بيان24: محمد حجيوي
البشير الدخيل شخصية وطنية فارقة في تاريخ المغرب المعاصر، له بعد نظر في مختلف القضايا الكبرى التي تستأثر باهتمام مكونات المشهد السياسي الوطني، وخاصة قضية الصحراء، باعتباره واحدا من العشرة الأولين الذين أسسوا جبهة «البوليساريو» بهدف تحرير الساقية الحمراء وواد الذهب من براثين الاستعمار الإسباني، قبل أن تستحوذ الجزائر على البوليساريو وتحولها إلى «حجر عثرة في حذاء المغرب»، كما صرح بذلك الرئيس الجزائري الأسبق الهواري بومدين.
البشير الدخيل، المثقف العضوي بالمفهوم الغرامشي، يتقن التواصل بسبع لغات: الإغريقية القديمة واللاتينية والإسبانية والإنجليزية والفرنسية والعربية، له شخصية قوية وفكر متيقظ، ومتفتح، يعود الفضل في تنشئته لوالدته التي أصرت على تلقينه المبادئ الأولى لمدرسة الحياة قبل أن تقدم على تعلميه في المدراس الإسبانية، وفي نفس الوقت الدراسة في الكتاب القرآني.
يحب البشير الدخيل أن يعرف نفسه بالبدوي القادم من الصحراء أرض العلم والعلماء ومنبت الفلاسفة والمفكرين، جعل من الدفاع عن الكرامة الإنسانية هدفا لوجوده، يؤمن بأن الديمقراطية هي بناء يستوجب التضحيات، خاصة من طرف المثقف الذي عليه أن يتجنب السقوط في الشعبوية. هكذا قدمه الاقتصادي والباحث امحمد كرين، خلال اللقاء الذي نظمه مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، أول أمس الثلاثاء بالرباط.
تحدث البشير الدخيل، خلال هذا اللقاء، عن مساره النضالي والإنساني وبداية تشكل الوعي السياسي لديه في سبعينيات القرن الماضي، منذ معركة «إكوفيون» سنة 1958 حين تحالف الاستعمار الإسباني والاستعمار الفرنسي ضد جيش التحرير وضد الساكنة الصحراوية، وكان عمر البشير الدخيل آنذاك لا يتجاوز الأربع سنوات، ثم وصولا إلى ما يعرف بـ «انتفاضة الزملة» يوم 17 يونيو من سنة 1970 بالعيون، والتي شكلت بداية تحول في مسار الرجل وفي تكوين قناعة لديه بضرورة محاربة الاستعمار الإسباني.. وكيف شكل، بمعية آخرين، الخلية الأولي للغاية ذاتها، في مدينة العيون، قبل أن يتوجهوا إلى موريتانيا من أجل التدريب على السلاح، وكان عددهم وقتها لا يتجاوز الخمسة وعشرين نفرا، قبل أن يلتحق بهم آخرون من أمثال الوالي والحضرمي وغيرهما ممن كانوا يتابعون تعليمهم في مختلف جامعات ومعاهد المغرب.
كما تطرق البشير الدخيل لتلك البدايات الأولى لتأسيس «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب»، خاصة خلال اجتماع الزويرات يوم 28 أبريل 1971، قبل الإعلان عنها بشكل رسمي يوم 20 ماي من نفس السنة، مشيرا إلى أنه هو أول من كتب اختصارا كلمة «بوليساريو» ولم يكن في باله ولا في بال رفاقه شيء اسمه «الجمهورية الصحراوية» ولا «الصحراء الغربية»، واستطرد الدخيل قائلا «إن الفترة الممتدة من 1973 إلى 1975 كانت فترة مهمة جدا، وكان أبرز حدث هو تنظيم المسيرة الخضراء» لكن أيضا كانت، بحسبه، بداية سيطرة الجزائر على البوليساريو حيث انقلبت على مصطفى الوالي الذي انتخب بشكل ديمقراطي كأمين عام للجبهة، في مؤتمر «تيبازا».
وأوضح المتدخل كيف كانت الجزائر تسيطر على «البوليساريو» إلى درجة لم يعد بالإمكان معرفة الحدود الفاصلة بين الجبهة والنظام الجزائري، على حد تعبير أحد الصحفيين الإسبانيين في تصريح له في تلك الفترة حيث قال «لا أعرف أين تنتهي الجزائر وأين تبدأ البوليساريو».
وأضاف الدخيل أن الجزائر بعدما أقالت مصطفى الوالي سنة 1974 من رئاسة الجبهة، زجت به في السجن قبل أن يطلق سراحه بفضل المسيرة الخضراء التي كانت حدثا فارقا خلال تلك المرحلة، مشيرا إلى أنه قبل مقتل مصطفى الوالي في الهجوم على نواكشوط، لم يكن بإمكان الجزائر الاستحواذ على الجبهة، ولم يكن أحد سيعرف شخصا اسمه محمد عبد العزبز أو البوهالي أو غيرهم من الأسماء التي طفت على السطح.
وقال البشير الدخيل «إن الجزائر كان لها دور حاسم في تحويل الخطاب من تحرير الساقية الحمراء وواد الذهب إلى الصحراء الغربية، ثم إعطاء اسم الجمهورية، وذلك خدمة لمصالحها الخاصة» مبرزا في الوقت ذاته، التناقضات التي سقط فيها النظام الجزائري الذي يدعي أنه يريد الاستفتاء لـ «تقرير المصير»، في الوقت الذي يقول فيه إن هناك «جمهورية صحراوية» وبالتالي كيف يمكن أن تطالب بالاستفتاء «لشعب تقول أن لديه جمهورية». إنها قمة المفارقات التي يروج لها النظام الجزائري.
وجدد البشير الدخيل التأكيد على عدم إيمانه بالجمهورية، لا في القرن الماضي ولا في القرن الواحد والعشرين، مشيرا إلى أنه لم يكن قط مستعدا للنضال من أجل جمهورية لا يتجاوز تعداد سكانها الـ 200 ألف على أبعد تقدير، في الوقت الذي يتجه فيه العالم إلى بناء تكتلات قوية. وبالنسبة له، فمنذ سنة 1988 انتهت «البوليساريو» ولم تعد موجودة في الواقع، مبرزا أنه في هذه الفترة تم اللقاء بالملك الحسن الثاني في مدينة أكادير وتم الاتفاق معه على مجموعة من النقط، لكن عند عودته والوفد المرافق له إلى الجزائر غير من معه من أقوالهم، ولم تعد لهم أية مصداقية، بحسبه، لأنهم أصبحوا لعبة تحركها الجزائر لمصالحها الخاصة.
الآن، يقول البشير الدخيل، وبعد أن عاد إلى المغرب في إطار التصالح الوطني في بداية تسعينيات القرن الماضي، «إن حل قضية الصحراء لا يمكن أن يكون إلا من داخل المغرب، ولا يمكن أن يكون إلا في إطار البناء الديمقراطي للمغرب، وبناء الدولة الحديثة. دولة الحق والقانون، وتكافؤ الفرص»، مشيرا إلى أنه «من غير الممكن بناء دولة بالعاطفة، كما أن مفهوم الشعب الصحراوي الذي تروج له الجزائر، غير دقيق من الناحية العلمية ومن الناحية السياسية وأيضا من الناحية القانونية في إطار القانون الدولي».
وعبر البشير الدخيل عن رفضه لمقولة «البوليساريو هو الممثل الوحيد للشعب الصحراوي»، مشيرا إلى أن هذه الأخيرة لم تعد تمثل إلا نفسها، وأن الانتخابات الأخيرة التي جرت في الأقاليم الجنوبية، أسقطت هذا المفهوم، حيث أن جميع المسؤولين المنتخبين على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي هم صحراويون ولدوا في تلك الأرض، كما أن أغلب الصحراوين في تندوف يؤمنون بأن الحل لا يمكن أن يكون إلا في إطار المغرب.
يشار إلى أن هذا اللقاء الذي حضره ثلة من الباحثين والمفكرين أعضاء مركز الدرسات والأبحاث عزيز بلال، تميز بالكلمة التي ألقها رئيس المركز الاقتصادي محمد الشيكر الذي ذكر فيها بالسياق الذي ينظم فيه هذا اللقاء مع البشير الدخيل الذي يعد من الشخصيات البارزة في المشهد الوطني.
حل قضية الصحراء المغربية لا يمكن أن يكون الا من داخل المغرب وفي إطار بنائه الديمقراطي
الوسوم