حين تناولت فطوري مع هواتف أبنائي

مدمنو الهاتف الذكي صاروا يشكلون نسبة كبيرة تدعو للقلق. هذا الجهاز ليس فقط ذكي بل يجعلك لصيقا به، كما أن الذين اخترعوه أفلحوا في جعله ضروريا إلى حد صار فيه الواقع يبدو أنه لا يمت بصلة إلى الحياة أكثر من اتصاله بالشاشة. عدة تطبيقات أدت إلى جعل الجاذبية التي تمارسها بالخصوص على الشباب شبيهة بظاهرة، كما هو الحال بالنسبة لسنا بشات التي تتأسس على اقتسام أقل شيء أو فعل في الحياة، من قبيل إرسال صورة لوجبة فطور أو فنجان شاي.
 يا ما احتججت على أطفالي، طالبا منهم الاعتدال في ارتباطهم بهذا الجهاز، وأنا أفسر لهم الخطر الذي يشكله، ليس باليد حيلة. هكذا يمكن لي القول إنه في ذات يوم كنت قد تناولت فطوري مع هواتفهم. كان ذلك بمثابة لعبة، عين على الصحن والأخرى على الشاشة. تماديت في اللعبة إلى أبعد حد، إلى حد استخدام جهازي للتحدث معهم. وقعت في المجيب، أودعت الرسالة الآتية:
” ألو، أريد الحصول على موعد في مكان حيث لا وجود لرابط بالأنترنت، أنا بحاجة إلى التحدث معكم عن موضوع يثير الانتباه والصمت.. اتصلوا بي أو بالأحرى مروا لملاقاتي بمجرد وضع هاتفكم الذكي في الصندوق الصغير بالمدخل..”.
  ضحكوا وهم يقولون لي إنه ينبغي علي أن أكون خفيف الروح.
 طيب، السيد صطيف جوب فعل كل ما في وسعه لربط العالم بأسره بلعبه. كل شيء تحت المراقبة: من الحاسوب إلى الهاتف مرورا بالأيباد، كل شيء مسجل، متناغم، مؤرشف، أيادي وأكفف مربوطة، لقد صرنا مستهلكين مطيعين، خاضعين ومستسلمين.
فضلا عن ذلك، وهذا شيء خطير جدا، لم تعد لنا ذاكرة. الهاتف الذكي سلب منا ذاكرتنا، إنه يمتلكها، يملأها ويحتفظ بها في خباياه الافتراضية، داخل سحابة.
 هكذا، لا أحفظ أي رقم. أنا مضطر بالنسبة لهاتفي وحينما أشرع في حفظ بعض الأرقام المهمة، أنتبه إلى أن قدرتي على الحفظ ضعفت. نعتمد على هذه الأجهزة. لم تعد لنا أي مبادرة. الشيء نفسه بالنسبة للصور. شاهدت في يوم آخر حفل حيث كان الجميع منهمكا بتصوير ما يشاهده على الركح. لم يكن عرضا مسرحيا (هذا ممنوع)، لكن عرضا موسيقيا. وهو ما جعل فنان الراب نكفو يقول في إحدى أغانيه الأخيرة:
 “إنهم يصورون عروضي عوض أن يعيشوها”.
هناك كذلك تلك العادة المتمثلة في التقاط الصور مع الناس. ماذا يكون مصير كل تلك الآلاف من الصور؟ بلا شك، إنها على الشاشة، في غيمة جميلة. انتهى ذلك الزمن حيث كنا نقوم بتصفيف الصور الورقية في ألبوم ونسجل التاريخ وأسماء الأشخاص والأمكنة. اليوم صار المطبوع والورق مهجورين. كل شيء يوجد في بضع سنتمترات مربعة. إذا سقط الهاتف الذكي في الماء أو تم فقدانه، إذا كان كل شيء محفوظا، ستجد حياتك الافتراضية جالسة بكل هدوء على طرف غيمة تمتاز بكونها لا تتحول إلى مطر. بمعنى آخر، ملايين الأرقام والصور تسقط فوق رؤوسنا وها نحن من جديد ضحايا الهاتف الذكي.  

بقلم: الطاهر بنجلون

ترجمة: عبد العالي بركات

Related posts

Top