تسليط الضوء على أدق التفاصيل من خلال التركيز على ملامح الشخوص وعلى إيقاعات الحركة، وطبيعة الأولوان، من محاكاة واقع الحياة اليومية في مخيمات تندوف، حيث لخصت من خلال كل ذلك حجم المعاناة اليومية تحت نار السياط ولهيب الشمس الحارقة، والجوع مع الأشغال الشاقة، لنظهر كيف أن هؤلاء الاسرى تحملوا كل تلك العذابات وكيف آمنوا أن شمس الحرية ستشرق يوما.

***

شهادات

  • لبنى اليونسي مخرجة الفيلم

بالنسبة للرؤية الإخراجية، اعتمدنا على الصورة المقربة، والهدف هو أن نجعل المشاهد يعيش عن قرب تلك المعاناة التي عاشها هؤلاء الأسرى طيلة 25 سنة، والتي كان من الصعب تلخيصها في ظرف وجيز لا يتعدى الساعة والنصف.
في البداية، فكرنا في الاشتغال مع ممثلين محترفين، لإعادة تمثيل تلك الأحداث المأساوية، ولكن بحكم تلك الجلسات التي قضيناها مع هؤلاء الأسرى والتي امتدت لخمس سنوات تقريبا، لا حظنا أن كل ما كانوا يحكونه عن معاناتهم، يعيشونه في اللحظة الراهنة، وفي كل مرة كنت أقتنع أنهم ممثلون حقيقيون لما وقع لهم، ولما اقترحت عليهم الفكرة تقبلوها.
خلال إعادة التمثيل كانوا هم من يتحكم في سير المشاهد كلها، وبالتالي فقد سهلنا عليهم المهمة بحكم عامل السن، وأيضا بحكم أن ظروف التصوير كانت صعبة من حيث الجغرافية ولا من حيث برودة الطقس. أيضا لم نكن نرغب في إجهادهم وإنهاك نفسيتهم من جديد، وقد مثل لنا ذلك نوع من المعاناة لم يشعروا بها.
التلقائية التي تعاموا بها مع كامرتي التصوير، أعطت قوة كبيرة للفيلم، لم نكن نتوقعها، فقط لأنهم كانوا يعبرون عن مشاعرهم الداخلية أكثر مما كانوا يمثلون، وكانت بالنسبة لهم نوع من جلسات العلاج النفسي.
فريق العمل فهم الرسالة التي أراد هؤلاء الأبطال إيصالها وهي درس في حب الوطن وفي التضحية ونكران الذات، وهو ما جعلنا نغير عنوان الفيلم الذي كان مقترحا في البداية وهو «ربع قرن من الجحيم» إلى عنوان «معجزة قسم»، قسم حب الوطن والدفاع عنه، فقد حكوا أنهم كانوا هم السبب في عودة العديد من قيادة البوليساريو إلى الوطن.
أود بالمناسبة أن أشكر المركز السينمائي المغربي على الدعم الذي قدمه لهذا العمل الفني الذي صنف ضمن الأفلام الوثائقية الحسانية، وأشكر أيضا المنتج حسن الشاوي الذي بادر دون تردد إلى إنتاج هذا الفيلم الذي يحرك المشاعر الوطنية ويترجم معنى حب الوطن، عبر شهادات من الواقع ترصد البطولة الحقيقية، ومعنى التضحية من أجل وحدة الأرض.

  • محمد حسن الشاوي منتج الفيلم

لقد قمت بإنتاج العديد من الأفلام الدرامية، وجاءت اللحظة لنلتفت للأفلام الوثائقية ذات البعد الوطني، فكان لي شرف إنتاج هذا العمل بدعم من المركز السنيمائي المغربي، وهو فيلم يهم جميع المواطنات والمواطنين المغاربة، ويتعين أن يشاهد على أوسع نطاق بالنظر إلى بعده الوطني ودوره التربوي والتاريخي لأحداث ظلت في الظل، وكاد يطالها النسيان، وهو أيضا فيلم يعيد الاعتبار لهؤلاء الأسرى الذين ذاقوا شتى أنواع العذاب في معتقلات تندوف على يد البوليساريو والمخبرات العسكرية الجزائرية، فهو فيلم يصنف في إطار ما بات يعرف بحفظ الذاكرة، ليطلع عليه الشباب والأجيال القادمة، لأن الرسالة التي علمنا إياها هؤلاء الأبطال كانت بليغة وهي بالفعل معجزة قسم، ودرس في الوطنية، في الإخلاص والوفاء لقسم الوطن، ولم تنل منهم مغريات ولا عذابات العدو، ولم تزحزحهم عن حبهم لوطنهم.

  • الطيار محمد بلقاضي معتقل سابق

هذه المبادرة التي قام بها حزب التقدم والاشتراكية تشعرنا، أن هناك حزب التفت إلى معاناتنا، وتعرف عن قرب على ما قاسيناه من معاناة التي حكاها الفيلم، ولو باقتضاب وبشكل مكثف، من خلال الصورة التي نجحت إلى حد بعيد في إيصال الرسالة.
أتمنى أن تكون هناك مبادرات أخرى، مماثلة، للتعريف بهذا الجانب، الذي لا تعرفه الناشئة عن تاريخ المغرب الحديث، وإذا كان الفيلم قد نقل بعض صور المعاناة فإنه لم ينقل كل شيء، ولن يستطيع فعل ذلك حتى لو أراد، مثلا لم ينقل كيف دفن الناس أحياء، وما هو حجم العذاب الذي شعروا به وهم يدفنون أحياء، لا أحد بإمكانه وصف ذلك أو الحديث عنه، لأن الأمر صعب جدا.
الجزائريون من جهتهم، كانوا يريدون منا أن نوجه سلاحنا ضد الوطن، والبلولساريو كانوا ينظرون إلينا كتوسعيين، ونحن كنا جنود نحب وطننا، ولما انخرطنا في الجيش كان هدفنا هو الدفاع عن الوطن وعن مقدساته.
لما كنا في الأسر، لم تكن تصلنا الأخبار عن الوطن، ولم نكن نعرف ما يجري هناك، لكن اليوم، لما عدنا من الجحيم ورأينا كيف تقدم الوطن وما تحقق به من منجزات، شعرنا بارتياح كبير وعرفنا قيمة ما ضحينا من أجله، وعرفنا أيضا كيف أن العدو الذي سلب حريتنا وأذاقنا جميع ضروب العذاب، لم يتمكن من انتزاع حب الوطن في صدورنا.
أن يعرض حزب التقدم والاشتراكية، هذا الفيلم، وداخل مقره، وفي قاعة جميلة جدا تتوفر على مقومات قاعة العرض، هذا بالنسبة لنا يشكل مثار فخر واعتزاز، وهي مباردة ستساهم في حفظ الذكرة وأيضا ستساهم في إبراز هوية العدو الحقيقي وهو الجزائر التي لن تحب الخير للمغرب أبدا إلى درجة أني اقتنعت، مع الأسف، أن لا مستقبل قد يجمعنا مع الجزائر.

  • بنجدي بوجمعة طيار ومعتقل سابق

المبادرة التي أقدم عليها حزب التقدم والاشتراكية بعرض فيلم معجزات قسم، هي مبادرة إيجابية وغير مسبوقة على مستوى الأحزاب السياسية.
هذا الفيلم يحكي، بواقعية، جزء من ما عاشه الأسرى المغاربة من معاناة ومآسي في معتقلات تندوف.
اعتقلت من طرف البوليساريو لمدة 21 سنة، من سنة 1981 إلى سنة 2002. وما شهدناه في الفيلم ما هو إلا النذر القليل من تلك المعاناة، والتي توفقت المخرجة لبنى اليونسي بمعية المعتقلين أنفسهم، في نقلها إلى الجمهور الواسع، وقد نجحت في إيصال الرسالة التي أراد هؤلاء الأسرى أن يبلغوها للمجتمع، وهذا هو المهم في اعتقادي.
أتمنى أن ينكب مخرجون ومنتجون أخرون على أعمال مماثلة حتى لا يطالها النسيان، وحتى يمكن للأجيال القادمة أن تعرف الحقيقة كما هي لا كما يراد إيصالها.

  • الفنان عبد الكبير الركاكنة

فيلم معجزات قسم، بالفعل هو معجزة، معجزة هؤلاء الأسرى المغاربة الذين تمكنوا من البقاء على قيد الحياة بعد مرورهم من جحيم تندوف، وكيف تمكنوا من مواجهة ذلك الكم المهول من المعاناة الأليمة، طيلة ربع قرن من الزمن.
الجميل في كل هذا، أن هؤلاء الناجون من الجحيم، يصرحون اليوم أنه إذا اقتضى الأمر وطلبهم الوطن مرة أخرى الدفاع عن حوزته فسيبلون النداء دون تردد، دون انتظار مقابل من أحد، وهذا في اعتقادي درس بليغ في الوطنية يتعين أن نلقنه للشباب وللأجيال القادمة، لأنه هكذا يمكن أن نتربي على حب الوطن.
هذه الذاكرة الموشومة، التي لم نعشها نحن، والتي نجح هذا الطاقم الفني بقيادة المخرجة لبنى اليونسي والمنتج حسن الشاوي، في إبرازها ونفض الغبار عنها، ومن ثمة عن جيل من الرواد ناضل في سبيل عزة هذا الوطن وفي سبيل أمنه واستقراره.
قيمة هذا الفيلم التاريخية والتربوية، لن تبرز بالشكل المطلوب دون إيصال هذا الفيلم إلى الجمهور الواسع، في القاعات السينمائية وأيضا وسط المؤسسات التعليمية، من أجل مشاهدته من طرف الطلبة والتلاميذ وعموم الشباب المغربي، وبالتالي فالمبادرة التي قام بها حزب التقدم والاشتراكية، مشكورا، يمكن أن تساهم في إبراز هذه القيمة.
من الزاوية الفنية، ما أعجبني أكثر، هو أن هؤلاء الأشخاص الذين قاسوا عذابات سجون تندوف، والذين كانوا هم أبطال الفيلم، أدوا أدوارهم الحقيقية، بصدق الإحساس وبتلقائية منقطعة النظير
لقد نجحت المخرجة لبنى اليونسي في توظيف هؤلاء الأشخاص الذين هم اليوم كبار في السن، وكانوا قد عاشوا تلك المعاناة وهم في ريعان شبابهم. الجميل، وبحس فني راق، لم نشعر بالفرق ونحن نشاهد الفيلم، ولا أحد انتبه إلى فارق السن، لأن المخرجة اشتغلت على هذه النقطة من زاوية إخراجية جميلة جدا، ولم يظهر ذلك حتى على مستوى السرد والحكي الذي مر بطريقة سلسلة، جعلتنا نعيش في صلب ذلك الواقع الحقيقي الذي عبرت من خلالها عن معاناة هؤلاء الأبطال الذين يستحقون منا أكثر من تكريم وأكثر من التفاتة.

  • القبطان علي نجاب معتقل سابق وأحد أبطال الفيلم

شعوري وأنا أرى الفيلم، وأنا جزء من طاقمه ينطبق عليه قول أحد الفلاسفة الذي قال” الكلام يشفي الجسد”.
فكلما عبرنا عن ما عشناه في جحيم تندوف، إلا ونشعر بنوع من الارتياح النفسي والمعنوي.
فكل صورة من صور الفيلم تذكرنا بعشرات بل بمئات الصور الأخرى التي لم نذكرها في الفيلم، وبالتالي أمامنا مسلسل طويل لترميم جراحنا وآلامنا التي لا تزال بداخلنا، فكلما أعدت مشاهدة هذه الصور إلا وحدث لي نوع من العصف الذهني وتذكرت أصدقائي الذي قضوا نحبهم في الأسر، تحت التعذيب، وأيضا كلما شاهدت هذه الصور فكرت في أصدقائي الذين عادوا ولم يجدوا لا عائلة ولا أبناء ينتظرونهم، كما يذكرني ذلك بالمشاكل التي عانى منها الأسرى بعد عودتهم والصعوبات التي واجهوها في سبيل إعادة اندماجهم في المجتمع.
لم نرغب في الحديث بكل صراحة عن ما بعد العودة، وعن الصعوبات التي تلقاها الأسرى العائدون من الجحيم، سواء مع أسرهم أو مع المجتمع بصفة عامة، في اعتقادي فإن مسؤولية الدولة تظل قائمة على هذا المستوى، بالإضافة إلى مسؤولية المجتمع المدني، نحن لم نكن نطلب القيام بمجهود من أجل إطلاق السراح، لأن في ذلك اعتراف بالبوليساريو وهو ما لم نكن نرغب فيه، لكن بعد إطلاق السراح كان على الدولة والمجتمع المدني أن تقوم بمجهود مضاعف من أجل إعادة إدماج هؤلاء.

محمد حجيوي

Related posts

Top