حوض تانسيفت.. بين الإمكانات الطبيعية الهائلة وتحديات تغير المناخ

> محمد التفراوتي

الساعة تشير إلى السابعة صباحا، خيوط الصباح الأولى بدأت تتسلل وتنبيء بانبلاج يوم ندي من أيام فصل الشتاء. يوم يتطلع مع ذلك إلى طقس دافيء، بعد ليلة هادئة في إقامة تطل على ضفاف نهر “بستي فاطمة ” المهدار.
التف أعضاء الفريق العلمي، ضمن مجموعات، على موائد الإفطار بمقهى حسن الذي يسعى جادا لتوفير مستلزمات وخدمات مقام زواره. اخذت مكاني على طاولة الطعام، وأنا أفرك يدي ببعضهما مرتعدا من قسوة البرد الذي يأبى أن يترك مكانه لتباشير يوم صحو ومشمس وطقس متنكر لطبيعة فصل الشتاء الممطر.  ولمقاومة هذا البرد الصباحي، كنت سعيدا كباقي جلسائي، وأنا ألتهم صحنا من شوربة الفول الساخنة “البيصارة”.

يستعجل البروفسورعبد اللطيف الخطابي منسق “مشروع التكيف مع تغير المناخ (GIREPSE) ،  أعضاء فريق البحث بعد أن تناولوا إفطارهم واستقلوا سيارات “لاندوفير” ، لبداية برنامج يوم حافل ومكثف بالزيارات والاستطلاعات لمواقع اختيرت كفضاءات للبحث والدراسة من قبل الطلبة الباحثين والدكاترة المؤطرين.
نخبة من الباحثين والطلبة، من تخصصات مختلفة، يشاركون في هذه الرحلة الاستطلاعية الجديدة التي تندرج في إطار “مشروع التكيف مع تغير المناخ من خلال الإدارة المتكاملة للموارد المائية ودفع مقابل الخدمات البيئية ” (GIREPSE)، وذلك لدراسة الخصائص المناخية والطبيعية لحوض تانسيفت و فضاءاته المتنوعة من جبال وسهول ووديان ،همت مواقعي “ستي فاطمة ” و”اوكايميدن “.. في سياق أبحاثها العلمية بحوض تانسيفت
كما شارك في الرحلة، التي ركزت على الحوض الفرعي لأوريكا، أكثر من خمسة وعشرين شخصا يؤطرهم عشرة باحثين.
وقف الجمع على ربوة بجانب ملتقى الطريق المؤدي إلى أغمات، مرقد الشاعر والأمير الأندلسي المعتمد بن عباد، متابعين باهتمام ما تناوله بعض المؤطرين عن تاريخ الماء وأساليب الري والتوزيع بالمنطقة  .
ثم انطلق الفريق العلمي يجوب القمم والهضاب الممتدة بربوع حوض تانسيفت، الذي يحتضن تشكيلة واسعة من النباتات والحيوانات، متحديا التضاريس الوعرة. مناخ المنطقة متغير عن أحواله العادية لا أمطار غزيرة ولا ثلوج كثيفة تزين جبال الاطلس الكبير.
وطبقا لإفادات الخطابي، فقد تم تناول الإشكالات المناخية الكبرى بالدرس وللتحليل تلبية لحاجة ملحة إلى تقييم هشاشة الأوساط الطبيعية والسوسيو اقتصادية، والمحافظة على المؤهلات والخدمات البيئية لفائدة المجتمعات المحلية وتعزيز قدرتها على التكيف أمام المخاطر المناخية.
 وتهدف هذه الجولة إلى تعريف الطلاب الجدد المشاركين بأنشطة المشروع والاطلاع عن كثب وميدانيا على مشاكل وقضايا المنطقة، وذلك بغية وضع اللمسات الأخيرة، وعلى نحو أفضل، على الموضوعات التي ستدرس خلال أبحاث المبرمجة.

قضايا المناخ بحوض تانسيفت

استعرض المؤطرون العلميون خلال زياراتهم المختلفة لمواقع متنوعة، قضايا المنطقة المؤرقة من قبيل إدارة المناطق الطبيعية، وتهيئة الحوض المائي، وإشكالات تآكل التربة (التعرية) والفيضانات . فضلا عن محاور قاربت الجوانب الفيزيائية الحيوية للمنطقة وبعدها الجغرافي.
وتحدث البروفسور أحمد أوهمو عن المناخ المتوسطي الذي يميز بعض مناطق المغرب، إذ تختلف، عادة، درجات الحرارة حسب الفصول والمناطق، حيث يكون فصل الشتاء معتدل الحرارة وتساقطاته غير منتظمة، أما فصل الصيف فهو حار وجاف. وتناول العوامل المؤثرة على المناخ بالمغرب وأثر ذلك على الغطاء النباتي والجريان المائي، مشيرا إلى التساقطات المطرية القوية التي تشهدها المنطقة وما يرافقها من عواصف رعدية التي تحدث فيضانات خطيرة .
وأوضح أوهمو أن الأطلس الكبير هو منطقة جغرافية تضم مياه سطحية تتألف من أحواض مائية  تتمثل في “النفيس” و”غيغاية” “أوريكا ” ” الزات” ” غدات” لكن أهمها  حوضي” نفيس”متبوعا ب” أوريكا”  من حيث المساحة والتدفق .
وأضاف أن هذه الأحواض المائية تتواجد في الجانب الشمالي من سلسلة جبال الأطلس الكبير. و تتميز الموارد المائية السطحية بتوزيع جغرافي وزماني غير منتظم. وتعد جبال المنطقة المزود الرئيسي للمياه السطحية ويشكل السهل منطقة عبور المياه ومجالا لاستعمالها. هذا ويتم صرف التدفق المائي الذي تخلفه العواصف الرعدية والتساقطات المطرية القوية، بواسطة الشبكة الهيدروغرافية لواد تانسيفت في اتجاه البحر. ويمكن تقسيم الحوض المائي لتانسيفت من ناحية الموارد المائية السطحية إلى ثلاثة مناطق متباينة تتجلى في منطقة واد تانسيفت العليا وروافده الواقعة بالضفة اليسرى. و منطقة تانسيفت السفلى  ثم منطقة لقصوب – اكوزولان، وتتكون من الأحواض الساحلية الأطلسية لقصوب واكوزولان.

منطقة أوكايمدن الجبلية
    
في عمق جبال الأطلس، وعلى ارتفاع 2700 متر عن سطح البحر، في منطقة أوكايمدن الجبلية، اصطف فريق البحث على شرفة عالية يتراءى من خلالها ضباب يخيم على قمم جبال الاطلس الكبير الشاهقة، المتراصة هنا وهناك. حيث تمتلئ الأرض بعبق أشجار العرعار “البخوري” الفواح.
وقال البروفسور أوهمو إن أوكايمدن الجبلية منتجع سياحي مند فترة طويلة. وكل  فصل صيف، وحتى الثلوج الأولى من أواخر فصل الخريف، يرعى فيها  قطعان مواشي قبائل المنطقة طيلة اليوم لتستريح في الليل في بنايات تسمى “العزيب ” .
ومن جهته، أكد عبد اللطيف الخطابي أن الحوض المائي الفرعي لأوريكا، منطقة عمل مشروع GIREPSE))  بمنطقة الأطلس الكبير بمراكش، يعد فضاء محببا  للاستجمام من قبل المواطنين والسياح بمنطقة مراكش في فصل الصيف. كما أن الإمكانات السياحية البيئية والمناظر الطبيعية لنهر اوريكا عديدة ومتنوعة وتعد إرثا مفعما بالمقومات الترفيهية الطبيعية والإمكانيات البشرية والثقافية.
وأكد الخطابي أن جهة مراكش تتواجد في سياق مناخي جاف وشبه جاف. كما أن  كمية المياه المتوفرة منخفضة ومتغيرة في الزمان والمكان. بالإضافة إلى ندرة المياه وتوزيعها غير المتكافئ، ويرجع ذلك إلى تأثير تغير المناخ، الملاحظ محليا وعالميا، ذلك أن المنطقة تعاني من تزايد الطلب على المياه.
ومن هنا، يضيف الخطابي، فإن الإدارة الرشيدة والصارمة للموارد المائية هو أمر بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة، ولتسليط الضوء على إمكانات الأراضي المسقية في السهول وتجنب نقص المياه التي يمكن أن تشكل عائقا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتناول الخطابي سبل تطوير خطة عمل محتملة يمكن أن تسهم في تنمية المنطقة،  التي تتميز أساسا بهشاشة ساكنتها، وتدهور البنية التحتية الأساسية، ومخاطر الفيضانات.  كل هذه العوامل أدت إلى انخفاض الجودة في الترفيه بالنسبة للزوار، وبذلك فإن هذا الوضع لا يسبب إلا في انخفاض السياحة، التي تعد مصدرا هاما (بموقع أوريكا) لدخل الساكنة.
وذكر البروفسور الخطابي بتجربة إعادة زرع الصبار بموقع أوريكا ، بغية إعادة تثبيت التربة ولفت الانتباه إلى رهانات تهيئة المجال، ودور ذلك في الحد أو التخفيف من عدم استقرار الأفراد الذي يتزايد من جراء الفيضانات إذ تقتلع، في بعض الحالات، السواقي التقليدية  التي يعتمد عليها المزارعون في ري حقولهم.
وتناول البروفسور أحمد صابر لمحة موجزة عن تاريخ النظم والتقنيات التقليدية لتدبير المياه وتهيئة الأحواض الهيدروغرافية، مشددا على الطابع السلبي لنظام تدفق المياه بنهر أوريكا والذي يرجع أساسا إلى المنحدر الحاد للنهر، فضلا عن انخفاض نفاذية التربة والاستغلال المفرط للغطاء النباتي.
وبذلك تؤدي هذه العوامل إلى جريان كميات كبيرة من الماء، تؤدي إلى فيضانات مدمرة. وللحد من حجم هذه الظواهر تدخلت إدارة تدبير الغابات، المسؤولة عن تهيئة الحوض الفرعي،  للحد من سرعة تدفق وجريان المياه من خلال تحسين تسرب المياه للفرشة المائية عبر توسيع الغطاء النباتي، وكسر سرعة المياه  المتدفقة من خلال بناء السدود وتهيئة عتبات مناسبة. ويتيح هذا النظام استرداد وتقييم ،بسرعة، الأراضي المتدهورة، وكذا المخربة والتي يتم فيها توقيف جريان المياه بصرامة.
يذكر أن الرحلة العلمية نشطها وأطرها دكاترة باحثون وخبراء آخرون من مخنلف التخصصات من قبيل عبد النبي زين العبدين وسعيد  لحسيني ونادية المحمدي و أم هاني الدلاني وعبد الهادي بنيس.
ويشار أن “مشروع التكيف مع تغير المناخ من خلال الإدارة المتكاملة للموارد المائية ودفع مقابل الخدمات البيئية (GIREPSE) “، هو مشروع تنسقه الجمعية المغربية للعلوم الجهوية (AMSR) بشراكة مع جامعة القاضي عياض والمدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين والمديرية الوطنية للأرصاد الجوية والمرصد الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة بجهة مراكش تانسيفت، والمعهد الوطني للتهيئة والتعميير، ثم جامعة مونكتون بكندا، وهويمتد على ثلاث سنوات.

Related posts

Top