إيمانا بقيمة الفعل الثقافي ودوره في تحقيق التغيير والتنمية، وتزامنا مع عيد المرأة واليوم العالمي للشعر، احتضنت جمعية “معا آزمور” حفل توقيع ديوان “بين حبيبات الرذاذ خلسة صفاء” للشاعرة مينة الأزهر، وذلك يوم السبت 12 مارس، بفضاء دار الصانع بآزمور، وذلك بمشاركة الصحفية والإعلامية حفيظة الفارسي والباحث عبد الإله الرابحي والإعلامي والتشكيلي شفيق الزكاري إضافة إلى الباحث الفاقيد عبد الفتاح مسيرا ومنشطا.
“بين حبيبات الرذاذ خلسة صفاء” الديوان الثاني في ربرتوار الشاعر مينة الأزهر، تستعيد من خلاله زمنها الضائع وتُضمّنه رغبتها في الانعتاق والتحرر من إسار غيمة طالما منعتها من الرقص والانطلاق كما أخبرتنا بذلك قصائد ديوانها الأول. سيلاحظ قارئ الديوان الثاني ذلك التحول الدينامي من وضعية الاستسلام والانهزام الذي عاشته الذات المأزومة إلى وضعية التحدي والتجاوز والعبور من نغمة اليأس والحزن إلى نغمة الأمل والتفاؤل، وإن كانت تلك النقلات محتشمة ومُختلسة من سطوة زمن قاهر لا يرحم. الديوان سفر في الذات وفي المكان، حيث تحولت ذاكرة الشاعرة إلى خزان لا ينضب من الصور التوليدية والاسترجاعية، وهو ما جعل النواة الدلالية والتأويلية تتأرجح بين ظلال الماضي واستشراف الآتي، ذلك الماضي الذي تسترجعه الذات عبر استرجاع فضاءات المدينة مرتع الطفولة ومهد تناسل الأحلام، لتصبح الرغبة معكوسة ليكون الماضي صورة للمستقبل مادام الحاضر مترديا موبوء.
تأويلا لقصائد الديوان وبحثا عن احتمالات الدلالة، قدمت الإعلامية حفيظة الفارسي مقاربتها التي انصبت حول تجليات الحواس الروحية وتعالقها مع الصورة الشعرية داخل الديوان، كما اهتمت بالبحث في تجليات ثيمة الماء وأبعاده الرمزية اعتمادا على أهم التصورات الفلسفية لغاستون باشلار في كتابه المركزي “الماء والأحلام”، وكذا تصورات آنخيلاستورياس، تصورات دفعت حفيظة الفارسي إلى قراءة الصور الشعرية المحمّلة بأثر الماء على أنها تعكس حقيقة التماهي بين ذات الشاعروالماء الذي تحول بدوره إلىآلية للتطهير،الكتارسيس، والخلاص من وضعيات الانكساروالألم.
القراءة الثانية كانت للباحث عبد الإله الرابحي، حاول من خلالها تقديم صور التماهي بين الساردة شهرزاد في “ألف ليلة وليلة” وذات الشاعرة في الديوان، ويسعى الرابحي من وراء هذا التماهي إلى رصد التقاطعات والتمفصلات الكائنة والممكنة بين الصورتين، تمفصلات تحققت عبر احتفال كل من شهرزاد والأزهر بثيمة الليل باعتباره يرمز لأحاسيس التوجس والقلق والخوف، وهو ما جعل الحكاية عند شهرزاد منجاة وعند الأزهر ملاذا وحياة.
القراءة الثالثة للإعلامي والفنان التشكيلي شفيق الزوكاري استهلها بتقديم ملاحظة إجرائية ومنهجية تشير إلى أن قراءته تنطلق من رؤية استطيقية انطباعية في أفق مقاربة المنجز الشعري بعيدا عن كل قراءة نقدية متخصصة، لذلك أشار إلى أنه يستهدف البحث عن جمالية التصوير الشعري من خلال البحث عن الصور المنفلتة والهاربة، صور محملة بآثار الذكريات التصويرية للفضاءات التي تستعيدها الشاعرة بنفس جمالي توليدي وإبداعي، كما اهتمت مقاربة الزوكاري بتتبع العناصر المائية وتلويناتها داخل الكون الشعري للتأكيد على فكرة الترابط الكائن بين المال والأحلام والخيال.
للإشارة تخللت تلك المقاربات كلمة الشاعرة مينة الأزهر التي عبرت فيها عن شكرها وامتنانها لمدينة آزمور، الفضاء الشاعري الذي ألهب حواسها الروحية وألهمها لغة الحلم والطاقة التخييلية التي اجتهدت في تطريزها وترجمتها إلى لغة الشعر والإبداع، كما أهدت الشاعرة قراءة بعض القصائد للجمهور الذي تفاعل بقوة مع جمالية التعبير والإلقاء، ثم كانت حلقة توقيع الديوان آخر حلقات هذه الأمسية الشعرية.
< عبد الفتاح الفاقيد