دعا حزب التقدم والاشتراكية إلى فك ارتباط نمو الاقتصاد المغربي بالتقلبات المناخية، وذلك من خلال “تغيير في التركيبة الحالية التي تتميز بكون القطاع الأولي الذي يهم الإنتاج الفلاحي والصيد البحري والإنتاج المنجمي، يحتل المكانة الثانية بعد القطاع الثلاثي الذي يعني الخدمات في جميع تجلياتها، ويوجد قبل القطاع الصناعي الذي مازال في مؤخرة التركيبية الحالية الدالة على نوعية الاقتصاد المغربي”.
وشدد حزب التقدم والاشتراكية، في المذكرة التي ننشر فيما يلي نصها الكامل، على ضرورة الانتقال، على المدى الطويل، من التركيبة من نوع 3-1-2 إلى تركيبة من نوع 3-2-1، أي العمل على تنمية القطاع الصناعي بشكل يجعله يحتل مكانة أقوى من تلك التي مازال القطاع الأول يتبوؤها.
واعتبر حزب التقدم والاشتراكية أن الهدف المراد بلوغه هو تطوير الصناعة والرفع، في الوقت ذاته، من إنتاجية الفلاحة وتقوية قدرتها التنافسية داخلياً وخارجيا، مع صيانة جودة البيئة بحماية الثروة المائية والهدروجيولوجية عن طريق التدبير المعقلن لماء الري.
فيما يلي النص الكامل للمذكرة:
يقدر عدد سكان أرياف وبوادي بلادنا بما يناهز 13 مليون نسمة و «تتمتع» هذه الملايين من البشر من 9 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للفلاحة.
وكما يمكن للقارئ أن يستنتجه فالمعادلة بين عدد السكان والمساحات الممكن استغلالها غير متوازنة، إذ أن توزيعا تعادليا لا يأخذ بعين الاعتبار لا الهياكل العقارية كما هي حاليا ولا وجود التراب ولا وجود أو غياب الري ووفرة المياه، ولا التقنيات ومناهج وطرق الإنتاج الزراعي، لن يعطينا سوى نصف هكتار تقريبا لكل نفر أي أقل من 6 هكتارات للأسرة الواحدة المكونة من 10 أفرادا.
وتجدر الإشارة إلى أن المساحة الصالحة للنشاط الفلاحي لم تكن لتتعدى 5 ملايين هكتار خلال العقد السابع من القرن الماضي في حين لم يكن مجموع سكان أريافنا يصل إلى العدد المسجل اليوم.
ولقد توسعت هذه المساحة في ظرف أقل من 40 سنة بنسبة تناهز 40% حيث قفزت من 5 ملايين هكتار إلى 9 ملايين اليوم.
وحصل هذا الارتفاع الملحوظ على حساب مساحات كانت مكسوة بالغابات والأحراش أو كانت مخصصة لرعي قطعان الماشية أي أن هذا الطفح المسجل حصل في مناطق ذات تربة غير ملائمة تمام الملائمة لأي نشاط زراعي مجد والسبب في ذلك ناتج عن النمو الديموغرافي وعما يسمى عند بعض الأخصائيين «بالحاجة إلى الأرض المنتجة» Faim de terre «.
إذن فالمصادقة ليست عادلة من أصلها لدرجة أن نصف سكان عالم الأرياف عندنا «ما يفوق 6 ملايين نسمة» لا يملكون أي مورد عيش كفيل بتلبية حاجاتهم وضمان ظروف عيش كريم لهم.
لذا فحالة الجفاف، كالتي نحياها حاليا، والتي تشمل 7 ملايين من الهكتارات المتخصصة للزراعة ولتغذية أزيد من 20 مليون رأس ماشية ستؤدي حتما إلى تسريع وتيرة ظاهرة، مسجلة في نوعية «أجناتنا» الاقتصادية والاجتماعية الحالية، وهي ظاهرة هجرة السكان من الأرياف في اتجاه المراكز الحضرية الوطنية « الصغيرة منها والمتوسطة والكبرى» أو في اتجاه الخارج الذي لم يبق قابلا بهذا النوع من التوافد عليه.
وعلينا أن لا نعتبر ونظن أن الأمطار والثلوج التي تهاطلت في الأيام الأخيرة كفيلة بإنقاذ الموسم الزراعي الحالي لاسيما بالنسبة للحبوب قادرة على وضمان حياة كريمة لغالبية سكان الأرياف.
ولذا فمن المستعجل اتخاذ كل التدابير والإجراءات التي من شأنها جعل البلاد تتجنب عواقب هذا الوضع وهذه الحالة على المستوىين الاقتصادي والاجتماعي. ولا يسعنا إلا أن نرحب بالقرارات الحكومية التي اتخذت مؤخرا في الموضوع حتى وإن بدت غير كافية بالنسبة للمدى القصير وبالأحرى بالنسبة للمدى المتوسط أي بما تفرضه مجابهة الوضع في السنتين الفلاحيتين المقبلتين (2016-2017 / 2017-2018) .
على المدى القريب
وبالفعل للرد على عواقب الجفاف «أو بتعبير أدق العجز المطري الحالي الذي قدر مطلع شهر فبراير ب : 63% مقارنة مع المعدل المعتاد» الذي تأثرت جراءه مساحات شاسعة من الحبوب شملت 2.3 ملايين من الهكتارات، قام أصحابها ومستغليها بحرثها وبذرها، والذي تأثر جراءه كذلك من جهة أولى، الغطاء النباتي الذي تقتات منه قطعان الماشية ومن جهة ثانية الموارد المائية، قررت الحكومة تخصيص مبلغ إجمالي يقارب 6 ملايير درهم موزع على النحو التالي : 4.5 مليار كدعم مباشر من قبل الدولة و1.2 مليار يمثل التعويضات التي ستقدمها التعاضدية الفلاحية التي تقوم بتأمين المحصول.
فالدعم الحكومي المباشر
سيصرف في 3 ميادين
-أولها صيانة القطيع وإنقاذه وذلك بجعل كميات ملائمة من الشعير رهن إشارة الكسابين بثمن 2 درهمين لكل كيلو غرام. وتتكفل الدولة بتحمل نقله إلى 72مركز توزيع عبر المجال الوطني . وبجانب ذلك ستسهر الدولة على توريد البهائم وذلك ببناء وتهيئة أماكن ونقائر خاصة لهذا الغرض.
-وثاني القرارات يهدف إلى مساعدة الفلاحين الذين يرغبون في تعويض الحبوب الشتوية بمزروعات أخرى، ربيعية، كالذرة أو القطاني أو النباتات الزيتية كنوار الشمس مثلا، مع، طبعا، على أمل ألا لا تبخل السماء عنا ماء.
من أجل تحقيق ذلك تقرر اللجوء إلى القرض ألفلاحي الذي سيساهم بحوالي 5،1 مليار ونصف المليار من الدراهم دون إغفال ما سيأتي به التأمين الفلاحي الذي التزم بتغطية ما يفوق المليون هكتار بمقابل مليار درهم.
ويضاف إلى هذه الإجراءات ما يهم قطاع المغارس غير المسقية أصلا، والتي تقرر سقيها على 90000 هكتار في إطار الفلاحة التضامنية.
-أما القرار الثالث الكبير فيتميز بنكهة اجتماعية واضحة، إذ يهدف إلى ضمان «استمرار التوازنات في عالم الأرياف».
ويرمي إلى تكريس هذه «التوازنات» عن طريق تزويد «المناطق النائية» بالماء الصالح وإنجاز مشاريع في إطار الفلاحة التضامنية من أجل «ضمان الشغل وما يواكبه من مداخيل نقدية».
ودون الإدلاء بأي حكم مسبق على آثار هذا البرنامج الحكومي الرامي إلى إنقاذ الفلاحة والفلاحين ولاسيما منهم الصغار والمتوسطين «وحتى من لا يملك منهم شبرا واحدا من الأرض لكن يمتلك بعض رؤوس الماشية» فلا يسعنا إلا أن نؤكد، أولا، على ضرورة التعجيل بتفعيل هذا البرنامج وأن تمر الأمور في شفافية تامة تحت مراقبة صارمة.
غير أن هذا الاستعجال الضروري لا يعفينا من التذكير ببعض الحقائق والمعطيات الجلية، والأكثر تجليا هي أن الجفاف ظاهرة تتردد مند قرون خلت في منطقتنا المناخية، والانحباس الحراري الذي يطبع المناخ في عهدنا هذا لمن شأنه أن يزيد في خطر مضاعفة الجفاف ببلادنا. وبالتالي على الجميع أن يدرج هذا المعطى عندما ينظر في السياسة الفلاحية والاقتصادية لوطننا.
أما الحقيقة الجلية الثانية فهي تلك التي تؤكد على أن السوق التي يعتبرها البعض بمثابة «المنظم العادل والمنصف» ليست لا بعادلة ولا بمنصفة بالنسبة للمنتجين في الميدان ألفلاحي. فعند حدوث سنة مطرة كما حصل في الموسم الفارط»حيث ضرب إنتاج الحبوب رقما قياسيا وصل إلى 115 مليون قنطار»، يجد الفلاح، نفسه مضطرا إلى بيع منتوجه بثمن بخص. هكذا بيع الشعير بدرهمين أو درهمين وعشرين سنتيما والقمح «الهش والصلب» بدرهمين و40 سنتيما في أحسن الحالات
واليوم، فما على نفس الفلاح إلا أن يشتري الشعير بثلاثة دراهم و20 سنتيما والقمح بما يقرب من أربعة دراهم . ونظرا لهذا الواقع فمن المنطقي أن يتخلص الفلاحون «ولاسيما منهم مربو الماشية الذين لا يملكون أرضا» من ماشيتهم بأثمنة تدعو إلى السخرية.
وبالرجوع إلى هذا الواقع المر فمن المنطقي أن يعتبر المرء المبلغ الذي عبأته الدولة والمقدر ب 5،4 ملايير درهم بالهزيل. فإذا قيس هذا الدعم المالي بمعدل المصاريف الاستهلاكية لسكان الأرياف الذي وصل، حسب المندوبية السامية للتخطيط سنة 2013، إلى346 درهما للفرد، فإنه لا يمثل سوى 5% من مجموع الاحتياج. لذا فمن الضروري، إعتبارا للمعطيات الاقتصادية والاجتماعية، أن يخصص شطر ثان يعادل مستوى الشطر الأول «أي 5.4 مليارات درهم» للاستجابة إلى احتياجات المواطنين في البوادي والأرياف.
ويبقى من الواجب، زيادة على الشفافية عند توزيع الأعلاف وعلى مناهضة كل أشكال المضربة، أن يعاد النظر في أثمان تلك الأعلاف بخفضها لتصل بالنسبة للشعير إلى 1 درهم واحد و50 سنتيما للكيلو عوض درهمين وإلى 5.2 درهمين ونصف الدرهم بالنسبة للفول المصري féverole) ) عوض 3 دراهم للكيلو دون إغفال، من جهة، «النخالة» التي ما زال العديد من «الكسابة» يولونها أهمية قصوى والتي من المحبذ أن تباع بثمن لا يتعدى 5،2 درهمين ونصف للكيلو الواحد ومن جهة ثانية، العلف المركب الذي من المفيد أن لا يتجاوز سعره الدرهمين.
أما التعاضدية الفلاحية فيمكن أن تنقد الكثير من أسر المزارعين ومربي الماشية إذا ما قدمت تعويضاتهم للمنكوبين في أقرب الآجال أي قبل نهاية الموسم الفلاحي الحالي.
أما في ما يخص مخطط المغرب الأخضر «ذلك المخطط الذي يحتاج إلى تقييم علني ومعمق على المستوى الوطني» فحبذا لو أعيد النظر في توجهاته بمناسبة مجابهة هذا الجفاف الذي تعاني منه البلاد وذلك بإعطاء الأولوية القصوى للمناطق البورية التي تأوي غالبية المزارعين والعدد الأكبر من مربي الماشية ولاسيما منهم الصغار والمتوسطين والخوض بالتالي في تعادل الكفة بين الرافعة 1 والرافعة 2 التي تمثل، لا ريب في ذلك لحد اليوم الجانب المهمول والضعيف «حتى على مستوى تخصيص الاعتمادات المالية».
إضافة إلى هذا الإجراء، فعلى الحكومة أن تطالب القرض الفلاحي بإعادة جدولة ديون الفلاحين وبالخصوص، تلك الديون المترتبة عن القروض التي منحت من أجل الزراعات البكرية. ويمكن متى إلغاء هذه الديون بالنسبة للفلاحين الضعفاء.
على المدى المتوسط
في هذا الإطار ومن أجل الاستجابة إلى ضروريات المدى القصير وكذا مستلزمات المدى المتوسط فمن الأنجع أن يساهم كل المعنيين بالأمر أي المنتجون في توزيع اعتمادات صندوقي التنمية الفلاحة« FDA » والتنمية القروية « FDR » وذلك مع إعطاء الأولوية للإكثار من مناصب الشغل التي من شأنها أن تعود بالخير على سكان الأرياف والبوادي، أفرادا وجماعات خلال فترة الجفاف التي تمر منها حاليا البلاد وذلك بإنجاز المسالك وتشييد الجسور الصغيرة والممرات من أجل فك العزلة على عدد كبير من القرى والدواوير وسكانها، وبحفر الآبار ومد قنوات الماء لتزويد المواطنين بالماء في الأماكن التي لم تحظ بهذه النعمة لحد الآن، حتى يتمكن السكان من الحصول على الماء وتوريد ماشيتهم. وتزويد
القرى بالماء السليم الصالح للشرب يقتضي بالضرورة الإقدام على إنجاز نظام لتصريف المياه العادمة صيانة للبيئة وأساسا منها السديمات المائية الباطنية.
إن عملية التشغيل المفيدة يمكن أن تتجلى كذلك في عمليات العدن وتخليص الحقول من الأحجار والجلاميد لاسيما في المناطق الجبلية التي تتسبب فيها عمليات التعرية في ضياع كبير للتربة الجيدة الصالحة للإنتاج الزراعي. ومن المحبذ كذلك تشجيع الفلاحين « إذا كانت التساقطات المطرية كافية» على توسيع رقعة الأغراس مع العناية بأصناف أشجار ملائمة ومناخنا شبه الجاف (من زياتين وخروب ورمان وتين ولوز وصبار) وكذلك تشجير مساحات واسعة بأنواع من صابرة « cactus » والأغاف « Agave » والسيزال « sisal » والبلونيا « Paulownia » وأنواع أخرى صالحة لتغذية المواشي كالأتريبلكس « Atriplex ».
وفي هذا الصدد تجذر الإشارة إلى ضرورة الاستعانة بخرائط جودة ومؤهلات التربة التي أنجزها المعهد الوطني للبحث الزراعي « INRA » وذلك بتنسيق متين مع المندوبية العليا للمياه والغابات ومحاربة التصحر.
ونظراً لأهمية الماشية ودورها في الاقتصاد الفلاحي بالنسبة للعديد من الفلاحين الصغار أو بالنسبة لمن ليس لهم أرض فلا مناص من وضع تقييم دقيق لآثار الجفاف «أو قلة الأمطار» على مستوى إنتاجية الأبقار والأغنام والماعز وهي الحيوانات التي تمثل مجتمعة الأغلبية العددية لقطعان مواشينا وستهم هذه الآثار المرتقبة كلا من الموسم الفلاحي المقبل 2016-2017 والذي سيليه 2017-2018. ونتيجة هذا الاحتمال شبه المؤكد فاتخاذ سلسلة من الإجراءات البيطرة يفرض نفسه. في هذا الإطار بالذات ومن أجل الرد على بطالة شباب الأرياف والاستجابة في آن واحد لحاجات المواطنين وقطعان ماشيتهم، نعتبر أن على وزارتي الصحة والفلاحة الانكباب، سوية، على تكوين مساعدين متخصصين في الصحة البشرية بالنسبة للأولى ومساعدين بيطريين بالنسبة للثانية. أما وزارة الداخلية فمن المفيد أن تسعى إلى انبعاث هي مباشرة أو أن تحث الجماعات الترابية، التي أصبحت لها مسؤولية تدبير الشأن المحلي بشكل أكبر مما كان عليه الحال في الماضي، على إعادة الروح لمكاتب الصحة والوقاية الصحية، على المستوى المحلي « Bureauxcommunaux d’hygiène » والبحث عن الأطباء الكفيلين بتحمل هذه المهمة تعويضاً للعدد الكبير منهم الذين «شطب عنهم» من قوائم الوظيفة العمومية في السنوات الأخيرة.
إن إعادة الحياة لهذه المكاتب وتعميم وجودها بكل الجماعات القروية، لمن شأنه التنسيق المحلي بين أنشطة مصالح الوزارتين المشار إليها.أي الفلاحة من جهة (المكلفة بالطب البيطري) والصحة (المكلفة بصيانة صحة البشر)، ولاشك أن هذا الإجراء سيسير
عمل «المكتب الوطني المكلف بالأمن الصحي للمواد الغذائية»، « ONSSA ». كما سيساعد هذا الإجراء على الإسراع بالقضاء على ما يسمى جورا بمجازر الأسواق القروية وحث الجماعات الترابية الجهوية والإقليمية وحتى المحلية القروية على تطوير هذه المجزرات في إطار تحسين تهيئة الأسواق الأسبوعية لاسيما إذا حصلت العناية بإنشاء كذلك مستودعات للتبريد و»أمراس» الحبوب« Mers »عصرية متطورةتعويضا لتلك التي أخذت تتلاشى تحت مسؤوليات الشركات التعاونية الفلاحية « SCAM ».
هكذا سنستطيع على المدى المتوسط أن نرتقي بظروف عيش سكان أريافنا وإدراجهم الكلي في اقتصاد أكثر تطور.
وفي نفس السياق، ومن أجل إنعاش فلاحتنا، فمن المحبذ فتح أبواب مراكز التأهيل الفلاحي على مصراعيها أمام المزارعين ومربي الماشية الشباب، مع تشجيع المبادرات الرامية إلى إنشاء المزيد من «الدور العائلية القروية» « Les Maisons familiales rurales ».
إن تأهيل سكان الأرياف الشباب هو الكفيل بتسهيل التطور العميق لأنظمتنا الفلاحية وتبني مناهج جديدة وتقنيات حديثة ملائمة أكثر مع الاقتصاد العصري ومناسبة للتحول المناخي من جهة والحماية الرصينة للبيئة المنشودة من جهة ثانية.
وتدعيماً لما سبق ذكره، فالمطلوب من المعهد الوطني للبحث الزراعي « INRA » الاهتمام أكثر بالأبحاث الخاصة بالفلاحة في المناطق الجافة والقاحلة « Aridoculture »مما سيجعل هذا المعهد يقوم بدور النبرس المنير والمرشد إلى المزيد من تطوير فلاحتنا. ويمكنه الاستفادة القصوى من وجود «المركز الدولي للبحث في فلاحة المناطق الجافة»(CARDA) في بلادنا.
»International Center for Agricultural Research in the Dry Areas «
ولاشك في أن انتعاش وتطوير الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي يجب أن ينتقل من ميدان الأمل إلى مستوى الإنجاز على أرض الواقع الملموس لمن شأنه أن يطور قطاعنا الفلاحي وذلك بتنويع المهن في الأرياف بدءاً بالسياحة الخضراء وانتهاء بتنمية تربية الحيوانات الصغيرة كالأرانب والسمان والنحل وغيرها أو بتشجيع زراعة الفطائر أو الأعشاب العطرية والطبية.
على المدى الطويل
وبجانب ما يجب القيام به في ميدان الفلاحة البعلية المعتمدة على تساقط الأمطار لا مناص من إيلاء العناية اللازمة لآثار الجفاف وعواقب الانحباس الحراري على زراعتنا المسقية حتى وإن كانت هذه الآثار مؤجلة في الزمان، مما يستوجب العقلنة القصوى لتدبيرنا لماء الري وذلك بالتفكير الجيد في إمكانية تحويل مياه الروافد الشمالية لنهر سبو، في اتجاه مناطق ذات مؤهلات زراعية مؤكدة نظراً لجودة تربتها، كأراضي سايس وهضبة مكناس أو أراضي الشاوية، لكن دون أن يتكبد سكان مناطق مصدر هذه المياه أي حيف وضرر ودون أي تأثير سلبي على البيئة.
وإذا كانت عملية التصرف العقلاني الرصين للمياه تفرض نفسها على مستوى تهيئة المجال الوطني عامة فإنها تفرض نفسها كذلك على المستوى الجهوي لا سيما في الأراضي الخاضعة لسلطة المكاتب الجهوية للري. إن هذه الخطة العقلانية الرشيدة تلزم بتعميم سياسة الاقتصاد في الماء على مستوى الحيازات الفلاحية نفسها مما سيؤدي على المدى المتوسط ثم البعيد إلى توسيع رقعة الأراضي المسقية لتصل، دون عناء كبير، إلى 2 مليونين هكتار وذلك قبل الخوض في صرف نفقات مالية عالية بهدف تحلية ماء البحر.
وكخلاصة لهذا الاجتهاد المصاغ في هذه الورقات، يجب علينا أن نكرر الحقيقة التالية: على اقتصاديات وطننا أن لا تبق حبيسة بل ومتقيدة بالتقلبات المناخية، ولذا، علينا أن نجعلها تنتقل من التركيبة الحالية التي تتميز بكون القطاع الأولي الذي يهم الإنتاج الفلاحي والصيد البحري والإنتاج المنجمي، يحتل المكانة الثانية بعد القطاع الثلاثي الذي يعني الخدمات في جميع تجلياتها، ويوجد قبل القطاع
الصناعي الذي مازال في مؤخرة التركيبية الحالية الدالة على نوعية الاقتصاد المغربي.
فعلى المدى الطويل يجب أن تتحول هذه التركيبة من 3-1-2 إلى تركيبة من نوع 3-2-1 أي أن على بلادنا أن تنمي القطاع الصناعي بشكل يجعله يحتل مكانة أقوى من تلك التي مازال القطاع الأول يتبوؤها. في هذا التوجه نعتبر أنه في الوقت الذي سنسعى فيه إلى الرفع من إنتاجية فلاحتنا وتقوية قدرتها التنافسية داخلياً وخارجياً مع صيانة جودة بيئتنا بحماية ثروتنا المائية والهدروجيولوجية عن طريق التدبير المعقلن لماء الري، فعلينا أن نطور صناعتنا في انصهار تام مع القطاع الفلاحي. هكذا ففي عالية النشاط الفلاحي هنا كما تقدمه لنا ثرواتنا الفسفاطية، فالنمو المضطرد الذي يسجله قطاع تحويل الفوسفاط الخام، يؤثر إيجاباً على زراعاتنا بجعل الأسمدة رهن إشارة الفلاحين المغاربة كما يستجيب إلى حاجيات الإنسانية والرفع من الإنتاج الزراعي وضمان تغذية الملايير من البشر. إن هذه الصناعة الكيميائية ستستمر في إثراء اقتصادنا عموماً ومواطنينا خصوصاً بخلق فرص
للتشغيل وفي آن واحد بإنعاش إنتاجنا «اللامادي» بتطوير البحث العلمي في قطاعنا الفلاحي وغير الفلاحي.
أما فيما يخص النشاط الفلاحي فتنمية التصنيع سيجعلنا نحول أكثر من منتوجات القطاع الفلاحي كله كما أن الصناعة الميكانيكية التي أخذت في النمو بشكل ملحوظ ببلادنا عليها أن تهتم أكثر فأكثر باحتياجات القطاع الفلاحي إلى الآلات الضرورية لتطور عمله.
لهذا فالخوض في موضوع الجفاف وأثره المباشر يدفع بنا إلى التطرق لموضوع يبدو لأول وهلة بعيداً عن ميدان الفلاحة، لكنه ضروري ويفرض نفسه وهذا الموضوع هو المتعلق بضرورة ارتقاء مجتمعنا ليصل إلى اقتصاد العلم والمعرفة.
حزب التقدم و الاشتراكية
الرباط، 16 مارس 2016